وسام الجعفري: "أمبيانس" حكاية مخيّم مكتظّ يخترقه الإسرائيليون يومياً

23 يونيو 2019
وسام الجعفري: الاستمرار في إنجاز أفلام فلسطينية (فيسبوك)
+ الخط -
ظهر الفلسطيني وسام الجعفري (27 عامًا)، مؤخّرًا، بفضل فيلمه القصير "أمبيانس"، الفائز بالجائزة الثالثة في مسابقة "سيني فونداسيون" للأفلام القصيرة، مناصفة مع المخرجة البولونيّة بارْبارا روبتيك عن Duszyczka، في الدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي

يكشف الفيلم تملّك المخرج الشاب لمهنيّة واضحة في معالجة مواضيع بسيطة، تعكس بعض الحياة اليومية، على الأقلّ، للّاجئين في مخيم الدهيشة (بالقرب من مدينة بيت لحم)، في فلسطين المحتلّة. في فيلمه هذا، يصف بدقّة الحياة اليومية لهؤلاء الأفراد، ولما يعانونه من شظف العيش، وانعدام الخصوصية، وضيق المكان، وانقطاع دائم للكهرباء، ما جعل "أمبيانس" يخطف الأضواء في المهرجان الدولي هذا، فاتحًا أفقًا سينمائيًا جديدًا، علمًا أّنه يتضمّن كلامًا بسيطًا ومتواضعًا وسهلاً، يكشف موهبة المخرج في الكتابة أيضًا.

عن بداية تشكّل فكرة الفيلم لديه، قال وسام الجعفري، في حوار مع "العربي الجديد"، إنّها حياته اليومية في مخيم الدهيشة: "أعيش في مكان يُقيم فيه 15 ألف نسمة على مساحة كيلومتر مربّع واحد. (أمبيانس) جزء بسيط من الحياة اليومية في المخيم. محاولة متواضعة للقيام مع المُشاهد برحلة داخل المخيّم، في أزقته المكتظّة بالناس، وفي شوارعه الضيّقة والمزدحمة والمليئة ضجيجًا، وذلك خلال يومٍ واحد فقط".

وعمّا يُمثِّله الفوز بالنسبة إليه، قال: "الوصول إلى مكانٍ كهذا (مهرجان "كانّ") فوزٌ بحدّ ذاته. تمّ العمل على الفيلم بإمكانيات بسيطة، مقارنة مع الأفلام الـ16 المشاركة في المسابقة، والمختارة من أصل 2000 فيلم. هذا بحدّ ذاته إنجاز، تمامًا كالقدرة على المنافسة في مسابقة (سيني فونداسيون) في مهرجان (كانّ). إنجاز لي ولفريق العمل، الذي آمن بفكرة الفيلم، وللجامعة أيضًا، فـ(أمبيانس) مشروع تخرّجي من كلية (دار الكلمة للفنون والثقافة)، وهو أول فيلم يصل إلى المسابقة هذه. إنجاز للمخيم الذي أنا منه، والذي منه نشأت فكرة الفيلم". وشدّد الجعفري على أنّ الفيلم "فلسطيني بامتياز، من دون أي تمويل خارجي"، وأنّ العاملين معه جميعهم "درسوا وعملوا في فلسطين".

أما بالنسبة إلى اختياره الأسود والأبيض في تنفيذ الفيلم، مع كلام بسيط ومكثّف يكشف معاناة لاجئين في بلدهم المحتلّ، فقال الجعفري: "الأهمّ كامنٌ في إظهار واقع لا يراه الناس في مخيمات اللاجئين، وفي طرح صورة للمخيم غير تلك التي اعتاد الناس مشاهدتها في وسائل الإعلام. اختياري الأسود والأبيض منبثقٌ من إمكانية أنْ تؤثّر الألوان على تركيز المُشاهِد. ما أريده هو التركيز على الحدث، فالحدث هو الأهم: شابان يحاولان تسجيل مقطوعة موسيقية خاصة بمسابقة دولية، ويريدان الإسراع في ذلك كي يتمكّنا من تسليمها في الوقت المحدّد. عبر فشل التسجيل، يكتشف المُشاهدُ المكانَ المزدحم، والمليء بالأصوات والضجيج".

في "أمبيانس"، هناك اهتمام كبير بالتفاصيل الصغيرة والدقيقة المتعلّقة بالحياة اليومية، التي توقّف وسام الجعفري عندها بعناية. فما هي الصعوبات التي واجهها وهو يلتقط تلك الشذرات الصغيرة والبهيّة، الخاصة بحياة الشباب الفلسطينيين اليوم؟ "تحقيق الفيلم في الظروف هذه كلّها يُشبه قصّته. التحدّيات موجودة مع الإمكانيات المتواضعة والبسيطة. لأهل المخيم نصيبٌ كبيرٌ في الفيلم، إذْ سهّلوا لي استخدام أي منزل في المخيم، أو الاستعانة بكابلات الكهرباء. كنتُ أحصل على الإضاءة التي أريد من المنازل، إذْ يكفي أن أطلب هذا من الناس فيُضيئون منازلهم كي أتمكّن وفريق العمل من التصوير. الإيمان الكبير لفريق العمل والممثلين عامل إيجابي مهم للغاية. الممثلون هم سكّان المخيم، وهذه تجربتهم التمثيلية الأولى. هم يعيشون التفاصيل كلّها يوميًا".

أضاف الجعفري: "تغلّبنا على المعوقات والإمكانيات البسيطة كلّها بفضل أمور كهذه. الشخصيتان الأساسيتان في الفيلم تغلّبتا، هما أيضًا، على هذا كلّه. هناك قناعة لديّ مفادها أنه رغم الانحدار السياسي والاجتماعي الذي نعيشه يوميًا، يُمكن الوصول إلى ما نريد، من دون التنازل عن التفاصيل الصغيرة. الهمّ الوحيد لديّ كان في إنجاز الفيلم كعمل فني متكامل".
المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي اعتقل بطل الفيلم، محمد الخمور (21 عامًا)، بعد الانتهاء من التصوير مباشرة. فهل أثّر هذا على مسار الفيلم؟ أجاب وسام الجعفري: "انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم موجودة يوميًا، يظهر جزء منها في (أمبيانس)، عبر اقتحامات الجنود الإسرائيليين للمخيم. مع نهاية اليوم الطويل للشابين، وإنجاز استديو من (كراتين) البيض ليتمكّنا من تسجيل مقطوعتهما الموسيقية، يقتحم الجنود الإسرائيليون المكان". وأشار المخرج الشاب إلى أنّ "هناك رسالة يجب إيصالها، فمع اعتقال الخمور حملنا صورته في مهرجان (كانّ). لو كان معنا، لاتّخذ وجودنا في المهرجان معنى مختلفًا".

وعن تفاعل الأوساط الفلسطينية مع فوزه بالجائزة، قال إنّ "بهجة وفرحًا حقيقيين عرفهما أهل المخيم عند شيوع نبأ الفوز. كانوا يتابعون أي خبر عن المهرجان. كانوا يريدون معرفة المستجدات كلّها، إلى درجة أنّي شعرت بوجودهم معي في (كانّ). خبر الفوز مهمّ جدًا لزملائي في الدراسة، إذْ جعلهم يندفعون بطاقة أكبر إلى إنجاز الأفلام. هذا مُشجِّع لهم، وهذا جعلني أفخر بما أنجزته. سأستمر في إنجاز أفلام فلسطينية. الفوز منحني طاقة كبيرة".
المساهمون