"جريمة الإيموبيليا"... عمارة مسكونة بالمرضى

07 مارس 2019
الفيلم مقتبس عن جريمة قتل حقيقية (فيسبوك)
+ الخط -
قبل ثلاثة أشهر، عُرض "جريمة الإيموبيليا" لخالد الحجر، للمرّة الأولى، في الدورة الأربعين (20 ـ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" (خارج المسابقة الرسمية). حينها، وكجزء من الدعاية ربما، صرّح الحجر أن الفيلم مقتبس عن جريمة قتل حقيقية نُفِّذت في العمارة الشهيرة التي يعيش فيها بوسط البلد، واكتسبت سمعتها بكونها "عمارة مشاهير الفنّ". قال أيضًا (في لقاء تلفزيوني) إنه شاهد خيالاتٍ وسمع أصواتًا في تلك الليلة في العمارة نفسها، وبناء على هذا قرّر كتابة فيلمٍ وإخراجه.
تلك المقدّمة يمكن أن تفسِّر فيض الارتباك السينمائي في "جريمة الإيموبيليا"، الذي يتحرّك ضمن خطوط واحتمالات كثيرة، من دون أن يُتقن أيًا منها، أو يُخلِص لأيّ منها.
بداية، يُعطي الفيلم وعدًا بأهمية "المكان" في سياق الأحداث، أولاً بعنوانه الذي يُشير إلى العمارة، ثم بمَشاهده الأولى التي يؤكّد فيها ـ بصريًا وحواريًا ـ على أن ليلى مراد ونجيب الريحاني وأسمهان وغيرهم أقاموا فيها. مقدّمات لا تؤدّي إلى أية نتيجة، لأن نصّ خالد الحجر يسرد حكاية روائيّ معروف يُدعى كامل حلمي، يعاني الوحدة بعد وفاة زوجته وهجرة أولاده إلى كندا، ما يُصيبه باضطرابات نفسية، قبل أن يدعو فتاة ـ تعرّف عليها عبر الإنترنت ـ إلى منزله، لإقامة علاقة معها. فجأة، تموت الفتاة (لا تفسير لأسباب وفاتها)، ويقع في ورطة، يقرّر حيالها استدعاء صديقه للتخلّص من الجثة، فتنتج عن هذا سلسلة جرائم.
لا "مكان" في القصّة إطلاقًا، فشقّة الروائيّ يُمكن أن تكون في أية عمارة أخرى، من دون تركيز على "الإيموبيليا"، وتشتيت ذهن المتفرّج بها.
يستمر الارتباك في جانب آخر قد يكون أهم: أيريد خالد الحجر من فيلمه هذا أن يكون "جريمة تشويقية" و"فيلم ألغاز" تُحلّ في نهايته؟ أم أنه "فيلم شخصية" يحلّل ويركّز على هواجس بطله وخيالاته وحالته، ويربطها بما يواجهه من أحداث غريبة؟ النقطة الأولى تجعل العمل ساذجًا جدًا في انتقالاته الدرامية كلّها، وفي تحريك أحداثه، فالاعتماد مفرط على الصدف منذ اللحظة الأولى، كالحدث الرئيسي المتمثّل بموت الفتاة، ثم ردود الفعل غير المنطقية وغير المبرّرة دراميًا للشخصيات.
مثلاً، لماذا يقرّر البطل تقطيع الجثة والتخلّص منها، بدلاً من إبلاغ الشرطة ببساطة؟ هل الخوف من الفضيحة أو القلق الناتج منها كافيان للتورّط في جرمٍ كهذا؟ وإذا كان الجانب المرضي مبررًا للبطل (تبرير هشّ جدًا، لكن لنعتبره كافيًا)، فماذا عن صديقه الذي يطلب مساعدته؟ وماذا عن حارس المبنى؟ كيف تأخذ الشخصيات قرارات غريبة كتلك، من دون محاولة تفسير؟ وصولاً إلى النهاية، التي يُكشف فيها عن كلّ شيء بالحوار، ومن دون سدّ "الفجوات المنطقية" في الأحداث المحكي عنها.

أما لو كان دافع الفيلم الشخصية نفسها، فهذا أسوأ، لافتقاده للحدّ الأدنى في تقديم الشخصية بكلّ تفاصيلها، وما يلي ذلك من حوار ولغة ووعي. الروائي المعروف والناجح والموهوب (كما يعرّفه السيناريو) يردّ بجملة عتيقة على طلب صديقه بزيارة طبيب نفسي فيقول له إنه "ليس مجنونًا".
لا علاقة بين ثقافة الروائي وقيمته المفترضة، وبين تصرّفاته المُقدَّمة على الشاشة طوال الوقت. كما أن "جريمة الإيموبيليا" لا يعرف عن المرض النفسي أكثر مما تُقدّمه مسلسلات تلفزيونية رديئة، يقول فيها أحدهم إنه يسمع أصواتًا توجّهه، أو ينفعل بتشنّج بين حين وآخر، مع ارتباك جديد في ما يعانيه الروائيّ فعليًا. في فيلم خالد الحجر، الغموض يكتنف حالة الروائي: انفصامٌ كما تمّ تقديمه، أو جنون ارتياب يدفعه لاحقًا إلى ارتكاب جرائم؟ كما يبدو، هذا خليط من "كليشيهات" محفوظة عن تلك الأمراض ليس أكثر. والأسوأ أداء الممثل هاني عادل، المُفتَعل دائمًا في كلّ حركة وتصرّف، وفي كل جملة ينطق بها، كتقليدٍ رديء لصورة "المريض النفسي" في الأعمال المصرية القديمة، التي كان مبرّر نمطيّتها وسذاجتها قلّة المعلومات ومعرفة تلك "الأمراض" او "الاضطرابات النفسية". لكن، ما هو مبرّر "جريمة الإيموبيليا" (المخرج والممثل تحديدًا) لهذا الضعف والارتباك والخلل؟
دلالات
المساهمون