كيف صوّرت السينما المصرية اليهود؟

25 يوليو 2015
أعاد "حارة اليهود" فتح ملف اليهود في الفن المصري(فيسبوك)
+ الخط -
بعدما أثار مسلسل "حارة اليهود"، للمخرج محمد العدل، الكثير من اللغط التاريخي والديني، وبعدما رحّب به الإسرائيليون بداية، ثم اعترضوا على ما جاء فيه لاحقاً، بدا هذا العمل الدرامي مناسبة لتسليط الضوء على علاقة بعض اليهود التاريخية بالفنّ العربي، وتحديداً بالسينما المصرية. فكيف صوّرتهم؟ ومن منهم ساهم في بنائها؟

توغو مزراحي

ربما يكون أبرز اليهود في الذاكرة المصرية هو المخرج الإيطالي الأصل، توغو مزراحي، الذي يعدّ أحد روّاد صناعة السينما في مصر. ولد في الإسكندرية العام 1901، وسط أسرة من أصل إيطالي. سافر في العشرين من عمره إلى إيطاليا وفرنسا لإكمال تعليمه. ثمّ عاد إلى مصر بعد ثماني سنوات، وأنشأ "ستوديو توغو" لإنتاج الأفلام الروائية الطويلة، في حي باكوس. وجهّزه بالمعدات اللازمة من ديكورات وإضاءة وأعمال المونتاج وغرف الممثلين وغيرها.
بدأ نشاطه بفيلم قصير اسمه "الهاوية". عرض بالقاهرة في 23 فبراير/ شباط 1931، باسم "الكوكايين"، وحضر عرضه حكمدار القاهرة الإنجليزي، راسل باشا. بعده قدّم مزراحي عدداً من الأفلام الكوميدية مع علي الكسّار. وقدّم ضمن أفلامه أوّل حضور قوي للشخصية اليهودية بالسينما المصرية. كان اليهودي "شالوم". إذ ظهرت شخصية "شالوم" كوميدية في أفلام عكست حياة اليهود واندماجهم بالمجتمع المصري. منها "شالوم الترجمان" و"العز بهدلة" و"شالوم الرياضي".

ليلى مراد

كما اكتشف مزراحي المطربة ليلى مراد في أواخر الثلاثينيّات، وهي يهودية أيضاً. وقدّمها في أفلام "ليلة ممطرة" مع الفنان يوسف وهبي، و"ليلى بنت الريف" و"ليلى بنت المدارس" و"ليلى في الظلام". وأخرج وأنتج فيلم "سلامة" لأم كلثوم في 1945. وأنتج أفلاماً مع غيره من المخرجين مثل "ابن الحداد" و"يد الله" و"الفنان العظيم" ليوسف وهبي. وأنتج "ملكة الجمال" لنيازي مصطفى، كما أسّس مع المخرج أحمد بدرخان أوّل نقابة للسينمائيين في مصر.

اقرأ أيضاً: بالفيديو..إلهام شاهين من أبوظبي: 20% من المغاربة يهود

هاجر توغو مزراحي إلى إيطاليا في 1949، بعد إعلان دولة إسرائيل، لاتّهامه بأنّه "صهيوني ومبعوث اليهود إلى السينما المصرية". لكن، وفقاً للمخرج حلمي رفلة، في مقالة "توجو مزراحي، أحمد المشرقي سابقاً"، فإنّ مزراحي غادر مصر قبل قيام دولة إسرائيل، ولم يزر إسرائيل أبداً، وتوفي في 5 حزيران/ يونيو 1986.

وداد عُرفي

نذكر أيضاً المخرج اليهودي، التركي الجنسية، وداد عُرفي. وصل مصر أوائل 1926، ممثلاً "شركة ماركوس" السينمائية الأجنبية، لإنتاج أفلام في مصر. ادّعى بداية إقامته أنّه مسلم، وأعلن عزمه إنتاج فيلم عن حياة النبي محمّد. واتفق مع يوسف وهبي على القيام بالدور. لكن علم الأزهر بالأمر، فطلب من وزارة الداخلية التدخّل لمنع وهبي من التمثيل، فأعلنت الشركة حينها أنّها لا تنوي إخراج الفيلم في مصر. فحدث خلاف بينها وبين عُرفي واتّهمته بالنصب والاحتيال وقدّمته إلى المحاكمة، وحكم لاحقاً ببرائته.
اتّفق بعدها مع الفنانة عزيزة أمير على إخراج فيلم "نداء الله"، لكنّ التجربة فشلت، فأكمله استيفان روستي وأصبح اسمه "ليلى"، الذي عرض في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1927. وقدّم إلى المنتجة فاطمة رشدي عرضاً لفيلم "تحت سماء مصر"، فأحرقته لرداءته وهبوط مستواه. وتعاون بعد ذلك مع المنتجة آسيا داغر، فقدّم فيلم "غادة الصحراء"، ثم "مأساة الحياة" مع الراقصة "افرانز". لكنّه مُنع من العرض. وغادر إلى تركيا في 1930، وانقطعت أخباره.

ممثلون يهود

وطبعاً، لعب العديد من الممثلين اليهود دوراً في صناعة السينما المصرية، مثل راقية إبراهيم وكاميليا ونجوى سالم ونجمة إبراهيم وسلامة الياس وعباس رحمي وزكي الفيومي والراقصة كيتي وغيرهم.
أمّا الصورة التي قدّمتها السينما المصرية لليهودي فمرّت بمراحل مختلفة. قبل 1956 ظهرت صورة اليهودي في الأفلام أقرب إلى الواقعية، وحافظت على السمات العامة لشخصية اليهودي في الموروث الشعبي المصري، مثل البخل والكلام بطريقة معيّنة. لكنّها لم تتطرّق إلى حياة اليهود الأسرية أو طقوسهم الدينية مثلاً. وأبرز هذه الأفلام سلسلة مزراحي وشالوم، ثم فيلم "فاطمة وماريكا وراشيل"، الذي قدّمه حلمي رفلة في 1949، وفيلم فؤاد الجزايري "حسن ومرقص وكوهين" في 1954. وظهرت هذه الشخصية التقليدية لليهودي في أفلام دينية مثل "بلال مؤذّن الرسول" و"فجر الإسلام".

بعد هجرة اليهود

بعد 1956 هاجر اليهود من مصر بشكل نهائي، فظهر اليهودي ـ العدوّ والصهيوني والجاسوس. كما في فيلم "شياطين الجو" لنيازي مصطفى في 1956، و"أرض السلام" لكمال الشيخ في 1957. وبعد زيارة الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، إلى إسرائيل، عُرض فيلم "الصعود إلى الهاوية" لكمال الشيخ في 1978 الذي يظهر صعوبة العيش بين الطرفين. ثم فيلم "إسكندرية ليه" ليوسف شاهين في 1979، الذي عرض تعايش اليهود قديماً مع المجتمع المصري، وكيف أنّ رحيلهم عن مصر كان اضطرارياً، وفقاً لكتاب "اليهود والسينما في مصر والعالم العربي" لأحمد رأفت بهجت.

اليهودي الجاسوس

ازدادت فكرة الجاسوسية في أفلام تسعينيات القرن 20، مثل "فخّ الجواسيس" لأشرف فهمي في 1992، و"مهمة في تل أبيب" العام 1993 و"48 ساعة في إسرائيل" لنادر جلال، و"عيش الغراب" في 1997 لسمير سيف، و"الكافير" لعلي عبد الخالق في 1999.
شهد القرن 21 صعوداً في الأفلام التسجيلية التي تتحدث عن حياة اليهود في مصر بـ"أسلوب أقرب إلى الحنين"، وفقاً للكاتب نفسه. وأبرزها: "يوسف درويش.. راعي الأمل" لعمرو بيومي، و"عن يهود مصر" لأمير رمسيس، و"سلطة بلدي" لنادية كامل. والأخير عن سيرة الكاتبة اليسارية المصرية، اليهودية الأصل، ماري إيلي روزينتال، التي اعتنقت المسيحية أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحوَّلت إلى الإسلام بعد زواجها من الكاتب اليساري سعد كامل، لتُعرَف باسم نائلة كامل.

اقرأ أيضاً: "باب الحارة".. "اليهود" مفتاح الجزء الثامن
المساهمون