غزاويات: ليت القطة تعلمني

02 سبتمبر 2014
لو تعلمني القطة كيف أختار مكاناً آمناً لصغاري(Getty)
+ الخط -
في أيام العدوان الأولى قرّرنا أن نلوذ بغرفة ابنتي لأننا اعتقدنا أنها الأكثر أمناً، وكانت نافذتها الصغيرة تطل على بيت الجيران الملاصق لنا تماماً، والذي لا يفصله عن بيتنا سوى مسافة نصف متر، حسبما تقتضي قوانين "البلدية"، ويطلق العامة على هذه المسافة اسم "ارتداد".
في صباح باكر، وفيما كان أولادي يستغرقون في النوم بعد ليلة حامية القصف، فتحت النافذة ليتجدد هواء الغرفة ويدخلها هواء الصبح النقي، وألقيت نظرة على المسافة التي تفصلنا عن الجيران، فرأيت قطة سوداء مرقطة بالأبيض، وحولها مجموعة من القطيطات الوليدة، وكأنها قد ولدت للتو، وكانت القطة الأم تلعق أجسادهم بلسانها وتموء مواء ضعيفاً.
بفطرة الأمّ أدركت أنها ضعيفة ومنهكة ومجهدة، بعد أن وضعت صغارها خلال الليل وحيدة، فأسرعت إلى مطبخي وقمت بقلي بيضتين بزيت الزيتون، ثم وضعت الفطور في كيس من النايلون وأسرعت وألقيته من النافذة نحو القطة الأم مباشرة.
كانت تلك طريقة جدتي، رحمها الله، حين كانت قطتها تضع صغارها في الخزانة ببيت المخيم، وجدتي كانت تطلق على الخزانة اسم" النملية" وكنت أستغرب هذا الاسم كثيراً، وأستغرب أن جدتي لم تكن تتضايق حين تضع قطتها صغارها الملوثة بالدم بين أمتعتها، بل تسارع لتقلي لها البيض بزيت الزيتون وتحنو عليها، فتذكرت تلك الوصفة، خصوصاً حين أوصتني جدتي أن أحسن إلى القطط بقولها: "القطط تأكل وتنسى، وهذا حال البشر يا بنيتي، فلا تصنعي معروفاً وتنتظري شكراً وحفظاً له من أحد".
هجمت القطة على البيض المقلي، فقد كانت أضعف من أن تهرب معتقدة أن شيئاً ضاراً قد ألقي نحوها، وتمنيت ألا يكتشفها أولاد الجيران فيلقوا عليها أشياء تضرها فعلاً. ومرت الأيام وتصاعدت وتيرة القصف وأصبحت كل ساعة أتذكر القطة الأم، وأخبرت أولادي بأمرها فأصبحوا يراقبونها وهي ترفع رأسها نحو النافذة، وتنتظر الطعام، وكنت أخصها بنصيبي من الطعام، على الرغم من شحه وعدم قدرتنا على الخروج لشراء طعام جديد. لم أكن أحزن كثيراً حين أتناول الخبز الحاف مع الشاي، وألقي بقطعة الجبن الخاصة بي من النافذة نحو القطة.
 بعد أيام لاحظت أن القطة قد قويت وأصبحت تقف وحيدة تحت النافذة وتموء وتنظر نحوها فألقي لها بالطعام الذي تحمل جزءاً منه في فمها وتسرع به بعيداً ثم تعود بعد قليل، وتحمل جزءاً آخر، وهكذا حتى ينفد ما ألقيته لها من طعام.
لم يبق لدي طعام أقدمه للقطة التي فهمت أنها قد أخفت صغارها في مكان آمن، حتماً بعيداً عن الأعداء الذين هم في نظرها أطفال الجيران والقطط الأخرى العملاقة الضالة، التي لن تتردد في التهام صغارها. قررت أن أقدم لها "فتة حليب"، فأعددت بعض الحليب السائل من حليب الاونروا الجاف الذي يصلنا كمعونات، وأشتريه أنا من نساء يبعنه أمام عيادات الأونروا أيضاً، لأنني لا أتسلم مستحقات من الأونروا، وفي الوقت نفسه أجده أرخص سعراً من أنواع الحليب التي تباع في السوبرماركت. ألقيت للقطة بـ"فتة الحليب" المكونة من الخبز المحمص المخلوط بالحليب وبعض الزبد، فاستغرقت وقتاً طويلاً وهي تحمله في فمها وتنقله دون أن تبتلع أي جزء منه إلى صغارها في مكانهم الخفي.
قالت لي صغيرتي معاتبة: والله يا ماما أنتي تهتمين بالقطط أكثر من اهتمامك بنا، فضحكت وقلت لها: أنا أطعمها وأسمنها فربما طال الحصار بنا واحتجنا يوماً أن نلتهم لحومها، كما حدث مع أخوتنا في مخيم اليرموك. مع صيحات اعتراض طفلتي وقولها أنها تتمنى الموت على أن يحدث هذا، سرحت وفكرت وتمنيت، لو تنطق هذه القطة، لو تخبرني كيف تحتفظ بصغارها في مكان آمن، لو تعلمني كيف أختار مكاناً آمناً لصغاري كما فعلت هي، لعلها بذلك ترد لي معروفي، لعلي أرتاح وأستطيع النوم.
تذكرت جدتي وهي تقول: "القطة تنط سبع حيطان لتحمي أطفالها"..، آه يا أيتها القطة لو تدلينني على سبعة حيطان أقفزها لأجد برّ الأمان لصغاري بعيداً عن هذه الحرب المجنونة التي تختار الصغار وتحصد أرواحهم الغضة البريئة..
 
المساهمون