الفنانون في أفغانستان: الحرب على كل الجبهات

06 فبراير 2020
ممثلات أفغانيات في احتجاج على العنف ضدّ النساء (Getty)
+ الخط -
يجمع قسم كبير من العاملين في قطاع الفن في أفغانستان على أن بلادهم باتت من أخطر الدول على الفنانين. والسبب لا يعود فقط إلى الحرب التي تفرّعت منها حروب في السنوات الأخيرة، بل كذلك تلعب الأعراف والتقاليد المتجذرة في يوميات الشعب الأفغاني دوراً كبيراً في معاناة هذه الشريحة.

تأتي المشاكل الثقافية والمعيشية والاقتصادية التي يعاني منها العاملون في مجالات الفن والتمثيل في وقت تواصل الحكومات الأفغانية المتعاقبة، ومعها منظمات المجتمع الدولي، التأكيد على أهمية الفنّ وضرورة دعمه.

مناسبة هذا الحديث هي رحيل الكوميديان والفنان الأفغاني الشهير محمد أصف جلالي، مطلع الشهر الماضي. خلّف موت هذا الأخير صدمة كبيرة في الوسط الفنيّ، خصوصاً أنه يعتبر من الأشهر في مجاله. إذ أطلّ بشكل متواصل في برامج الكوميديا التي تتمتع بنسب مشاهدة عالية على القنوات الأفغانية المختلفة، خلال السنوات الثماني الماضية. وما إن أعلن خبر موته، حتى بدأت تخرج إلى العلن قصص عن معاناته اليومية. حكايات رواها زملاؤه وأقاربه، وتتمحور في أغلبها حول الفقر والعوز.

في حديثه مع "العربي الجديد"، يروي محمد رشيد، أحد رفاق جلالي، عن الفقر الذي عاشه الممثل الأفغاني خلال حياته، وكيف تحسّنت أحواله قليلاً عندما بدأ التمثيل قبل 8 سنوات، "لكنّ رحيله المفاجئ ترك أسرته مرة أخرى في حالة من الفقر، في ظل لامبالاة الحكومة بإرث الفنان أو أسرته". صديق آخر لجلالي، هو سفيد غول، يقول إن خسارة الممثل الراحل خسارتان: الأولى للساحة الفنية الأفغانية، والثانية لأسرته.


رحيل جلالي إذاً سلّط الضوء مجدداً على معاناة الفنانين في أفغانستان، ومصارعتهم للفقر والتهميش والتهديد بشكل شبه يومي. هذا ما أكده عدد من الفنانين في إقليم بلخ، شمال أفغانستان، أثناء مؤتمر صحافي عقدوه الأسبوع الماضي، موجهين لومهم إلى الحكومة التي تتجاهلهم بشكل فجّ. ففي المؤتمر ذكّر الموجودون بالوعود التي كررتها الحكومة في الماضي، والتي بقيت كلاماً في الهواء، وحبراً على ورق. كما أشاروا إلى أن الميزانية الخاصة بقطاع الفنّ والتي تأتي عن طريق وزارة الثقافة لا تكفي احتياجاتهم.

وقال أنور نبيل، أحد الممثلين في إقليم مزار شريف، الذي دخل الساحة الفنية قبل أربعة عقود، في المؤتمر نفسه: "لقد صرفت أربعين عاماً من حياتي في الفن والتمثيل من أجل أن أرسم الضحكة على وجه المواطن، لكن الحكومة الأفغانية لم تقدم لي أي مقابل طيلة هذه العقود".

يذكر نبيل أن في الإقليم أكثر من 150 فناناً وفنانة، لكن لا خطة لدى الحكومة المحلية ولا المركزية من أجل التعامل معهم. ويشير مثلاً إلى أنه لا وجود لقاعة واحدة على مستوى الإقليم لعرض المسرحيات، رغم حصول البلاد على مبالغ طائلة خلال السنوات الأخيرة، "وهو ما يثبت عدم اهتمام الحكومة الأفغانية بالفن والتمثيل".

وإن كان عمل الرجال الأفغان في عالم الفنّ مهمة شاقة، فإن هذه المهمة تصبح أصعب بالنسبة للأفغانيات. تشرح الممثلة صفية عظيمي، لـ"العربي الجديد"، أن دخول النساء عالم الفن في مجتمع محافظ كالمجتمع الأفغاني "قرار خطير وصعب للغاية، فإضافة إلى ما يواجهه الفنانون الذكور، تواجه النساء الأعراف والتقاليد المتبعة في المجتمع". وتسأل "كيف يمكن للأنثى أن تخرج إلى عالم الفن في بلد تُمنع فيه الفتاة من الخروج إلى المدرسة في بعض المناطق؟"، مشيرة إلى أنه "من أجل تحقيق الأحلام الفنية لا بد من اتخاذ خطوات جريئة، وهذا ما فعلته من دون الرجوع عن قراري".

من جهته، يرى مسؤول قطاع الفن في الحكومة المحلية في إقليم صادق سرمست زاده، في حديث له مع "العربي الجديد"، أن المعضلة الوحيدة التي تجعل حياة الفنانين وباقي المواطنين الأفغان صعبة، هي الحرب، "فالحكومة أمام حالة مستعصية ووضع معيشي صعب، وبالتالي هي مشغولة بتفاصيل كثيرة، رغم الخطط التي وضعتها لتحسين الساحة الفنية".

كل ما سبق عيّنة صغيرة من معاناة الفنانين الذين يعيشون في المدن والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة. أما المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، فلا وجود لأي نوع من أنواع الفنون فيها.
يشير الناشط الاجتماعي وأحد المهتمين بالفن والتمثيل في إقليم خوست، جنوبي البلاد، نور الله ستوري، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الحرب دمرت كل شيء و"الجماعات المسلحة لا تسمح أبدا للفنانين والممثلين بالعمل، بل تعتبر ما يقومون به جريمة لا تغتفر. إذ يتعرض الفنانون لأعمال قتل وخطف من قبل المسلحين تارة، ومن قبل أصحاب السطوة المحلية تارة أخرى". ويستعيد الناشط الأفغاني أسماء فنانين قتلوا، بينهم قدوس فرهنمد، الذي اغتيل في مديرية خلم في إقليم بلخ العام الماضي، لأنه كان يعمل في المسرح. وعند قتله وعدت الحكومة المحلية والمسؤولين في الحكومة المركزية أن مساعدة أسرة الرجل، لكن ذلك لم يحصل.
وقال شقيق الفنان القتيل، رسول فرهمند، في مؤتمر صحافي عقدته الأسرة الأسبوع الماضي، إن الحكومة قطعت الكثير من الوعود ولكن من دون تنفيذ أي منها، فأهلمت عائلة الفنان الراحل، ولم تؤمن لهم الحد المعيشي أو التعليمي الأدنى.

دلالات
المساهمون