الرقابة على المسلسلات: "معايير" سلطوية لتسييس الدراما المصرية

12 مايو 2018
رئيس لجنة الرقابة المخرج المصري محمد فاضل (فيسبوك)
+ الخط -
قبل أقل من أسبوعين على انطلاق الموسم الدرامي مع بداية شهر رمضان، أصدَر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام نموذجه للمعايير الخاصة بالأعمال الدرامية والبرامج والإعلانات التي ستعرُضها القنوات والإذاعات خلال الشهر. اللجنة التي أثار قرار إنشائها استياء وتخوُّفات وانتقادات قطاع من العاملين في صناعة التلفزيون والنقاد والمتابعين، نفَت مراراً أن تكون قراراتها رقابةً جديدة، بل "إنها ستبحث مع الفنانين أشكال وطرق الارتقاء بهذا الفن". مما جاء في هذه المعايير، مثلاً، هو شرطُ الانتهاء من نصف العمل الدرامي قبل البدء بعرضه وتقديمه إلى شركات الإنتاج.
تنفي السطور الأولى من معايير الدراما، التعرض للجوانب الفنية للأعمال الدرامية. معتبرةً أنّ ذلك يأتي انطلاقاً من الدستور، ومن الرغبة في حماية حقوق المشاهدين والحفاظ على حرية الإبداع! في تلك المعايير المعلنة، ثمَّة كلماتٌ إطلاقيّة مثل "ضرورة" و"البعد" و"عدم" و"التزام" و"التوقّف" و"وجوب"، بل وصلت بعض الكلمات إلى حد التهديد، وذلك باستعمال لفظة "كل حزم" مع من يخرج على "الضوابط والمعايير الأخلاقية". ليعود كاتب هذه الضوابط، في مكان آخر، ولينفي أن يكون ذلك رقابة أو تقييماً للأعمال الفنية، ولكنه "لتقييم آثارها على الشارع والمجتمع ومدى الالتزام بالمهنية والآداب العامة"، كما ورد في نص تلك المعايير.
أربعة وعشرون بندًا، كل واحد منها يستحق الكثير من الحديث، للتحقق من إدراك كاتبها لفكرة الفن وهدفه. ومما يثير العجب أن تحمل هذه المعايير اسم المخرج محمد فاضل، رئيس اللجنة التي وضعت المعايير، وهو الذي قدم العديد من الأعمال البارزة والمهمة. إذْ لم يستمع إلى انتقادات زملاء بارزين لدور لجنته، واستمر في العمل ليخرج بهذه الوصاية المدرسية الركيكة في عصر يجد الجمهور ما يريده في أعمال عالمية وعربية.




يتحدث رئيس اللجنة، محمد فاضل، عن دورها في مواجهة "فوضى 2011"، قاصداً ثورة يناير، ومعتبراً أن مساحة الحرية التي عاشتها مصر بعدها هي التي سمحت بما يعتبره ألفاظا بذيئة وأعمالاً غير فنية، متعمداً التجاهل بأن الاتهامات ذاتها للأعمال الفنية تشهدها الصحافة الفنية والبرامج التلفزيونية في كل رمضان منذ عشرات السنوات، أي أنّ هذا الأمر ليس جديداً. وصف "معايير" هو آخر ما يمكن وضعه على هذه العبارات التي تشبه ما يجيء في مقالات الكتاب المحافظين، وتعليقات العامة على المشاهد المقتطعة من أعمال درامية، لاتهامها بالمسؤولية عن البلطجة، وتفشي الظواهر السيئة. كأن الجمهور قاصر وفاقد للتمييز. غابت في "المعايير" أي إرشادات حقيقية متعلقة بالتصنيف العمري، أو نسبة الإعلانات إلى المحتوى، أو التحذيرات التي تناسب كل عمل وكل حلقة، إن احتوت على مشاهد أو تفاصيل ينصح بإبعاد الأطفال أو الجمهور الأكثر حساسية عنها، كمشاهد القتل مثلاً.
تكفي الإشارة إلى أن واحداً من هذه "المعايير" يقول بوضوح: "إفساح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بالدور المجيد والشجاع الذي يقوم به أفراد المؤسسة العسكرية، ورجال الشرطة في الدفاع عن الوطن". كأن المجال تبقى فيه طوال العام مساحة لأي شيء آخر غير ذلك.
المساهمون