ميثاق كتّاب الدراما السورية: صرخة افتراضيّة

31 مايو 2020
عانت الدراما السورية خلال الأزمة من الاستسهال (فيسبوك)
+ الخط -
قبل أيام، طالعنا بعض كتّاب الدراما السورية، بإعلان ما سُمي "ميثاق الدراما السورية". صورةٌ أخرى عن واقع مرير، لا يقتصر هذه المرة فقط على مأساة الدراما السورية في السنوات الأخيرة، رغم بعض المحاولات الجيدة التي استحقت الثناء والنجاح. لكن السؤال، ما الذي حصل وحمل الكتّاب إلى كل هذه الضجة "الافتراضية"؟ على اعتبار أن منصَّة الإعلان الميثاقي الوحيد، هي موقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك". الميثاق في قراءة أولية، لا يعدو كونه مجرد أمنيات تحفل بلغة إنشائية اعتادها هؤلاء الموقّعون لغة، أنهكت الإنتاج السوري لعقود طويلة. وهي لا تقف هنا على حدود الدراما أو صناعة الدراما السورية، بل تبيِّن الهوة والمنافسة بين الكتّاب أنفسهم. فكيف جرى الإعداد للبيان رقم واحد؟ علماً أنّ أبرز الموقعين يعتبرون أنفسهم كتّاب الصف الأول؟ 

الواضح أن ما جاء في البيان عبارةٌ عن أمنيات صاغها بعض العاطلين عن بيع نصوصهم للمنتج السوري، الذي صار مُجرَّد أداة بيد السلطة السياسية وجهاز أمن المخابرات، وصار - بالتالي - يفرضُ شروطه على إنتاجات ما بعد الأزمة السورية. بدون شك، عانت الدراما السورية في السنوات الأخيرة بفعل الحرب والثورة وفرض الهيمنة السياسية وهجرة نجوم الصفّ الأول من الممثلين المعارضين إلى الدول العربية ولأوروبية. إضافة إلى قيام هؤلاء بفتح خطوط مع المنتجين العرب للعمل معهم، بعدما ضاق النظام ذرعاً بهم. ولم يوفر النظام أي فرصة، كي يحرّض طبوله وأبواقه على هؤلاء المنفيين في كل مرة، فضلاً عن حياكة المكائد لهم في دهاليز نقابة الفنانين السوريين، واستدراجهم للعودة إلى "بيت الطاعة" النظام، طبعاً مع شرط اعتذارهم عن مناداتهم يوماً بالحرية.

هذه الصورة المختصرة لواقع السنوات المريرة التي عاشتها الدراما السورية، أفرزت مزيداً من القنوات التي ساهمت في سقوطها أو تراجعها، وبالتالي جرت محاولة إضعاف هذه الصناعة، وكأن ذلك أمرٌ مقصودٌ، وذلك من طريق بعض المسلسلات التي شوَّهت هذه الصناعة في السنوات الأخيرة. مسلسلات لعبت على الحسّ الشعبي الاجتماعي، ولم تتخذ أي قاعدة من أجل بلوغ التطور والنجاح الكامل. كانت بدايات الدراما السورية مُبشّرة، إذ ظهرت أوائل الثمانينيات، وصارت منتشرة عربياً في التسعينيات. بعدها، فتح التسويق الخليجي أمامها آفاقاً واسعة اعتمدها المخرجون والكتّاب السوريون في وقت واحد.

بعيداً عن ذلك كله، بالعودة إلى الميثاق، يبدو واضحاً أن الأسماء التي عملت على إخراج هذا المشروع لها ثقلها في الكتابة. وهذا بالطبع لا يقلّل من أهمية الميثاق للمطالبة بالمستوى اللائق الذي يجب أن تُبنَى عليه أسس الدراما السورية، أو التزام معايير تمنح الكاتب السوري حقوقه كاملة. وحسناً طالب الكاتب والسيناريست سامر رضوان في "الميثاق" بكفّ يد الرقابة عن النصوص أو التدخل في تفاصيل الأعمال المصورة، وهو المنفيّ قسراً من سورية، بعدما جاهر بمواقفه السياسية المعارضة للنظام.
لكن كل ذلك لا يعفي الميثاق من كونه مجرد "توصية" من الصعب في عزّ هذه الأزمة تنفيذها، هذا إن لم نقل إنه مجرد حلقة حوار أشبه بالقمم العربية، التي تقرأ بالبيان الختامي وسلسلة "التوصيات" عموماً، واللغة الأُحادية التي تأثر بها الكتاب السوريون والمجتمع عموماً، ويحاول البعض تسويقها في قالب المفردات الرنانة، التي تبقي هذا الميثاق عُرفاً قد لا يلتزمه معظم من صنعه، ومنهم بالطبع من لجأ في السنوات الأخيرة إلى المنتج اللبناني والعربي، فكتب أو عرّب بعض المسلسلات التركية بلغات فيها من الاستسهال ما قد ينسف حماسته للميثاق برمته، ويعيده إلى مصاف الهواة كطالب كسول لا يزال على مقاعد الدراسة. طالب تحول مع الوقت إلى ناقل ينقل ما يُملى عليه من نصوص، ويحولها إلى سيناريوهات تجارية لمجرد تأمين رزقه.
المساهمون