سينما الثورة: الانتفاضة العراقية وأفلامها في خيمة

18 يناير 2020
يوميات الانتفاضة ستشكل مصدراً مهمّاً لأفلام وثائقية (فيسبوك)
+ الخط -
منذ وقتٍ غير بعيد، بادر سينمائيون شباب عراقيون لتحقيق فكرة يرفدون بها الحراك الشعبي، المشتعل منذ ثلاثة أشهر في العراق. اختاروا ساحة التحرير في بغداد، ونصبوا خيمة كبيرة بين خيام المتظاهرين، أطلقوا عليها اسم "خيمة سينما الثورة"، لعرض أفلام سينمائية مختلفة فيها، كشكلٍ من أشكال الاحتجاج السلمي.

كما ساهم مثقفون عراقيون في هذا الحراك بفاعلية، كان يجب أن يكون للسينما نصيبها من هذا النشاط. فنانون تشكيليون ملؤوا الجدران برسوم "غرافيتي"، توثّق وتترجم شعارات الانتفاضة وتفاصيلها. وبفضلهم، انبثقت مبادرة السينمائيين الشباب، في "سينما الثورة"، التي تُقام فيها نشاطات سينمائية تُساهم في إدامة الزخم الثوري لدى الشباب، بعرضٍ يومي لأفلامٍ عن المتغيّرات الثورية في العالم؛ ذلك أن "الاحتجاجات الشبابية في ظلّ نصب الحرية"، كما يقول المُصوّر السينمائي عمار جمال، "تمنح صانعي الأفلام فرصة لا تعوّض لصوغ مواضيع تتماهى مع مطالب المتظاهرين والمحتّجين، بعيداً عن مشهد العنف والدم والقتل المجاني، الذي وسم معظم الأفلام في الأعوام الثمانية الأخيرة، وهذا على اعتبار أنّ السينما أكثر الفنون تمثيلاً للأحداث والقضايا الكبرى، وأنّها صورة ستبقى ماثلة في وعي السينمائيّ، وهو يعيد إنتاج الحدث بتحقيقه فيلماً". يضيف جمال: "ربما تمنح ساحة التحرير صنّاع أفلامنا صُوراً لا عدّ لها، تكون فرصة لهم لاستلهام مواضيع تتساوق مع مطالب الإصلاح والتغيير التي ينشدها شباب الساحة".

انطلقت المبادرة في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بمحاضرةٍ عن السينما والاحتجاجات (ألقاها كاتب هذه السطور)، وعرض "مُصوّر بغداد" للعراقي مجد حميد، و"الحياة معجزة" للصربي أمير كوستوريتزا.

يقول المخرج ملاك عبد علي، أحد ثلاثة سينمائيين أطلقوا هذه المبادرة مع علي رحيم ومهند حيال، إنّه منذ اليوم الأول لانطلاق المبادرة "وضعنا برنامجاً حافلاً، لا يقتصر على الأفلام التي تُعرض فقط، بل على تنظيم ورش إنتاج وإخراج وكتابة السيناريو وغيرها أيضاً، مفتوحة أمام شبابٍ طموحين، وآخرين عاملين في هذا المجال، فضلاً عن أمسياتٍ ثقافية موسيقية وفنية مختلفة، واستضافة نقّادٍ ومعنيين، لإلقاء محاضرات عن السينما والثورة".
يُذكر أنّ أفلاماً عديدة معروضة في "سينما الثورة"، كـ"ميسي بغداد" لسهيم عمر خلفية، و"حسن في بلاد العجائب" لعلي كريم، و"جاري الاتصال" لبهاء الكاظمي، و"تجريد الله" لكرار موسى، و"أكتيو" لعلي نعمة، و"ساحة التحرير" لحسام ناظم، و"أحلام تحت الأنقاض" لمحمد خليل، و"الكرادة" للباقر جعفر، و"الرسالة الأخيرة" لملاك عبد علي، و"الساعة الخامسة" لأيمن الشطري، وغيرها.
يرى المخرج مهند حيال أنّ نشاط الخيمة لا يقتصر على الترويج للثقافة السينمائية والترفيه، "لأنّها تتماهى بأهدافها مع المطالب الأساسية للمنتفضين، إذْ دخلت السينما لتضيف احتجاجاً سلميّاً جديداً إلى ساحة الاحتجاج، وإلى من لازمها منذ الأيام الأولى"، مضيفاً أنّها تهدف إلى إدامة زخم التظاهرات في العراق، وتثقيف المتظاهرين وتوعيتهم، وتتعلّق بكسر احتكار بعض مؤسّسات المجتمع المدني الفاسدة، العاملة في مجال السينما، واستغلال إمكانيات الشباب في هذا الجانب. وأيضاً، تقديم فنّ يُحارِب الفساد، ويكون "فنّاً شريفاً وأصيلاً، ينبع من روح المجتمع العراقي، ويمسّ الواقع العراقي، ويهدف إلى وطن أفضل".

من جهته، يقول المخرج والمنتج علي رحيم إنّ "سينما الثورة" هي سينما الشباب الثائر ضد الفساد والظلم، لإشاعة وعي وذوق سينمائيين: "هذه المبادرة جزءٌ من نسيج الثورة، وبالتالي فهي تتبنّى شعاراتها وأهدافها السامية"، مشيراً إلى أنّ "خيمة السينما تحرص الحرص كلّه على إطلاق توجّه جديد للسينما العراقية، وانتزاع الحقوق المسلوبة للسينمائيين، كالحقوق المسلوبة للشعب". ويضيف: "لعلّ بعض أهداف السينمائيين الشباب، في خضم هذه الثورة، يتمثّل في المطالبة بهيكلٍ إداريّ جديد للسينما، يتعاطى مع هذا الفنّ بوصفه رسالة إنسانية مهمّة، ووسيلة اتصال فاعلة، وبالتالي توفير حقوق السينمائيين لخلق سينما وطنية زاهرة". يقول رحيم أيضاً إنّ شباب الثورة من السينمائيين يرفضون أيّ تمويلٍ خاصّ من المنظّمات المشبوهة، التي كانت تدعم الفاسدين، وحتى بعض السفارات الأجنبية العاملة في العراق. فنحن لا نسمح بتجيير قضية الثورة أو ركوب موجتها، لأنّ هدف قضيتنا إنسانيّ بحت".
بالنسبة إلى الناقد السينمائي كاظم سلوم، فإنّ أهمية المبادرة تكمن في تأكيد الأهمية الكبيرة للسينما في دعم انتفاضات الشعوب ضد الفساد والظلم: "لكنّ عروض الأفلام وحدها لا تفي بالغرض المطلوب، فالتوثيق اليومي الدقيق لكلّ ما يجري من أحداث في ساحات التظاهر، يُشكّل العامل الأهم في دعم الانتفاضة". يُضيف سلوم: "فعلاً حمل شباب عديدون كاميراتهم لتصوير ما يجري"، مُشيراً إلى أنّه في كلّ زاوية من زوايا ساحة التحرير "تدرك أنّ الشباب، الذين يحملون كاميراتهم السينمائية لتصوير ما يجري، يُدركون تماماً أنّ ما يوثّقونه سيُشكّل مادة غزيرة لأفلامٍ روائية ووثائقية مقبلة، ستتحدّث عمّا جرى، وعن حجم التضحيات التي دفعها المنتفضون، شهداء وجرحى، وعن حجم المشاركة الواسعة لمختلف شرائح الشعب، ومشاركة النساء والأطباء والمسعفين، وأصحاب الـ"توك توك"، وتوافد أبناء المحافظات القريبة، وغير ذلك".


المساهمون