زينب خاتون.. من ساحة نضال مصرية إلى مقهى شعبي

29 يونيو 2015
"مصر القديمة" تروي التاريخ (ماركو دي لاورو/Getty)
+ الخط -
ساحة واسعة، وجلسات عربية على الأرض، على مقربة من طاولات يحيط بها عدد من الكراسي وتتوسطها أواني الشيشة الزجاجية. المكان يعج بأناس أغلبهم من الشباب، فيما يمر العاملون بين الطاولات والجلسات العربية بصواني الشاي واليانسون والفطير الحلو والمالح، يتمايلون في تحركاتهم بين الطاولات، مع وقع أغاني محمد منير وأم كلثوم القادمة من الخلفية.

هي مقهى بلدي بامتياز، ولكنها أيضا مكان تاريخي بكل معنى الكلمة.. منطقة تنبض بالحياة طوال العام، لكن للإفطار والسحور هناك مذاق آخر.. إنها الساحة الواقعة بين منزل زينب خاتون، وبيت العود، خلف مسجد الأزهر، في قلب القاهرة، حيث يمتزج التراث والتاريخ بروح العصر وأنماط الشباب.

أقيم منزل زينب خاتون عام 1486 بأمر من الأميرة شقراء هانم، حفيدة السلطان الناصر حسن بن قلاوون، أحد سلاطين المماليك. وظل هذا المنزل ملكها حتى عام 1517 ودخول العثمانيين مصر، وتعاقب الوافدون الجدد على سكن المنزل، وأضفوا لمساتهم عليه.

وفي القرن الثامن عشر، تزوج الأمير شريف حمزة الخربوطلي من إحدى خادمات محمد بك الألفي، بعدما تحررت. كانت تُدعى زينب، وأصبحت أميرة بعد زواجها من الأمير شريف. وأضيف لقب خاتون إلى اسمها، وهو يعني "المرأة الشريفة الجليلة"، واشترى لها الأمير شريف منزل شقراء هانم، حفيدة السلطان ناصر حسن بن قلاوون. وسُمي المنزل باسمها، حتى قرار ضمه لوزارة الأوقاف المصرية، والتي أجّرته للعديد من الشخصيات، كان آخرهم أحد القادة العسكريين البريطانيين إبان فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر.

اقرأ أيضاً: قصة تمثال الحرية: من قناة السويس إلى نيويورك 

قليلون فقط من دخلوا مسجد العيني المقابل لساحة منزل زينب خاتون. قال إمام المسجد "كان مسجد ومدرسة"، والمدرسة مستطيلة الشكل تضم قاعة تتوسط إيوانين متقابلين، هما الإيوان الجنوبي الشرقي والإيوان الشمالي الغربي، وقد ألحق بالمدرسة في الركن الشمالي من التخطيط ضريح يتكون من حجرة مربعة دفن فيه أبومحمود بن القاضي بن أحمد بن الحسين، المعروف باسم العيني، الذي ولد في عام 762 هجرية.

علا صوت الإمام بتلاوة القرآن وقت الصلاة، فيما كان صوت الخلفية ينادي "حد عاوز كرسي.. المشاريب لطربيزة 4 بسرعة"، الحياة في الخارج يملؤها الصخب والضجيج.

مكعبات النرد تُحدث صوتا مميزا مع رميها على ألواح "الطاولة"، ومناداة الساهرين على المشاريب، وأصوات منبهات السيارات التي تحاول المرور بين المئات داخل الحواري والأزقة الضيقة. ضحكات هنا ومسامرات هناك، هكذا تستمر الحياة في ساحة زينب خاتون منذ قبل موعد الإفطار وحتى الفجر.

في المقهى، وعلى كل طاولة، أعواد نعناع طازجة، وبعض أنواع النباتات العطرية، مثل المرامية والقرنفل. ويُقدم الشاي هناك في أباريق نحاسية زرقاء، مع أكواب زجاجية صغيرة.
الوضع اختلف كثيرا عما سبق؛ ففي عام 1798، جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر وبدأ نضال المصريين ضد الاحتلال الأجنبي. وشاركت "زينب خاتون" في هذا النضال، فكانت تؤوي الفدائيين والجرحى الذين يلجأون إلى البيت عندما يطاردهم الفرنسيون؛ وقد عثر في البيت على سبع وعشرين جثة دفنت في سرداب تحت الأرض، يعتقد أنها جثث الجرحى التي كانت زينب خاتون تؤويهم داخل بيتها.

رائحة الماء ورد تفوح في المكان، هذا ما فسره أحد العاملين في المقهى؛ "نرُش الماء المخلوط بماء الورد باستمرار على الأرض بين الطاولات، ولسقي الأشجار الموجودة في المكان، كي نبقي على رائحته العطرة". كما يجوب طفل صغير بمبخرة من آن لآخر، فيضفي رائحة جديدة على المكان.

يُعتبر بيت زينب خاتون نموذجًا للعمارة المملوكية. فمدخل البيت الذي تحول الآن إلى محال هدايا وأنتيكات فلكلور بصناعة يدوية محلية، صمم بحيث لا يمكن للضيف رؤية مَن بالداخل، وهو ما أطلق عليه في العمارة الإسلامية "المدخل المنكسر". وفور أن تمر من المدخل إلى داخل البيت الذي تحول الطابق الثاني منه إلى جانب آخر من المقهى؛ ستجد نفسك في حوش كبير يحيط بأركان البيت الأربعة، وهو ما اصطلح على تسميته في العمارة الإسلامية بـ"صحن البيت".

وبيت زينب خاتون يتطابق في هذه السمة مع البيوت الأخرى في القاهرة الفاطمية، مثل بيت الهراوي الذي تم بناؤه عام 1486، وأصبح الآن مدرسة للموسيقى باسم "بيت العود". وكذلك بيت السحيمي الذي تم بناؤه في نفس العام الذي تم فيه بناء زينب خاتون عام 1648، والذي تحول حاليا إلى مركز إبداع فني، حيث تنظيم ليالي السيرة الهلالية وفرق الفنون الشعبية والأراجوز وخيال الظل.
دلالات
المساهمون