يقول جيلميتي إن برامز، "في رأيي، التفسير العلمي للابتكار والإبداع في الموسيقى، فلا يمتلك أحد مثله هذه القدرة المطلقة على بناء كاتدرائيات كاملة من الأصوات (ربما يكون باخ فقط) مصحوبة بالإبداع المذهل. وهي ليست عشوائية بل جزء من خطة كبرى".
ووفقاً لجيلميتي فإن برامز هو آخر الكلاسيكيين العظماء، إذ أن أشكاله وتكويناته مثالية، لها نفس المنطق والكمال الذي يتمتع به هايدن أو موتسارت، المتوسّع بشكل طبيعي، وبالتالي يصعب التأكد من كونه مؤلفاً غير بارع. فهو يمتلك روحاً أنقى وأعمق للرومانسية يوحد ويؤيد بها الكلاسيكية.
أشار جليميتي إلى صدور فيلم قبل سنوات مقبتس من كتاب فرانسوا ساغان "هل تحبين برامز؟"، الذي اتخذ موضوعه الموسيقي من الحركة الثالثة للسيمفونية الثالثة التي ستؤدى يوم الجمعة، مبيناً "هذا العنوان (هل تحب برامز؟) بالذات أصبح نوعاً ما كلمة المرور للجماهير".
يقسّم علماء الموسيقى أعمال يوهانس برامز الإبداعية إلى ثلاث فترات. تمتدّ الأولى في الغالب من مؤلفاته الرومانسية المبكرة حتى موسيقى قداس الموتى الألماني (ريكويم)، والثانية تمتدّ حتى كونشيرتو البيانو الثاني وتتطبع بالكلاسيكيّة.
أما المرحلة الأخيرة التي تبدأ بالسيمفونية الثالثة فيمتزج فيها كل من التأثيرين الكلاسيكي والرومانسي.
ويؤخذ برامز نموذجاً للنوابغ الذين ظهروا في سن متأخرة، وليس على غرار موتسارت وماندلسون اللذين ألفا أولى السيمفونيات في سن الطفولة.
أنفق برامز أربعة عشر عاماً وهو يؤلف السيمفونية الأولى، وحين خرجت للعلن عام 1876 كان عمره 43 عاماً، ثم انفتحت شهيته لينهي السيمفونيات الثلاث التالية في وقت قصير نسبياً: الثانية سنة 1877، الثالثة بين العامين 1882 و1883، والرابعة بين العامين 1884 و1885.
كل من السيمفونيات هي تحفة فنية، وكل منها تتسم بطابع مختلف. فالسيمفونية الأولى تتميز بالقوة والضخامة، مع افتتاحية مظلمة ومهيمنة.
السيمفونية الثانية رعوية مرحة، ذات خاتمة رعوية سعيدة رقيقة. أما السيمفونية الثالثة، وهي الأقصر بين الأربع، وعلى الرغم من كونها مستبطنة ورعوية ككل، فهي مجموعة روحية تأملية من الألحان المتكررة المتغيرة.
Facebook Post |
ومع سيمفونيته الرابعة، كان برامز قد أنجز عملاً ذا سموّ باطني، ولد من انفعالات متباينة: الكآبة والفرح، القسوة والنشوة، الوقار والإثارة.
اكتسبت سيمفونية برامز الثالثة شهرة سريعة، باعتبارها توازي سيمفونية بيتهوفن الثالثة "إيرويكا".
لم تُحفر السيمفونية الأولى لبرامز في ذاكرتنا بفضل الطاقة الموسيقية الساحقة فيها فحسب، بل أيضاً للوقت الطويل الذي استغرقه المؤلف للتآلف مع المقطوعة. قام برامز ببعض المحاولات سنة 1854، ولكنه لم يكن راضياً عن القدرة السيمفونية في المسودة الأولى، فحوّلها إلى كونشيرتو البيانو الأول وقداس الموتى الألماني.