المسرح العراقي: حين يتحوّل الشارع إلى خشبة

16 يناير 2020
الشارع يمثل وسيلة تثقيفية(أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
ساهمت التظاهرات في العراق، تحديداً في ساحة التحرير ببغداد، في تألق الممثلين الشباب والتعبير عن مطالبهم وقصصهم اليومية والقمع الذي تعرضوا له، وانتكاساتهم في الحياة في ظل سطوة أحزاب ومليشيات السلطة، وأدت إلى تطور مسرح الشارع، لأداء تمثيليات وعروض في الأماكن العامة والفضاءات المفتوحة.
لا يتعب القائمون على المسرحيات التي تقدم في ساحات الاحتجاج على التحضيرات الكبيرة، كما أنهم لا يحتاجون إلى الإعلان والترويج لأعمالهم، فالمتظاهرون هم أنفسهم جمهور جاهز وتحت الطلب، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المنصة الأشهر والأكثر استخداماً في العراق، وتبدو كافية لتغطية الأحداث.
يشترك فنانون، غالبيتهم من الشباب الذين تخرجوا من معاهد وكليات الفنون في العراق، في كتابة وتمثيل وإخراج الأعمال المسرحية التي تقدم في الشوارع وداخل خيم المعتصمين، وداخل المطعم التركي الذي يمثل غرفة عمليات المحتجين في بغداد، ولا تخرج أفكار المسرحيات التي يقدمها المحتجون عن نطاق نبذ العنف والطائفية وتعمير ما خربته الأحزاب والمليشيات.
لعل ما يميز العروض المسرحية في ساحات الاحتجاج أن كثيراً من العراقيين، وبسبب الأزمات الاقتصادية التي تورط فيها العراق خلال حقبة النظام السابق، وما جاء بعدها من نكبات أمنية وسياسية عقب الاحتلال الأميركي، لم يتعرفوا على كثيرٍ من الفنون، بل إن هناك من لم يدخل مسرحاً أو يشاهد عرضاً مسرحياً في حياته، لا سيما شريحة الفقراء، إلا أن التظاهرات أتاحت لهم أخيراً الولوج إلى عالم الفنون الجميلة.
في السياق، قال أكرم مصطفى، وهو ممثل شاب، تخرج من معهد الفنون الجميلة ببغداد قبل ثلاثة أعوام، إن "الهدف من إقامة مهرجانات فنية وعروض مسرحية وحتى الندوات الثقافية والمناسبات الأدبية، يرجع إلى ضرورة نشر الوعي الثقافي من خلال الفن، إضافة إلى أسباب أخرى مثل كسر الملل الذي يصيب المحتجين والمعتصمين في بغداد"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "مسرح الشارع كان غير معروف في العراق، بسبب عدم اهتمام العراقيين بتطورات الحراك الفني، وهذا يعود إلى الانشغال بالحياة وصعوبتها في العراق".
وأكمل أن "الممثلين في بغداد وبقية المحافظات المنتفضة من الذين لم يجدوا إلى الآن فرصة للتعيين الحكومة أو العمل في المجال الفني، وجدوا في ساحات الاحتجاج فرصة سانحة لعرض مهاراتهم ومواهبهم، وبالتالي قدموا عروضاً مسرحية مهمة تحاكي الواقع الحالي، بالرغم من قلة الإمكانات"، مؤكداً أن "أغلبية النصوص المسرحية لم تكن جاهزة، أي أنها ليست لكتاب غير عراقيين أو قديمة، إنما كُتبت خلال الحراك الشعبي الرافض للسلطة الحالية، ولذلك فهي لم تخرج عن ملف البلاد والمشاعر الوطنية".
من جهته، بيَّن المخرج الشاب يوسف عبد الكريم، وهو معتصم في خيمة "نريد وطن" ببغداد، أن "الشارع هو أصل الفنون ومنه تنطلق الحكايات والقصص، وبالتالي فإن استخدامه سيؤثر بالمتلقي أكثر مما لو كان العرض على خشبات المسارح، لذلك مسرح الشارع له أهمية كبيرة ويضيف إلى الفكرة العامة للمسرحية"، مؤكداً أن "أكثر من عشر مسرحيات عرضت في ساحة التحرير، وكلها تتحدث عن قتلى الاحتجاجات وطموحاتهم، وعن كيفية الاستمرار على خطى الشهداء، وتحقيق المطالب المشروعة".

ويتابع في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أن "الشارع يمثل وسيلة تثقيفية وتعليمية، خرجت منها العديد من العروض الإنسانية التي تمس خلفيات المجتمع وأسس تكوينه، وحالياً يسعى الفنانون الموجودون في ساحة التحرير إلى تعويد العراقيين على الفنون التي تنطلق من الشارع وإلى الشارع، والتأسيس لحركة فنية هدفها الارتجال عبر أدوات بسيطة وبأفكار مهمة".

أما علي حسون، وهو كاتب نصوص مسرحية عراقي، فقد أشار إلى أن "القصص والعروض المسرحية التي يقدمها الفنانون في ساحات الاحتجاج ليست سيئة، وتحمل عاطفة بالغة"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أنها "تفتقد الحس الأدبي العالي والصور الفنية، ولكن هذا يحدث طالما أن الشباب لا يملكون الخبرة الكبيرة في مجال الكتابة، وأن جهودهم بأدواتهم العادية والبسيطة يجعل هذه الأعمال عظيمة".

وتابع أن "الجيل العراقي الجديد، وتحديداً من الفنانين والكتاب والشعراء، يعيش حالياً لحظة تاريخياً عاطفية غير عادية، وستمثل نقطة تحول على صعيد سير الفنون العراقية في المستقبل"، مؤكداً أن "التغيير السياسي والاجتماعي والتطوير على مستوى الفنون سينطلق من خلال المحتجين".
المساهمون