المسقوف..السمك الذي لا تجده إلا على موائد العراق

17 اغسطس 2015
تنتشر مطاعم المسقوف بمختلف مناطق وشوارع المدن العراقية (Getty)
+ الخط -
رائحة الشواء المنبعثة من مواقد السمك في المطاعم الممتدة على شواطئ دجلة في شارع أبي نؤاس لا يمكن مقاومتها، بل إنها تجبر المارين في ذلك الشارع الحيوي على الرضوخ لمغريات "السمك المسقوف"، المعروف محلياً بـ (السمج المسگوف)، وهو من أشهر الأكلات في العراق. ولا تنتشر تلك المطاعم في شارع أبي نؤاس فحسب، بل هي منتشرة في مختلف مناطق وشوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى.

تاريخ السمك المسقوف

يقول أبو رحاب (48 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، وهو صاحب مطعم للسمك المسقوف، في مدينة كركوك، "المطبخ العراقي غني بالأكلات الدسمة، والتي غالباً ما ترتبط بحادثة معينة أو يعود أصلها الى مدينة أو شخص ما، لكن ﻻ يوجد تاريخ محدد للسمك المسقوف في العراق، بيد أن كثيرين يرجعون تاريخه إلى بداية سبعينيات القرن الماضي؛ مع نهوض العراق اقتصاديا وانفتاحه ونشوء طبقة غنية ومثقفة".

ويرجح تميز العراق بالسمك المسقوف لعدة لأسباب؛ منها وفرة الثروة السمكية فيه نتيجة وجود نهرين عظيمين، دجلة والفرات؛ كذلك البحيرات، بحيرة الثرثار والحبانية وشط العرب، وهذه أبرز مصادر الثروة السمكية، فضلاً عن الأنهار والترع المائية الأخرى.

اقرأ أيضاً: شهيّة الإماراتيين مفتوحة على السوشي وتحضيره بأيديهم

ويضيف أبو رحاب أنه على مستوى العاصمة بغداد يشتهر شارع أبي نؤاس على ضفاف نهر دجلة؛ بعدد من المطاعم والتي حصدت شهرتها وأمست الملاذ المفضل لدى أغلب العوائل البغدادية، من أمثال مطعمي الخيام وأسماك دجلة وغيرهما كثير، هذه المطاعم تقدم السمك المسقوف، كما ﻻ تخلو أي محافظة أخرى من هذه المطاعم، بالإضافة الى وجود باعة مشهورين على الأرصفة في الكرادة وزيونة.

وعن أسعار السمك المسقوف، بيّن أبو رحاب، أن السمك يُحسب بسعر الكيلوغرام؛ وقليلاً ما نجد سمكة تزن كيلوغراماً واحداً، حيث إن أقل واحدة تزن حوالي 2 كلغ، وهنا تختلف الأسعار حسب المطعم، اﻻ أنها ﻻ تقل عن 15 ألف دينار للكيلو الواحد، حوالى 12 دولاراً، كما يتباين سعر كيلو السمك قبل الشواء فهناك أسماك الأحواض؛ وهذه تكون أقل سعرا من السمك المصطاد من الأنهر والبحيرات والسمك البحري، وتبدأ الأسعار من سبعة آلاف وحتى خمسة عشر ألف دينار للكيلوغرام، أما أفضل نوع للسمك المسقوف فهو البني والشبوط والكطان والكاربي.

ويشير أبو رحاب إلى أن انقطاع الطريق مع بغداد بعد أحداث العاشر من يونيو/حزيران العام الماضي، أدى إلى انحسار السمك المتدفق من بغداد؛ في ظل تزايد الطلب المحلي عليه، فدعت الحاجة بعض الصيادين إلى إنشاء أحواض للسمك على ضفاف بعض الترع المائية؛ في القرى الواقعة بين أربيل وكركوك شمال العراق، وأسهمت تلك الأحواض بإنعاش السوق المحلي، ما زلنا نعتمد عليها كونها الأقل كلفة في النقل، كما أن أسعارها تكون في متناول يد محبي السمك.

اقرأ أيضاً: المسقوف.. بين السمك وأسطورة الخلق البابلية

وعن كمية البيع خلال اليوم الواحد، يوضح: "ﻻ يوجد هناك معيار محدد للبيع في اليوم، فنحن نعتمد على زبائن محددين وموسم معين؛ حيث تقل نسبة المبيعات مع ارتفاع درجات الحرارة وتزداد تبعا لاعتدال الجو، وهناك زبائن لا يستغنون عن أكل السمك لفوائده العظيمة، ولأنهم يعتبرونه طبقهم المميز والمفضل".

طقوس السمك

يشرح أبو رحاب كيفية تقديم المسقوف وشوائه قائلاً: يحتاج السمك إلى ساعة أو أكثر حتى يجهز بصورة لذيذة، والطريقة المثلى هي الشوايات المعدنية التي تتوسطها نار خشب الصندل أو الصفصاف، وهذه الأنواع من الخشب تعطي نكهة مميزة أفضل من الفحم المصنع، لكننا أحيانا نعمل بما يرغب به الزبائن بسقفه على الفحم، وبعد جلب السمك نقوم بشقه من الظهر وتنظيفه وتجهيزه بالمتبلات الخاصة والتي غالبا ما تكون قليلاً من الفلفل الأسود، وصلصة الطماطم أو الشطة الحارة والملح، وبعض أنواع أُخرى، التي تختلف من مطعمٍ لآخر حسب الذوق.

وبعد أن ينضج، يقدم السمك المشوي "المسقوف"، ساخناً مع أنواع السلطات المختلفة والمخلل والبصل الأخضر الطازج والليمون الحامض أو النارنج العراقي (نوع من الحمضيات ذو طعم حامض)، ومع خبز التنور السخن يؤكل المسقوف والسمك بصورة عامة باليد دون حاجة إلى شوكة وسكين، ويفضل العراقيون بعد الانتهاء من وجبة السمك الدسمة؛ احتساء كوب من الشاي العراقي بالهيل.

اقرأ أيضاً: صيد السمك هواية ومهنة لبنانية

لا حاجة إلى المطاعم

بينما يرى كثيرون أن أفضل وجبة يأكلونها في مطعم مميز هي السمك المسقوف، يرى آخرون أن هذه الوجبة لا تحتاج إلى المطاعم؛ فهي ألذّ عندما تجتمع العائلة وتبدأ بتحضيرها، كما تعتبر الوجبة المفضلة عند الأصدقاء في التنزه ورحلات الصيد، في البراري والحدائق العامة، هذا ما يقوله محمد الأنبار (28 عاماً)، وهو من عشاق السمك المسقوف.

ويضيف "لم آكل هذه الوجبة يوما في المطاعم، فأنا أفضل من يقوم بشواء السمك مع الأصدقاء عندما نذهب لاصطياده من البحيرات، وقبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، لم أشتر سمكة واحدة من السوق أو الباعة المختصين؛ فقد كنا نصطاده من بحيرة القادسية التابعة لنهر الفرات غرب الأنبار، ومن الأنواع التي نفضلها سمك الكطان؛ طعمه مميز بخاصة إذا تم سقفه على نار الخشب الذي يتم جمعه أو الحصول عليه من بعض الحطابين. بعد الانتهاء من تناول السمك المسقوف ليس هناك أفضل من إبريق شاي يتم تخديره (غليهُ)؛ على الجَمر المتبقي من شواء السمك".

يذكر أن الثروة السمكية في العراق تعرضت لتراجع كبير، بعد سنة 2003، من جراء شح المياه وعدم توافر الأعلاف الملائمة وسوء الخدمات وتلوث مياه الأنهر، وكان خبراء اقتصاد ومسؤولون عراقيون قد حذروا من التدهور الحاصل في قطاع الثروة السمكية في البلاد بسبب نقص أعدادها في المياه العراقية.

اقرأ أيضاً: المائدة الخطرة: أطعمة "شمّ النسيم" لا تشبه عنوانه
المساهمون