ربما ذلك ما دفع بلانت في ألبومه الجديد للعودة مجدداً نحو نقطة البداية، وبالتحديد إلى أغنية "You're Beautiful"، التي ارتأى بلانت أن كليبها يجسد بصورة رمزية مسيرته الفنية التي انحدرت سريعاً من القمة نحو القاع؛ ففي كليب "You're Beautiful" يقف بلانت وحيداً على صخرة عالية يتجرد من أغراضه، وبعدها يرتمي إلى الأسفل ويغرق في مياه البحر. ومن هذه النقطة انطلق بلانت بكليب أغنيته الجديدة "Cold" لينبثق فجأة من ذات النقطة التي غرق فيها في عرض البحر، ويتسلق الجبال ليعود إلى صخرته مجدداً، ويجتهد كثيراً ليعتلي القمة، ويستعيد ما كان يمتلكه في الماضي.
هذا الفيديو العكسي يضع النسخة الجديدة من بلانت بمواجهة مباشرة مع نسخة بلانت القديمة والأكثر نجاحاً، ليبدو وكأنه يدخل بتحد مع ذاته في الألبوم الجديد. سبق لبلانت أن عبّر عن استيائه من أغنية "You're Beautiful"، فوصفها بالمزعجة، لكونها رسمت له صورة نمطية لم يستطع أن يتجاوزها بسهولة. لكن هذه المواجهة تبدو لوهلة لا تحقق ما يأمله بلانت منها، فأغنية "You're Beautiful" تتفوق بجمالها على أغنية "Cold"، ولكن ألبوم "Once upon a mind" بمجمله، وبما يحتويه من أغاني الفولك بوب ذات صبغة ذاتية، هو أفضل ألبوم أنتجه بلانت خلال رحلته الفنية.
يضم العمل الجديد إحدى عشرة أغنية، يبتعد فيها بلانت قليلاً عن ثيمة الأغنية العاطفية التي لازمته بالسنوات الماضية لينفتح على أفكاره الذاتية حول رحلة حياته بغرابتها وتناقضاتها؛ فتبدأ الأغنية الافتتاحية "The Truth" بقوله: "إنه طريق طويل ووحيد، ذلك الذي سلكته وحيداً، ولم أظن يوماً أنه سينتهي بهذا المكان. مشيت سريعاً، مشيت ببطء عندما استسلمت، لأنني عرفت أن كل الطرقات ستؤدي لذات المكان".
يصف بلانت حياته بأنها مجموعة من القرارات المتسرعة، ويبرّر ما قام به طيلة حياته من خلال عدة أمور يسردها في عدة أغان في ألبومه وبطرق مختلفة. ففي أغنية "Stop The Clock"، يرى بلانت أن المشكلة دائماً تتعلق بطبيعة الحياة القصيرة، التي نجد فيها أنفسنا مجبرين على اتخاذ قرارات رغم إدراكنا لعدم جاهزيتنا، فيقول بها: "وكأن أيادي الزمن تغلل أيادينا بالأصفاد. أنا لست جاهزاً بعد. كل ما أفعله هو المشاهدة، لأنني لم أعثر على طريقة لأوقف عقارب الساعة". وفي أغنية "Youngster" يسرد بلانت المواعظ التي تلقاها من أبويه، والتي أعطته القوة ليستمر.
في أغنية "Monsters" يستخدم بلانت أسلوبا أكثر ابتكاراً وشعريةً، فيوجه بها كلامه لأبيه الميت، وكأنه يتبادل معه الأدوار ليسرد له قصة شبيهة بقصص قبل النوم. تفضح القصة دوافع بلانت العاطفية لكل ما يقوم به؛ فيقول: "قبل أن يطفئوا الأضواء، لن ألقي عليك أخطاءك أو حسناتك، فالوقت مضى. سأقول لك: ليلة سعيدة، وأغلق الباب. سأخبرك أنني أحبك مرة أخرى. هذا كل شيء. وبينما أنت نائم سأحاول أن أجعلك فخوراً بي. لذا يا أبي، لم لا تغمض عينيك؟ لا تخف، جاء دوري لمطاردة الوحوش".