"الرز بحليب".. وعود ملائكية وترحّم على الموتى

12 ابريل 2015
أكلة "الرز بحليب" (Getty)
+ الخط -
لا نعرف على وجه الدقّة، ما إذا كانت المقولة المصرية الشائعة "نم وكُلْ رزّ بحليب مع الملائكة"، تعني أنّ النائم سيأكل مع الملائكة تلك الوجبة المحبّبة للكبار والصغار، للرضّع والعجائز (بسبب غياب الأضراس)، أم أن الملائكة ستكتفي بحراسته بينما هو يأكل، لتكون أحلامه في ذروة جمالها وحلاوتها وأمانها أيضاً.

الأرجح أن أصولها ليست إسلامية أو مملوكية، ككثير من معتقدات مصرية متعلقة بالأطعمة، فما كان للمسلمين أن يقحموا الملائكة في عمل دنيوي كهذا. وللطبق المصري صلة أعمق بالأطفال، منذ أسبوعهم الأول، إذ يدرج كثير من المصريين على توزيع "الرز بلبن" (الحليب) على الجيران والأقارب في "سبوع" الطفل، وبعضهم يتبع تقليداً شعبياً فريداً في وضع أربع أطباق منه في زوايا غرفة الطفل، اطمئناناً منهم إلى أنّ أربعة ملائكة ستحضر إلى الغرفة، لتأكل الأطباق اللذيذة وتحرس الطفل في نومه.

في بلاد ساحل المتوسط الشرقي، للطبق مكانة لا تقتصر على إغراء الأطفال به، وهو طبق رئيسي على مائدة كلّ طفل دريد، يرافقه وهو يكبر مرتبطاً بطعم طفولته ككلّ، وبحنان من أعدّه وقدّمه له، بل إنّ أهمّيته هناك تعود إلى تكريسه طبقاً رصيناً للترحّم على الموتى، إذ يدرج كثيرون على توزيع كاسات "رز بحليب" عن أرواح أمواتهم المقرّبين وقراءة الفاتحة. وكلما أرادوا إظهار إخلاصهم لهذا الراحل، كلما تفنّنوا في إضافة مطيّبات له، بينها المستكة ونثار جوز الهند ومسحوق الفستق الحلبي ومسحوق القرفة وبعض الفاكهة ومربياتها وحتى الشوكولاتة الذائبة.

أما المطيّب الأبرز في هذا الطبق فهو من دون منازع "ماء الزهر" و"ماء الورد". الأوّل هو خلاصة تقطير زهور النارنج، والثاني هو خلاصة تقطير زهور الورد الجوري. تلك العصارة العطرة للزهور مع اللون الأبيض للحليب وملمسه الطري تعطي الطبق هالة روحية، تجعله يقترن بالأرواح المولودة والأخرى المغادرة، وأيضاً بالنوم العميق الذي يصل بنا أمانه وسلامه إلى سماوات بيضاء تسكنها الملائكة الطيبة.
المساهمون