يخشى كثيرون، أو يتحاشون أو ينفضّون أو يرفضون أو يتنصّلون من قراءة نقدٍ يتناول فيلمًا، أو حوارًا مع مخرجٍ أو ممثل (أو مع أي مُشتغلٍ في صناعة هذا الفيلم أو ذاك، أو مع صانعة فيلم أو المُشتغلة فيه)، يُجيب فيه عن أسئلة متعلّقة بجديدٍ له. هذا واقع يعيشه عربٌ وغربيّون ربما.
البعض يرى في قراءة نقدٍ أو حوارٍ قبل مُشاهدة الفيلم حافزًا للمُشاهدة، أو لعدمها. هناك من يرى في المُشاهدة قبل القراءة دافعًا إلى قراءة تعليق أو نقدٍ أو حوارٍ أو تحليل أو دراسة بعد المُشاهدة، أو عدم قراءة أيضًا. هذا كلّه لا علاقة له بالاقتباس السينمائي للأدب، فالاقتباس يَطرح بدوره سؤال "أيهما أفضل: قراءة الرواية قبل مُشاهدة الفيلم، أو بعد مُشاهدته؟".
الارتباك حاصلٌ. التساؤل مشروع. لكن لا إجابة نهائية. لذا، النقاش مطروح دائمًا.
تجربة شخصية تقول شيئًا غير نهائيّ. أصدقاء يرفضون قراءة ما يُكتَب، وإنْ يكن المُعلِّق صديقًا أو مُقرّبًا، لأنهم يفضّلون مُشاهدة "مُنزّهة" عن كلّ حكم مسبق، وعن أيّ حكمٍ مُسبق، فالقراءة تدفعهم إلى "حكمٍ" كهذا، وربما بشكل لا واعٍ، إنْ تكن المُشاهدة مُطالَبَة بأحكامٍ، وهذا موضوع آخر. ما يُقرأ، أو بعض ما يُقرأ على الأقلّ، يعلَقُ في ذات قارئ يذهب إلى الصالة مُحمّلاً، بعد القراءة، بتفكير وتأمّل سابِقَين على مُشاهدة المعروض فيها، مع أنّ المُفضَّل لدى البعض كامنٌ في مُشاهدة خالية من أي شيء متعلّق بها، وسابق عليها. هذا يعني أنّ المُفضَّل لدى هذا البعض يبقى في "نزاهة" المُشاهدة، إنْ يصحّ قولٌ كهذا. فمُشاهدة المعروض كفيلةٌ، وحدها، لدفع المُشاهد/ القارئ إلى إعمال العقل، وتحرير الانفعال من كلّ قيد، بعد المُشاهدة.
هذا ليس تنظيرًا. هذا ليس عبثًا. ناقدٌ يعترف، أمام ذاته على الأقل، بأنّه يتغاضى عن قراءة كتابة وتعليق وحوار، تتعلّق كلّها بفيلمٍ أو شخصية سينمائية، قبل مُشاهدة الفيلم، وقبل الاطّلاع على فعل الشخصية أو أفعال مخرج الفيلم وصانع الشخصية ومُصوِّرها، مثلاً. ناقدٌ آخر يكتفي بقراءة حواراتٍ تُجرى مع صانعي فيلمٍ، يعرف مسبقًا أنّه سيُعرض هنا أو هناك، أي أنّه سيُشاهده هنا أو هناك، فالحوارات بالنسبة إليه كفيلة بإرشاده إلى عوالم وتفاصيل وخفايا، لن تكون كلّها معنيّة بالفيلم حديث الإنتاج، وبموضوع اللقاء أو الحوار. والحوارات أفضل (من دون التغاضي عن اهتمام نقّاد وصحافيين سينمائيين بمقالة وتحليل ودراسة)، فهي مدخل إلى عالمٍ يُتيح الاطّلاع عليه تعرّفًا وفهمّا، لن يفضحا جديد مخرج أو ممثل أو سيناريست، بقدر مساهمتهما في البدء بالتورّط الفعلي بهذا الفيلم أو بذاك السينمائيّ.
النقد أساسيّ. إنّه جزءٌ فعّال في تفعيل تواصل بين المشهد ومُشاهِده. أي بين المتفرّج/ المُشاهد وفصل من فصول العالم السينمائي لمخرج أو ممثل، أو لكاتب وتقني وفني أيضًا. لذا، يُصبح العمل الصحافي، في هذا الإطار، أفضل. فالعمل الصحافي المهنيّ مكتفٍ بمعلومة متعلّقة بحكاية الفيلم وبالعاملين فيه وبتفسيرات عامّة، وهذا غير معنيّ إطلاقًا بتلك الصحافة الفضائحية، التي لن تكشف ما يرغب "سينيفيليّ" في معرفته.
مثلٌ على ذلك: "حدث ذات مرّة... في هوليوود" لكوينتين تارانتينو. هوجم المخرج كثيرًا. اتُّهم بإساءات كثيرة ضد المرأة، وتحديدًا الممثلات في أفلامه. مقالات يُمكن تصنيفها كـ"صحافة صفراء"، لكنها مُتَداوَلة في وسائط مقروءة جدًا. المأزق يحتدّ أكثر في وسائل التواصل الاجتماعي، العالم المفتوح للغاية في هذا المجال. كلّ واحد قادر على قول أو تعليق، وكثيرون يتأثّرون ويتجاوبون قبل أن يُشاهدوا أو يقرأوا أو يفهموا أو يسألوا. تصدر أحكام مسبقة بسبب هذا، وهذا مؤذٍ وخطر. تعليقات كثيرة، في بعض النقد والصحافة كما في مواقع التواصل الاجتماعي، غير مُكتملة وغير واضحة لاجتزائها الفيلم وتقطيعه، وانتقاء المُناسب لأفكار كاتبيها وانفعالاتهم وأهوائهم، وهذا مؤذٍ للغاية.
تساؤلات كهذه لن تُحسَم. لذا، يكمن الأهمّ في انفعالٍ شخصي أو ذاتي أو فرديّ إزاء السينما، وإزاء تفاصيلها الكثيرة.