"حرب النجوم"... فوضى عارمة

12 يناير 2020
مخرج The Rise of Skywalker" ج. ج. أبرامز(Getty)
+ الخط -
ربما لم تشهد ثلاثية في تاريخ السينما هذا القدر من الفوضى وتضارب الرؤى وعدم وجود خطة واضحة، كما حدث مع الأجزاء الثلاثة الحديثة من "حرب النجوم" Star Wars. فبعد شراء شركة "ديزني" حقوق عالم السلسلة وشخصياتها بـ4 مليارات دولار أميركي، أخرج ج. ج. أبرامز الجزء السابع (الأول من ثلاثية "ديزني") بعنوان The Force Awakens عام 2015، وكان الخيار واضحاً: أقلّ قدر من المخاطرة في شكل العمل وحبكته، والاكتفاء بإعادة إحياء صراع الثوّار والإمبراطورية، بخلط الشخصيات القديمة الكلاسيكية، هان سولو والأميرة ليا ولوك سكايواكر، الذي ظهر في المشهد الأخير، بالأبطال الجدد، رين وفين وبو، والخصم الجديد كايلو رين، الموازي للشخصية الخالدة دارث فيدار. نجح الفيلم بشكل استثنائي، محقِّقاً أعلى إيرادات محلية في تاريخ شباك التذاكر الأميركي (936 مليون دولار أميركي)، بفضل الشعبية التي لا تضاهى التي نالتها سلسلة Star Wars أجيالاً متعاقبة.

بعد ذلك، أي عام 2017، اختارت شركة "ديزني" راين جونسون لكتابة الجزء الثامن وإخراجه (الثاني في الثلاثية الحديثة)، بعنوان The Last Jedi، تاركة له حرية مُطلقة في تقديم رؤيته لـ"حرب النجوم"، تمهيداً لإخراج الجزء الثالث أيضاً. ما فعله جونسون عكس ما فعله أبرامز تماماً: ألقى بالإرث كلّه للأجزاء القديمة وراءه، ولم يكترث مطلقاً بالـ"نوستالجيا"، محاولاً تحرير الملحمة من قيودها، وتقديم شيء جديد في هذا العالم، إنْ في شخصية لوك سكايواكر، أو في معنى "القوّة"، أو في تاريخ راي، الشخصية الرئيسية، أو في التعامل مع كايلو رين، الخصم الشرير الذي حرّره من عباءة دارث فيدار، وغيرها من تفاصيل عالم "حرب النجوم".
كان الفيلم ثورياً للغاية، بغضّ النظر عن تقييمه الفني. لكن ما حدث أنّ "الجيداي الأخير" قوبل بهجاء من محبّي السلسلة، وصل إلى شنّ هجمات إلكترونية عنصرية على أبطاله (الممثلة الآسيوية كيلي تران، مؤدّية دور روز)، فحقّق إيرادات كانت أقلّ بـ300 مليون دولار أميركي من "استيقاظ القوّة".
فما الذي فعلته شركة "ديزني" إزاء هذا الاستقبال؟ يفترض بشركة بهذا الحجم أن تكون لديها خطة واضحة للأجزاء الثلاثة، تسير عليها وتحترم ما تأسّس في الجزأين الأولين، مهما كان الاستقبال، خصوصاً أنّ هدف استقدام راين جونسون تحرير "حرب النجوم" من القواعد القديمة من أجل المستقبل. لكن "ديزني" غيّرت جونسون، وعادت إلى أبرامز مجدّداً، بهدف واضح: إرضاء محبّي السلسلة بتقديم ما يحبّونه، وجعلهم يقبلون عليها بالكثرة نفسها. بهذا الشكل، أنجز الجزء الثالث (التاسع في السلسلة)، بعنوان The Rise Of Skywaker، المعروض حالياً، فأكمل الفوضى، وحمل أموراً كثيرة متعارضة مع مسار الجزء السابق. في "صعود سكايواكر"، يستعين أبرامز بشخصيات الثلاثية الكلاسيكية لجورج لوكاس ورموزها، كأنّ عصر الإرث القديم الضمانة الوحيدة للنجاح، بغضّ النظر عن الرؤية ومستقبل السلسلة. لكنّ المشكلة الأكبر كامنةٌ في قرارين فادحين اتّخذهما في هذا السياق، لا يتعارضان مع "الجيداي الأخير" فقط، بل مع الملحمة ومنطقها: أولهما عودة الإمبراطور باباتين كخصم رئيسي يريد أنْ يحكم الإمبراطورية، وأن يكون سنوك (الحاكِم الذي قُتِل في الجزء السابق) مجرّد أداة. أزمة هذا القرار ليس فقط في الفشل الذريع في خلق حكاية، أو حتى في خلق عدوّ بعيداً عن الأصل، بل أيضاً في أنّه يجعل السداسية الأولى (التي تدور كلّها حول صعود الإمبراطور، والثورة ضده، ثم قتله) من دون معنى، طالما أنّه عاد ولم يُقتل. ثانيهما أنْ تكون راي حفيدة باباتين، وهذا لا يتعارض فقط مع الجزء السابق، حيث إنّ الأبوين هما "لا أحد"، بل مع رسالته أيضاً (التي يُفترض بـ"ديزني" أنْ تؤيّدها): أيّ شخص يمكن أن يكون بطلاً، ويعود إلى فكرة أنّ القوة شيء متوارث لحفنة منتقاة من البشر.
هذا الجزء مجرّد استجابة لـ"رغبات محبّي السلسلة"، من دون أيّ منظور أو رؤية. فالمطلوب إرضاؤهم بأيّ شكل، حتّى بتعامل الشركة مع خطابهم العنصري بتقليص دور روز، لتصبح كومبارس ناطق بعد أن كانت من أبطال الجزء السابق. ورغم هذا التراجع ومحاولة الإرضاء، فشل الجزء نقدياً وجماهيرياً، لأنّه حتى كفيلم منفرد، بافتراض متطرّف يقضي بفصله عن السلسلة الكاملة والثلاثية الحديثة، ضعيفٌ لا يحمل حبكة قوية، بل مجرّد فصول من: "نريد شيئاً ما، وسنذهب إلى كوكب ما، من أجل أن نجده". في تلك الرحلة، هناك مَشاهد حركة وأسلحة لايزر، ولا شيء غير ذلك.

حتى شخصية كايلو رين، النابضة والقوية جداً بفضل أداء آدم درايفر، لم تنل القدر الكافي من الاهتمام، وكان تحوّلها الأهمّ مبتوراً وغير مفهوم.
بالمجمل، هذا ختام سيئ جداً للثلاثية، يجعل "ديزني" مطالبة بمساءلة طويلة عما تريده، قبل العودة مجدّداً إلى عالم "حرب النجوم".
المساهمون