اقتباس جديد لـ"الملك لير": معالجة ذكية وأداء بديع

15 ديسمبر 2018
الفليم هو التعاون الثاني لريتشارد آير مع أمازون (فيسبوك)
+ الخط -
رغم مرور نحو 5 قرون عليها، لم تفقد مسرحيات وليام شكسبير جاذبية إعادة تقديمها أو اقتباسها في وسائط فنية مختلفة. سينمائيًا، هناك خياران متاحان مع كلّ اقتباس شكسبيري جديد: إما أن يتمّ تناولها في قالبها التاريخي، بزخمٍ في الأزياء والديكور والصورة الفنية، وهو الشكل الذي قدّم الاقتباسات الأشهر والأفضل كـ"ماكبث" (1971) للفرنسي البولندي رومان بولانسكي و"هاملت" (1996) للبريطاني كينيث براناه؛ وإما أن يُعاد تقديمها في قالب معاصر. ورغم طموحها، لم تنجح الفكرة الثانية سابقًا في تقديم فيلمٍ يتذكّره الناس، ربما بسبب عائق اللغة الكلاسيكية، أو لكون المنعطفات التراجيدية الحادّة غير مستساغة بشكلٍ معاصر. مثلٌ على ذلك؟ قتل العمّ لأخيه مالك العقارات في نيويورك المعاصرة، في نسخة المخرج والسيناريست الأميركي مايكل ألميريديا لـ"هاملت"، التي تعدّ حبكتها غير مقنعة وغير مناسبة للقرن الحالي.


لتلك الأسباب كلّها، كان اختيار المخرج والكاتب الإنكليزي ريتشارد آير قالبًا معاصرًا لمسرحية "الملك لير"، في تحقيقه فيلمًا تلفزيونيّا هو تعاونه الثاني مع شبكة "أمازون"، مُقلقًا. لكن، ما يميّز هذا الفيلم فعليًا عن أي اقتباس شكسبيريّ آخر، هو ابتكاره خطًا ثالثًا، يختلف عن الشكلين التاريخي والمعاصر: الواقع الموازي في بريطانيا العسكرية في القرن الـ21، وهي لا تزال مملكة تتحكّم بأوروبا.
تمتلك قصّة الفيلم التلفزيوني الجديد المحاور المعروفة كلّها: في أيامه الأخيرة، يقرّر الملك لير (أنتوني هوبكنز) تقسيم المملكة وتوزيعها على بناته الـ3: غونيريل (إيما تومسون) وريغان (ايميلي واتسن) اللتين تتملقّانه بشدّة فيمنح كل واحدة منهما الثلث، بينما ترفض كورديليا (فلورنس بوغ) الموقف برمّته، قائلةً: "أنا أحبّ والدي لأنه والدي، لا أكثر ولا أقل"، فيغضب عليها، ويحرمها من الإرث، قبل أن تسير الأمور بشكل مؤلم، تتهاوى فيه حياة الملك العجوز.
على عكس التراجيديات الكبيرة لوليام شكسبير، لم يُقتَبس "الملك لير" كثيرًا في السينما. لا يوجد فيلمٌ ضخم مأخوذ من هذه المسرحية، باستثناء اقتباس الياباني العظيم أكيرا كوروساوا لها بشكل غير مباشر في Ran 1985. لذلك، يُعتبر اقتباس ريتشارد آير لها في فيلمٍ تلفزيوني لافتًا للانتباه، بشكل أو بآخر.

فكرة الواقع الموازي ذكية، لكنها تترنّح في مساحات مختلفة في "الملك لير" التلفزيوني، تحديدًا في مسألة الحدود والتفاصيل العسكرية والجغرافية والخطوط الفرعية، فلا تكون مقنعة أو مهمّة بأي شكلٍ، بل إنها تؤثّر بوضوحٍ على إيقاعه وقوّته. كذلك، فإنّ الخيارات الفنية تتعارض في ما بينها أحيانًا: في قلب الصورة الكلاسيكية الرصينة التي يقدّمها، يتحدّث ممثلٌ إلى الكاميرا كاسرًا بذلك الجدار الرابع بشكل لا ينتمي إلى القصّة والشكل الذي اختاره المخرج.
في المقابل، ما ينقذ الفيلم ويمنحه ثقلاً حقيقيًا هو أداء أبطاله. فريتشارد آير يدرك أن هناك بعض أفضل ممثلي بريطانيا في العقود القليلة الفائتة، وأن جميعهم منطلقون من خلفية مسرحية، وأن بعضهم أدّى الدور نفسه أكثر من مرة على المسرح. لذلك، فإنّ أقوى لحظات الفيلم هي تلك التي يتركهم فيها داخل مساحة واسعة، كأننا أمام مسرحية سينمائية. كما أنه يترك المباراة الأدائية تستمر إلى نهايتها، فتكون النتيجة رائعة، إذْ لا يوجد أفضل من أنتوني هوبكنز في الـ80 من عمره لأداء شخصية لير، بلحظات صلابته وقوته كملك، ثم تفتّته وانهياره كشيخٍ عاجز وأب مصدوم. ولو أنّ الفيلم سينمائي لا تلفزيوني، لرُشِّح أداؤه إلى جائزة "أوسكار". إيما تومسون هائلة كذلك، تؤدّي دور الأخت الكبرى بصلافة وحدة، ولا يمكن تخيل ممثلة غيرها في مشاهد المواجهة مع الملك لير. هناك أيضًا الحضور القوي للممثل الكبير جيم برودْبِنْت، ولإيميلي واتسن وفلورنس بوغ، في أداء صارم ومسرحيّ يمنح العمل الجانب الأكبر من تميّزه.
المساهمون