حمزة نمرة: وين ع رام الله؟

03 يوليو 2019
صرّح نمرة: أنا ضد التطبيع بكل أشكاله (فيسبوك)
+ الخط -
"ما حاجتنا إلى الغناء للإنسانية ونحن في ظروف تحمل أسوأ ما يكون للإنسانية وأهلها؟ في واقع تغتال فيه الإنسانية والشرعية في مصر الحبيبة ليأتينا مغنّ مصري ويعزف ويغني على جراحنا!". هكذا كتبت الناشطة الفلسطينية خديجة خويص، تعليقاً على زيارة المغني المصري حمزة نمرة إلى مدينة رام الله وغنائه في حفل تابع للبلدية هناك

زيارة المغني المصري حمزة نمرة إلى رام الله، وزيارة زميله ومواطنه أحمد جمال إلى القدس المحتلة، أعادت إلى الواجهة الحديث عن قضية التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومنحه الشرعية عن طريق الامتثال لقوانينه في أثناء العبور إلى رام الله ومنها إلى القدس المحتلة.

وطالما وجدت قضية التطبيع مع معارضة كبيرة في مصر من جانب النقابات المهنية والمجتمع المدني، وذلك حتى في أضعف حالاتها وأكثر الأوقات التي سارت فيها تلك الهيئات في ركب السلطة، أو كانت تحت سيطرة الدولة.


وفي بيان سابق أصدرته نقابة المهن الموسيقية، قال النقيب إن موقفه من القضية الفلسطينية هو "موقف كل مصري قدم على مدار تاريخ بلاده الغالي والنفيس من أجل تحرير الأرض المحتلة"، مشدداً على أن "موقفه من التطبيع مع العدو الصهيوني لا يخرج عن حالة الإجماع المصري في كافة النقابات والأحزاب بالرفض التام، وربط ذلك بما يمكن تحقيقه من سلام عادل وشامل في المنطقة يعيد الحقوق إلى أصحابها".

الناشطة الفلسطينية خديجة خويص كتبت عبر صفحتها على فيسبوك تقول: "زيارة الديار الفلسطينية بتأشيرة من الاحتلال وموافقته لا تحقق مصلحة لفلسطين ولا لأهلها وخاصة من العرب المحيطين بالمنطقة، وهو نوع من أنواع التطبيع مع كيان الاحتلال والاعتراف به".
وأضافت: "قد يرحب به البعض، بسبب قصر في النظر لأبعاد القضية؛ ولكنه هو وهشام الجخ وغيرهم من المطبعين غير مرحب بهم ع الأقل من شريحة نمثلها نحن".

من جهتها، استنكرت حركة مقاطعة إسرائيل BCP قبل بداية الحفل اعتزام نمرة المشاركة في مهرجان "وين ع رام الله"، لأنه بحسب بيان للحركة، سيكون سبباً في مروره عبر معبر تسيطر عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الحملة في بيانها إنه "لا يوجد أي ضرورة ملحّة تدعو نمرة للمرور عبر معبر تسيطر عليه قوات الاحتلال"، معتبرة ذلك دخولاً في دائرة التطبيع.

وجددت الحملة دعوتها للفنانين والمثقفين العرب والمؤسسات الثقافية العربية إلى مقاطعة المشاريع والأنشطة التطبيعية، والالتزام بمعايير المقاطعة التي تبناها المجتمع المدني العربي على مدى عقود.

المطرب المصري دافع عن موقفه بعد الحفل وكتب نمرة عبر صفحته: "أنا تشرفت بدعوة بلدية رام الله لإحياء حفل لأهلنا في فلسطين، وبعد استشارة أصدقائي الفلسطينيين المعروف عنهم اعتزازهم بالقضية الفلسطينية وأخذ رأي BDS، ذهبت إلى رام الله بتصريح من السلطة الفلسطينية عبر معبر الكرامة مثلي مثل أهل فلسطين. وكم سعدت بالغناء معكم في رام الله". أضاف: "أشكركم على كرم الضيافة. أعلم أن هناك جدلا حدث وهناك من اتهمني بالتطبيع رغم كل ذلك. أنا حقيقي مش عارف إيه اللي كان المفروض أعمله وما عملتوش، لو فيه طريق كان أفضل قولوا لي عليه. أنا ضد التطبيع بكل أشكاله، وأنا تحت أمر الشعب الفلسطيني في أي وقت يدعوني لأغني معهم. كل التحية لصمودكم".



اتحاد النقابات الفنية المصرية كان قد أعلن موقفاً واضحاً في قضية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ أعلن في عام 2010 مقاطعته لمهرجان أبو ظبي السينمائي لعرضه أفلاما عبرية، متهما إياه "بالتطبيع"، وحظر التعامل مع المهرجان.
واتهم الاتحاد المهرجان "بعرض أفلام إسرائيلية بما يعتبر تطبيعا مع العدو الإسرائيلي الذي يرتكب عشرات المذابح بحق الشعب العربي الفلسطيني".

وقال اتحاد النقابات الفنية المصرية التي تضم في صفوفها نقابة الفنانين ونقابة السينمائيين ونقابة الموسيقيين، في بيان إن "مهرجان أبو ظبي يحاول بشتى الطرق جرّنا إلى التطبيع مع إسرائيل".
وأضاف أن المهرجان "استطاع جرنا إلى هذه الطريق من خلال توجيه الدعوة لمنتجة إسرائيلية فخورة بإسرائيليتها ليصبح المهرجان حصان طروادة لعبور الفن الإسرائيلي لداخل الوطن العربي".

وطالب الاتحاد في قراره أعضاء النقابات الثلاثة بالالتزام "بقرارها الذي اتخذ منذ 1981 بعدم التعامل أو التطبيع مع إسرائيل باعتبارها من الثوابت ما دامت إسرائيل تنتهك حقوق الفلسطينيين وتستمر في إعلانها أن دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات".

وكان القرار قد تضمن "حظر التعامل مع مهرجان أبو ظبي السينمائي على أعضاء النقابات الفنية وإلا تعرض العضو نفسه إلى الفصل".

واتخذت النقابات الفنية في مصر موقفاً رافضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني. فقد اجتمع الاتحاد في 19 يناير/ كانون الثاني 1981 واتخذ قراره بالإجماع بحظر التطبيع مع الدولة الصهيونية. وحظر التعامل مع كل ما هو إسرائيلي، ومعاقبة من يخالف ذلك الحظر بالفصل من عضوية النقابة التي يتبعها.

وكان للفنان والأديب المصري الراحل سعد الدين وهبة دور كبير في هذا القرار، الذي اعتمده وزير الثقافة حينها منصور حسن.

الباحث والأديب المصري محمود عبده يقول إنه "بات ملحوظا أن ذلك الموقف المشرف بدأ يهتز لاحقا، خاصة مع تطورات القضية الفلسطينية، والاتجاه العربي العام للصلح والتطبيع مع العدو الصهيوني، ومما يمكن ملاحظته في هذا الصدد أنه يسود حالياً في النقابات الفنية منطق "التطبيع الآجل"، فبعد أن كان رفض التطبيع يقوم على أساس رفض وجود الكيان الصهيوني من الأساس، ومن ثم فإنه لا يمكن الاعتراف به أو إقامة علاقات معه من أي نوع، صار ما يردده فنانونا أنهم لن ينهوا مقاطعتهم ورفضهم للتطبيع إلا حين تحقيق "السلام العادل" وقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة".
موضحاً أن "هؤلاء تحولوا من رفض قيام إسرائيل من حيث المبدأ إلى تأجيل الاعتراف بها وقبولها لحين التكرم أو تفضلها على الفلسطينيين بإعطائهم 22% من أراضيهم، أي أنهم يتبنون نفس سياسة السادات بالاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها ولكنهم يشترطون أن يدفع الصهاينة الثمن".

وأضاف مدير مؤسسة "المعبر للثقافة والإعلام والدراسات بالقاهرة"، أن "العامل الأكبر في كبْح عجلة التطبيع الفني هو خوف أغلب الفنانين المصريين من الغضب الشعبي. فالأجيال الجديدة من الفنانين (خاصة من الممثلين والمطربين) ليس لديهم الوعي والثقافة ما يجعل لديهم موقفاً جذرياً من التطبيع، خاصة الأجيال الجديدة التي تربّت تحت مظلة الصلح مع العدو الصهيوني، وخضعت لعمليات غسل المخ التي جرت في المناهج التعليمية والبرامج الرسمية عن "السلام".

وقال مؤلف كتاب "حصان طروادة الصهيوني على أبواب المحروسة: دراسات عن التطبيع بين مصر والكيان الصهيوني"، إن "الضمانة الرئيسية لمنع التطبيع الفني من النمو والتضخم هي بتواصل الضغط الشعبي والجماهيري على الفنانين المصريين لمنعهم من الاقتراب من هُوّة التطبيع، وذلك تحت قيادة المثقفين والإعلاميين الوطنيين وذلك بالتعاون مع الفنانين ذوي الواقف الوطنية والقومية".

وأشار معارضون لزيارة نمرة إلى رام الله، إلى أن سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2 مليون مواطن، ممنوعون تماما من زيارة الضفة الغربية ومدينة رام الله، في حين سمح الاحتلال للفنان المصري بالزيارة، كما سمح لصابر الرباعي وغيره من قبل، من خلال تصريح يملك وحده حق إصداره.

وأكدوا أن زيارة حمزة نمرة، ستستغل من حملة الهاسبرا (الدعاية) الإسرائيلية الممولة من قبل وزارة الشؤون الاستراتيجية والأمنية، والتي تعمل على تصوير إسرائيل على أنها دولة ديمقراطية، تسمح للجميع بممارسة الفن بحرية. وأن القدس، وهي جزء من الضفة الغربية، مفتوحة لجميع الديانات، في الوقت الذي تشير فيه تقارير من مراكز بحثية إسرائيلية إلى أن "إسرائيل" تعاني من عزلة دولية كبيرة نتيجة حملات المقاطعة الدولية، وأن نمرة بزيارته تلك أسهم في تبييض وجه الاحتلال بعد مجازره بحق أطفال غزة.

وبالفعل جاءت زيارة حمزة إلى رام الله وزيارة أحمد جمال إلى القدس المحتلة في وقت يصيح فيه العالم ويندد بجرائم إسرائيل بحق أهل الضفة وغزة.

وقال ناشطون ومعارضون للتطبيع على مواقع التواصل الاجتماعي إنه كان من الأولى بالفنانين المصريين زيارة قطاع غزة المحاصر منذ 12 عامًا. وأكدوا أن ذلك هو المعيار الحقيقي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

وعلى الرغم من ادعاء نمرة أنه لم يتلق تأشيرة دخول إسرائيلية، تساءل المعارضون حول إمكانية القيام بتلك الزيارة دون موافقة الاحتلال وشرطته، مؤكدين أنه لا يمكن لأي شخص الوصول للضفة بدون علم وموافقة السلطات الإسرائيلية.

وعبّروا عن قلقهم من أن الزيارة تأتي في وقتٍ تسعى فيه بعض الحكومات العربية إلى كسب ود إسرائيل والترويج لما يسمى بـ"صفقة القرن" التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل.
موقف حمزة نمرة من الثورة المصرية التي اندلعت في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، وأغانيه الداعمة للثوار لم تشفع له لدى المنتقدين الذين عبروا عن غضبهم من زيارته إلى رام الله.



يذكر أن الإذاعة المصرية حظرت بث أغاني نمرة لانتقادها النظام، إذ أرسل عبد الرحمن رشاد، رئيس الإذاعة المصرية في 2014، مذكرةً إلى جميع محطات الإذاعة في البلاد تمنع بث أي أغانٍ لنمرة بعد أن وصف الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي بالانقلاب العسكري. وقال رشاد في تصريحات إنه لا ينبغي منح الفنان الذي ينتقد الحكومة وقتاً من البث.

وفي الوقت نفسه قال نمرة في تصريحات صحافية "قلت مراراً وتكراراً إني لا أنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن أي شخصٍ يؤمن بأني من الإخوان لن ينصت أبداً لما أقوله".
وأضاف "أعتقد أني الفنان الوحيد الذي اتُّهم بذلك ولا يمكنه التخلص من هذه التهمة".



المساهمون