السينما المغاربية: كيف تقارب الأفلام ملفّ الإرهاب؟

01 مايو 2017
من الفيلم التونسي "جسد غريب" (فيسبوك)
+ الخط -
اعتادت السينما المغاربية أن تعالج القضايا الإنسانية من زاوية شديدة التفرد والخصوصية، إذ لكل مجتمع من مجتمعات المغرب العربي سياقه الخاص الذي ينعكس على إنتاجه الفني بشكل عام والسينمائي بشكل خاص. ويأتي كتاب الناقد السينمائي المغربي محمد اشويكة بعنوان "السينما المغاربية.. قضايا الفرادة والتعدد" الصادر مؤخراً (2017) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، ليسلط الضوء على مجموعة من التجارب الفنية التي رصدت هموم المواطن المغاربي ومشكلاته، كما رصدت كذلك آماله وأحلامه وعلاقته شديدة التعقيد بتراثٍ يفرض عليه نمطاً خاصّاً على المستويين الفكري والحياتي، ويبني أفقاً مستقبلياً أكثر رحابة وأكثر انفتاحاً على الآخر. 
يأتي موضوع الإرهاب في السينما المغاربية واحداً من أهم الموضوعات التي تعرض لها المؤلف في دراسته، حيث أكد أن وتيرة المعالجات السينمائية لظاهرة الإرهاب تختلف من بلد مغاربي لآخر؛ فباستثناء ما راج من صور تلفزيونية عن أحداث التطرف في موريتانيا؛ لا نكاد نعثر على أي فيلم روائي أو وثائقي يتعرض لهذه الظاهرة، أما في ليبيا فلم توجد بها أية حركة سينمائية دائمة ومنتظمة تتناول أية ظاهرة اجتماعية من الأساس، وهكذا تبقى تجارب تونس والجزائر والمغرب هي التي يعول عليها أشويكه في رصده وتحليله.

يرى المؤلف أنّ فيلم المخرج نوري بوزيد الذي سمّاه "آخر فيلم" عملاً مرجعياً في سينما الإرهاب في تونس، حصل الفيلم على جائزة "التانيت الذهبي" من مهرجان قرطاج 2006.

أما في المغرب فلم تهتم الأفلام الروائية القصيرة والطويلة بظاهرة الإرهاب بشكل كلي، لكنها قدمت بعض الجزئيات المرتبطة بها بطريقة ضمنية حين سلطت الضوء على شخصيات تستعمل الدّين بشكلٍ انتهازي أو متشدد أو متطرف، وهو ما تمثله أفلام: "بيضاوة" 1998 [أي سكان مدينة الدار البيضاء بالعامية المغربية] للمخرج عبد القادر لقطع، و"الدار البيضاء داي لايت" 2006 لمصطفى الدرقاوي، و"لا هنا لا لهية" 2005 [بمعنى "لا هُنا ولا هناك" بالعامية المغربية] لمحمد إسماعيل، و"حين اهتزت الصورة" 2005 ليوسف عفيفي، و"ألو مُمّو.. أضعنا الطائرة" 2006 لمحمد حمزة وإدريس كابل، و"صناعة الموت" 2007 لمنصف نزيه، و"يا خيل الله" 2008 لنبيل عيوش.

أما السينما الجزائرية فقد كان لها نصيب الأسد في الاهتمام بظاهرة العنف والتطرف والإرهاب، وكان من أبرز الأعمال التي تعرض لها اشويكة في كتابه فيلم "توشيه: تراتيل نساء الجزائر" 1992 للمخرج رشيد بلحاج، و"باب الواد سيتي" 1994 و"العالم الآخر" 1999 وكلاهما لمرزاق علواش، و"ماشاهو" 1995 و"المنارة" 2004 وكلاهما لبلقاسم حجاج، و"رشيدة" 2002 للمخرجة يامينة بشير شويخ، و"المشتبه فيهم" 2004 لكمال دحان، و"دوار النسا" 2005 لمحمد شويخ، و"بركات" 2006 لجميلة الصحراوي، و"موريتوري" 2007 [المعنى يشير للفظة لاتينية تعني: الذين يريدون الموت] لعكاشة تويتة، و"مال وطني" 2007 لفاطمة بلحاج، و"عشرة ملايين سنتيم" 2007 لبشير درايس.

ويعلق الكاتب على تلك الأفلام جميعاً بأن أفلام الإرهاب بنيت على الخلفية الإيديولوجية والسياسية للجماعات الإسلامية الجزائرية عقب توالي الحركات الاحتجاجية التي سرعان ما تحوّلت إلى حركات مسلحة بعد المشاكل التي حصلت في أعقاب الانتخابات البلدية سنة 1990، والتي أعلنت فوز جبهة الإنقاذ، ثم فوز الجبهة كذلك في المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية 1991، وهو ما أدى لاضطراب المشهد السياسي وانقلابه رأساً على عقب.

ويرى محمد اشويكة أنه مهما كان حجم الاختلاف في تأويل هذه الأفلام من لدن الأطراف المعنية بالصراع السياسي، فإن قيمة الصورة وأهميتها تظهر من خلال تأريخها لما يسمى بـ "العشرية السوداء"، وما ساد حينها من عنف سياسي ومادي تأثر بشكل أو بآخر بما يقع في الداخل وما يجري على المستوى الكوني، فالسينما كباقي الفنون الأخرى مؤسسة اجتماعية لا تستطيع الابتعاد عن مشاكل المجتمع من حيث موضوعاتها والتزام مخرجيها بفضح التزييف والغموض والتناقضات الاجتماعية التي تقع في وسطهم، باعتبارهم يتأثرون بما يقع حولهم من أحداث.

وتشترك أفلام هذ الصنف من المعالجات السينمائية في تقديم صورة موحدة عن ممارسي العنف، من خلال التعبير عن سعي الجماعات المسلحة نحو شرعنة أعمالهم عقائدياً. كما اشتغلت الأفلام على عناصر فنية متنوعة كالملابس والحلاقة والمكياج والإكسسوارات لرسم صورة نمطية للإرهابي.

أما عن موقع المرأة في تلك الأفلام؛ فقد برزت المرأة بوصفها من صناع العمل الفني (كاتبة سيناريو، منتجة، مخرجة، ممثلة...) كما ظهرت بوصفها ضحية لكونها أكثر عناصر المجتمع تعرضاً للعنف، أو متأثرة به كأم أو مغتصبة أو مهددة أو مكرهة، مما يعني أن الرجل بصفة عامة كان هو وقود العنف في هذه الأفلام.

ويختم اشويكه هذا الموضوع بأن المتتبع لا يملك إلا أن يعترف بأن سينما الإرهاب قد فتحت أفقاً فنياً أسهم في إبراز إخفاقات المجتمعات المغاربية وبعض عثراتها في مستوى تحقيق الديمقراطية والحداثة، على أننا لا ندري ما إذا كانت هذه السينما مجرد لحظة عابرة في تاريخ السينما المغاربية؟ أم أنها ستواصل البحث وتعميق الرؤى في هذا الموضوع وما يتصل به من إشكالات لا تفتح أفق التفكير في مستقبل هذه المجتمعات وعلاقتها بالذات والآخر؟




المساهمون