أوسكار 2019...المفاجآت سبقت الجوائز

26 فبراير 2019
رامي مالك محتفلاً بأوسكار أفضل ممثل (Getty)
+ الخط -
قبل عدة سنوات، تغيرت قواعد التصويت على جائزة أفضل فيلم في جوائز أكاديمية العلوم والفنون (الأوسكار)؛ فبدلاً من أن يختار أعضاء الأكاديمية (قرابة 6000 عضو) فيلماً واحداً خيارَهم للجائزة، صاروا يرتبون الأفلام المرشحة من الأفضل للأقل تفضيلاً، ويكون الفيلم الفائز ليس "أكثر ما اختاره الأعضاء الأفضل في السنة" (كما يحدث في كل الفئات الأخرى) ولكن - وبطريقة حساب معقدة - "الفيلم الأكثر توافقاً بين قوائمهم". بناءً على ذلك، أدى التغير في قواعد التصويت إلى حدوث انفصال غير معتاد في تاريخ الأوسكار، بين محصلة الفيلم من الجوائز، وتتويجه بأوسكار أفضل فيلم؛ لدرجة أنه عام 2015 مثلاً فاز Spotlight بالجائزة رغم أنه لم يتوج خلال الحفل سوى بأوسكار السيناريو فقط. كذلك صار الفيلم الفائز، وبصورة تتكرر كل عام، هو العمل الذي يحمل همّاً جماعياً ورسالة واضحة، وبساطة أسلوب قادر على ملامسة الأغلبية، وليس أي فيلم يأخذ مغامرة فنية أو يقدم لغة سينمائية مختلفة، فوقتها يمكن أن يفوز في فئة الإخراج فقط.

من كل هذا، يمكن فهم لماذا فاز Green Book بأوسكار أفضل فيلم في الحفل رقم 91، الفيلم الذي لم يرشح مخرجه بيتر فاريلي في فئة الإخراج من الأصل، لأن العمل نفسه بسيط ومباشر، وجرى التعامل معه باعتباره من الأفلام المسلية المتقنة الصنع فقط خلال العام، قبل أن يحقق المفاجأة ويصبح الفيلم الخامس عبر 91 دورة، الذي يفوز بـ"أفضل فيلم" من دون أن يكون مخرجه مرشحاً لأفضل مخرج، وبجائزتين أخريين فقط، كأفضل ممثل مساعد وأفضل سيناريو أصلي، فالفيلم المتوج بالأوسكار لم ينل أي جائزة في الفئات التقنية، وسبب فوزه ببساطة هو كونه "الأكثر توافقاً"، وأن تناوله لرحلة الطريق الهادئة التي تجمع بين سائق إيطالي حادّ الطباع وعازف جاز من أصول أفريقية، والتي تؤدي لرسالة واضحة عن نبذ العنصرية وإدراك كل منهما لإنسانية الآخر، تلك الرحلة وذلك الفيلم الذي يتسلح باللطف (وليس مُنجزاً سينمائياً في أي من عناصره) استطاع خطف الجائزة.

المنافس الأبرز لـ"الكتاب الأخضر" كان الفيلم المكسيكي Roma، للمخرج ألفونسو كوران ومن إنتاج "نتفليكس"، الذي توّج في سبتمبر الماضي بالأسد الذهبي لمهرجان "ڤينيسيا"، ومنذ ذلك الحين كان المرشح الأهم لـ"فيلم العام"، بعد العدد الضخم من الجوائز التي فاز بها داخل أميركا.

ورغم صعود "كوران" على المسرح ثلاث مرات ليحصل على ثلاث جوائز أوسكار؛ كأفضل إخراج (للمرة الثانية في مسيرته بعد Gravity – 2013) وتصوير (صور الفيلم بنفسه) وفيلم أجنبي، إلا أنه لم يتوّج بالجائزة الكبرى. ومن المهم الإشارة هنا إلى ملاحظة أن جائزتي "أفضل فيلم ومخرج" وعلى مدار تاريخ الأكاديمية كانتا مترابطتين بشدة، وخلال أكثر من خمسة عقود (منذ 1956 وحتى 2011) انفصلت الجائزتان ثماني مرات فقط من أصل 55 تتويجاً، بينما في السنوات السبع الأخيرة (من 2012 وحتى ليلة أمس) انفصلت الجائزتان خمس مرات! وهو أمر غريب ولا يفسره غير اختلاف نظام التصويت بين الفئتين.

بعيداً عن جائزة أفضل فيلم ومخرج، فإن العمل الفائز بأكثر عدد من الجوائز خلال الحفل كان Bohemian Rhapsody، (أربع جوائز)؛ عن ميكساج وتحرير صوت، وكذلك أفضل مونتاج، ثم جائزته الأهم لرامي مالك كأفضل ممثل، والفيلم هو مثال آخر مختلف على "التوافق" الناجح في الأوسكار خلال السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من كمّ المشاكل التي عانى منها في مرحلة إنتاجه، التي وصلت إلى طرد الاستوديو لمخرجه بريان سينجر في المراحل الختامية، ثم استقباله النقدي الفاتِر جداً عند صدوره بسبب "تقليديته"، إلا أنه في مقابل كل هذا استطاع "بوهيميان رابسودي" اللعب على أوتار الحنين لفريق وموسيقى Queen، واختار سردية "توافقية" أيضاً، أشرف عليها عضوا الفريق بريان ماي وروچير تايلور (كجزء من اتفاق الحصول على حقوق الأغاني داخل الفيلم)، لتكون النتيجة هي استبعاد أي نقاط أو مواقف خلافية، والاكتفاء برؤية محافظة وآمنة جداً تحتفي بموسيقى "كوين" من دون التعمق في شخصيات وعلاقات أعضاء الفريق. و"وتر النونستالجيا" هذا كان ناجحاً، ليكون الفيلم محبوباً جماهيرياً، ويؤثر ذلك على المصوتين، سواء في جائزة المونتاج (غير المبررة تماماً من ناحية تقنية)، ورامي مالك الذي ينتصر فوزه كالعادة لأدوار الشخصيات الحقيقية.

كبرى مفاجآت الحفل كانت فوز أوليفيا كولمان بجائزة أفضل ممثلة عن فيلم The Favourite، على حساب الممثلة الكبيرة غلين كلوز، التي توّجت بـ غولدن غلوب وجائزة نقابة الممثلين عن فيلمها The Wife، وكانت قريبة جداً من الحصول على الأوسكار بعد ستة ترشيحات خائبة بدأتها منذ عام 1983، ولكن خسارتها لصالح كولمان جعلتها أكثر ممثلة في تاريخ الأكاديمية تترشح للجائزة من دون فوز (سبعة ترشيحات)، والثانية عموماً بعد الممثل بيتر أوتول (ثمانية ترشيحات). في المقابل، لا مفاجآت في باقي الفئات التمثيلية؛ فـ ريجينا كينج فازت بأفضل ممثلة مساعدة عن If Beale Street Could Talk، وهي الخيار الأقرب بعد التجاوز الغريب لمنافستها الأبرز على الجائزة إيميلي بلانت (عن A Quiet Place) وعدم ترشيحها من الأصل. بينما اكتسح ماهرشلا علي خلال الأسابيع الماضية جوائز أفضل ممثل مساعد عن Green Book، ليتوج بأوسكار منطقي هو الثاني في مسيرته خلال ثلاث سنوات (بعد Moonlight - 2016).

باقي جوائز الحفل كانت متوقعة في 90% منها؛ Shallow من أداء ليدي غاغا وبرادي كوبر (فيلم A Star is Born) فازت بجائزة أفضل أغنية، وكانت واحدة من أجمل لحظات الحفل هي تأديتهما لها على المسرح. فيلم Spider-Man: Into the Spider-Verse توّج كل الحماسة النقدية والجماهيرية له منذ عرضه، ليفوز بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة. فيلم Vice فاز بأفضل مكياج، بعد إحياء الماكير جريج كانوم لشخصيات سياسية معروفة، مثل ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وجورج بوش على الشاشة، ليفوز بالأوسكار الرابع في مسيرته، ويقترب خطوة من الرقم القياسي في الفئة المسجل بسبع جوائز للماكير ريك باكر. فيما استفاد سبايك لي مرة أخرى (وبعد 10 أشهر من فوزه بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان كان) باللحظة السياسية الزاعقة في مناهضة دونالد ترامب، ليفوز بجائزة أفضل سيناريو مقتبس عن فيلمه السياسي الزاعق BlacKkKlansman، كأول أوسكار في مسيرته الطويلة. وفي المقابل قد تكون مفاجأة الحفل النسبية هي تتويج فيلم First Man بأفضل مؤثرات بصرية، على حساب Avengers: Infinity War الذي كانت تشير كل التوقعات لفوزه بالجائزة. 

ورغم تجاوز Avengers، إلا أن شركة "مارڤيل" لم تخرج من الحفل خالية الوفاض، وبطلها الخارق الآخر Black Panther توّج بثلاث جوائز، كأفضل أزياء وأفضل ديكور وأفضل موسيقى تصويرية، مستفيداً إلى أبعد مدى من الثقافة الأفريقية، البصرية والموسيقية، التي بُنِي عليها في الملابس والأماكن وشريط الصوت، وعلى عكس الجدل الضخم الذي أثير خلال الأسابيع الماضية منذ إعلان الترشيحات، حول أحقية الفيلم في أن يكون أول فيلم "بطل خارق" يرشح لأوسكار أفضل فيلم، وعن مدى ارتباط ذلك بأبعادٍ ودعاية سياسية، فإن من الصعب التشكيك في أحقيته بجوائزه الثلاث وتفوقه التامّ في الفئات التي فاز فيها.


المساهمون