النساء محظوظات. يتكرّر التعبير في أكثر من تقرير صحافيّ، وفي أكثر من تدوينة وتغريدة. وحظّ النساء السعيد هنا، منسوب إلى الإحصاءات التي تتحدّث عن ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا من الذكور، مقارنة بالمصابات من الإناث. ويجتهد أصحاب نظرية السعادة، في شرح الاختلاف بين جهازي المناعة عند كل من النساء والرجال.
لكن حظ النساء في زمن الوباء يقف عند هذا الحدّ. كلّ ما عدا هذه الأرقام، كارثة وضيق ومأساة. عشرات الأسئلة والإشكاليات تطرح في ظل فرض العزل المنزلي على مئات الملايين حول العالم. ها هنّ النساء، وها هي أزماتهنّ:
- الموت. قد تكون حظوظ النساء بالوفاة من فيروس كورونا، أدنى من حظوظ الرجال، لكنّ نساءً سيمتن بطرق أخرى أثناء العزل المنزليّ. فمع جلوس مئات الملايين من سكّان العالم في منازلهم (أغلبها منازل صغيرة) تحذّر الجمعيات النسائية، من ارتفاع نسبة العنف المنزليّ ضد النساء. وتستند هذه الجمعيات إلى الأرقام القادمة من الصين والتي أظهرت أن نسبة شكاوى العنف المنزلي في شهر فبراير/شباط الماضي، أثناء إجبار الصينيين على البقاء في المنازلهم ارتفعت 300 في المائة مقارنة بالأشهر المختلفة. وفي إيطاليا، منذ بدء العزل المنزلي قتلت 3 نساء. فبينما يبحث العالم عن لقاحات للحد من انتشار كورونا، وبينما تنشر الصحف أرتفاع وانخفاض أرقام المصابين، وتنشغل الحكومات بتأمين الكمامات، والقفازات الطبية، تتعرض واحدة من بين كل 3 سيدات حول العالم (وفق أرقام الأمم المتحدة) لعنف جسدي أو جنسي. عنف مرشح عموماً للازدياد، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع نسبة شرب الكحول، والدخول في دوامات من الكآبة، عند قسم كبير من الرجال. وهي سلوكيات تترافق تاريخياً مع انتشار الأوبئة أو الكوارث الكبيرة.
- مع وقف الرحلات الجوية حول العالم، تبقى ملايين العاملات المنزليات عالقات في المنازل التي يعملن فيها بظروف أساساً غير إنسانية لناحية انخافض المرتبات، والمعاملة. ومع حظر السفر والعزل المنزلي، تكون العاملات عرضة للتمييز، والعنف الجسدي والجنسي بشكل أكبر، من دون وجود أي إمكانية للهروب من جحيمهن.
- حول العالم، وبشكل خاص في العالم العربي والمجتمعات المحافظة، ستلقى مهام العناية بالأطفال الجالسين في المنازل بعد إقفال المدارس، على عاتق النساء بشكل شبه تامّ. وهو ما قد يجبر كثيرات منهنّ على ترك العمل. خصوصاً أن رواتب النساء أقل من رواتب الرجال، وبالتالي خيار ترك العمل سيكون دائماً من نصيب صاحب الدخل الأدنى في البيت، أي الزوجة. تخسر النساء نتيجة الوباء، والضغوط الاجتماعية والمالية، استقلاليتها المادية والشخصية، بعد معارك استمرت لأكثر من 7 عقود، لدخولهن إلى سوق العمل.
- في فترة انتشار فيروس إيبولا في أفريقيا ارتفعت نسبة وفاة السيدات أثناء عمليات الولادة، وذلك بسبب غياب الرعاية الطبية التي تركّزت بمجملها على محاربة الفيروس. ففي سييراليون وحدها، بين عامي 2013 و2016، تجاوزت أعداد النساء اللواتي توفين بتعقيدات في الولادة وغيرها من الأزمات الصحية النسائية، هؤلاء اللواتي قتلن بسبب الفيروس نفسه. وهو ما تحذّر جمعيات نسوية عدة من تكراره مع انتشار فيروس كورونا، خصوصاً في الدول التي تعاني أنظمتها الصحية من نقص في الإمكانات والمعدات.
- تشكّل النساء 67 في المائة من العاملات في المجال الصحي حول العالم، وفق إحصائيات منظمة الصحة العالمية (2019). وفي ظلّ انتشار الوباء الحالي، وبعيداً عن صفات البطولة والتضحية التي تصدّرها لنا وسائل الإعلام، تعمل هؤلاء النساء لأيام متتالية غير قادرات على أخذ إجازة مرضية، أو ساعات راحة، وهو ما يهدّد صحتهن النفسية، إلى جانب تعريضهنّ للعدوى أكثر من كل الفئات الاجتماعية الأخرى. ورغم كل ما سبق، يتمّ تغييب النساء عن واجهة محاربة الفيروس. لنأخذ على سبيل المثال الاجتماع الأول الذي عقد في البيت الأبيض مطلع الشهر الحالي لبحث أزمة تفشي فيروس كورونا، حيث حضر أكثر من 20 رجلاً مع غياب أي سيدة، رغم أن النساء هنّ النسبة الأكبر من العاملات في المجال الصحي.
قد يبدو الحديث عن كل ما سبق في ظل التفشي السريع للوباء، أمرا هامشيّا. لكنه ليس كذلك، فبعد شهر أو 6 أو سنة، سنخرج من منازلنا، ستبدأ الحكومات خططها للنهوض بالاقتصاد مجدداً، بعد إحصاء الخسائر، وستبني أنصبة تذكارية لهؤلاء الذين سقطوا في الحرب مع الفيروس: مرضى، وأطباء، وممرضين. بينما ستبقى ملايين النساء، هناك، في تلك اللحظة التي دخلن فيها إلى بيوتهنّ في مارس/آذار 2020، وأقفلن الباب على أنفسهن، فقتلن هنا، أو اغتصبن أو ضُربن أو خسرن أشغالاً، وحياة.