عين حوض.. شاهدة على مأساة النكبة

06 يناير 2015
تم تحويل عين حوض إلى "قرية للفنانين الإسرائيليين" (العربي)
+ الخط -
كان نصيب قرية "عين حوض" من التهجير وتشريد أهلها في عام النكبة كباقي قرى الساحل، قضاء حيفا، كالطيرة وصرفند وكفر لام وإجزم وعين غزال.

ولكن وبالرغم من المعاناة، استطاع جزء من عائلة أبوالهيجاء البقاء على أرضهم في منطقة الجبل "الوسطاني"، حسب تعبيرهم، وذلك بفضل قرار الجد محمد محمود أبوالهيجاء البقاء في العزبة مع زوجته وأولاده.

اختبأ أبوالهيجا إلى حين انتهاء الحرب، لكنه لم يستطع وأفراد عائلته العودة إلى بيوت آبائهم وأجدادهم، فما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى سكن الإسرائيليون بيوتها.

وعين حوض، التي تقع داخل الساحل في قلب جبال الكرمل الداخلية، تشبه قصص الأساطير عن القرية المخفية عن العيون، فيها عيون ماء وطبيعة خلابة، طمع فيها "فنانو إسرائيل" وأرادوها غاليري لم تخدشه يد الإنسان لفنهم العنصري. فقد تمكن الفنان الإسرائيلي مارسيل يانكو كم من إقناع السلطات بالحفاظ على مباني وعمران القرية في أوائل سنوات الخمسينيات، وتحويلها إلى قرية فنانين، وتجنيبها نكبة الهدم التي طالت القرى المجاورة لها. تحول مسجد القرية إلى مطعم، وصارت معصرة الزيتون متحفا فنيا، والبيوت سكنها إسرائيليون، وبقيت بعض شواهد القبور عالية شاهدة على المكان.

لكن عيون أصحاب الأرض، أحفاد أبوالهيجا، البالغ عددهم اليوم قرابة 300 مع أولادهم، لا تزال ترنو إلى القرية المسلوبة. فهم يعيشون على بعد خطوتين من بيوتهم الأصلية. أقاموا قريتهم من جديد ورفضوا الهجرة. ظلت قريتهم الجديدة غير معترف بها من قبل السلطات الإسرائيلية لغاية أواسط التسعينيات. عاشوا لعقود دون حد أدنى من الخدمات كالكهرباء والمياه والصرف الصحي وبشوارع غير معبدة. وحاولت السلطات الإسرائيلية إخلاءهم من أرضهم عدة مرات. وبعد مثابرة ونضال وصمود، اعترفت الحكومة الإسرائيلية بالقرية في عام 1992، وهي أول قرية تم الاعتراف بها.

ويقول سمير أبوالهيجا، وهو من مواليد 1955 بقرية عين حوض، لـ"العربي الجديد"، "نحن بقينا في أرض جدي. كان لجدي عزبة هنا بالجبل، كانت أرض بستان مزروعة بما لذّ وطاب من الخضروات وفواكه وزيتون، وبقيت مزروعة حتى عام 1965. وعند الحرب، سكن في أحد الكهوف جنوب البلد مع كثير من أهل البلد، وبعدها رحل قسم منهم إلى دالية الكرمل، وقسم إلى مدينة جنين، والآخر رحل إلى الدول العربية". وأضاف "أنا ولدت في بيت بركية في القرية، فنحن نمر كل يوم بجانب بيت أبي، فهذه معاناة نفسية يومية، كلما نمر بجانب بيت والدي، نشعر بمرارة وألم".

كان عدد سكان القرية عام النكبة 700 نسمة. أقيمت على أراضي القرية ثلاث مستوطنات، وهي: نيرعتسيون، ويمين أورد، وعين هود قرية الفنانين. ظلت علاقة الفلسطينيين مع جيرانهم في المستوطنات الثلاث فاترة، بل إن جيرانهم من "الفنانين" لم يتوقفوا يوما ما عن محاولات عرقلة تطور البلد، وعارضوا إقامة شارع يربط القرية مع الشارع الرئيسي.

أما المهندس محمد أبوالهيجاء، شقيق سمير، وهو أيضاً من مواليد قرية عين حوض سنة 1953 الذي وقف وواجه السلطات الإسرائيلية، وكان قد عينه جده في عام 1978 رئيساً للجنة لتمثل البلد وتحافظ عليها، فيقول: "في سنة 1951 تمت مصادرة أراضينا وفق القانون الحاضر غائب. وكنا قرية غير معترف بها سنين طويلة، ومهددين بإخلاء بيوتنا، وعشنا سنين طويلة بدون خدمات كهرباء وماء... إلخ".

ويضيف المهندس محمد أبوالهيجا: "لم نتوقف يوماً عن العمل لانتزاع الاعتراف بالقرية الجديدة، وبدأنا نخطط أكثر، حتى إنني قمت بإعداد خريطة لبناء دور تحت الأرض مع أنفاق، لأنه كان ممنوعا أن نبني بيوتا والطائرات تحوم فوقنا وتراقبنا".

وفي عام 1986 صدر تقرير ماركوبيش، الذي أوصى بنقلنا من أرضنا. وفي نفس السنة وجدنا عشرات القرى غير المعترف بها من قبل الدولة، فقمت بزيارتها، وتحدثت مع الناس من جميع القرى، وأسسنا لجنة الأربعين في حيفا سنة 1988.

قام محمد بتسجيل عين حوض كقرية تعاونية زراعية في بداية التسعينيات، وتم الاعتراف بها عام 1992. وتم تخصيص 42 دونماً للبناء. لكن القضية لم تنته هنا، فهناك أمور لم تنته بعد مع الدوائر الحكومية. فالقرية التي تم الاعتراف بها لا تزال بدون مسطح بناء، وبدون مدرسة لائقة، وتفتقر إلى الخدمات الصحية، وهي فوق ذلك كله أسيرة داخل أحراش الكرمل، ورهينة بالطريق الرئيسي المعبد فقط حتى مدخل القرية الأم التي استوطنها "الفنانون" الإسرائيليون.
دلالات
المساهمون