"الزعيم".. حكاية شاميّة مسفوكة على مذبح "باب الحارة"

18 ابريل 2015
مسلسل "باب الحارة" (العربي الجديد)
+ الخط -

على مدار عقد من الزمان، بدا مسلسل "باب الحارة" عقدة صنّاع ما يُعرف بـ"دراما البيئة الشامية"، لكن المفارقة التي كشفها مسلسل "الزعيم"، الذي بدأت بعرضه قناة "أم بي سي دراما" أخيراً، أنّ "باب الحارة" بات عقدة صنّاعه أيضاً.

عرض مسلسل الزعيم في الموسم الرمضاني الدرامي 2011، وهو الموسم الذي عقب عرض الجزء الخامس من مسلسل باب الحارة (2010)، وقد أُنتج العملان من قبل شركة "ميسلون" للإنتاج الفني، وأخرجهما مؤمن الملا بإشراف المخرج بسام الملا، وتقاسما عدداً من النجوم السوريين في أدوار البطولة.

نظرياً، كان من شأن التركيبة ذاتها التي صنعت نجاح "باب الحارة" أن تكون ضمانة لنجاح مسلسل "الزعيم"، لا سيما أن هذا الأخير بدا وقتها تجربة فنية جديدة للأخوين الملا، بعد أن أقفلا باب مسلسلهما الشهير على جزئه الخامس، ولم يكن معلناً وقتها نية إنتاج أجزاء جديدة منه، الأمر الذي منح "الزعيم" فرصة دخول المنافسة الرمضانية بقوة دفع نجاح الأجزاء الخمسة لـ"باب الحارة"، إلا أن ذلك لم يحصل، بل وانضم المسلسل الجديد إلى قائمة ضحايا مسلسل "باب الحارة"، إن صح التعبير، فكان ممّن غيّبتهم حارة الضبع، سواء في ذاكرة من أحب أهلها وتابعهم، أو من انتقد منطقهم وقاطع أي دراما شبيهة بهم.

غاب مسلسل "الزعيم" رغم أنّه جاء ليصل ما قطعه مسلسل "باب الحارة" مع الشكل المؤسس لما يُعرف بـ"مسلسلات البيئة الشامية"، بوصفها دراما متخيّلة مثقلة بالقيم والوعظ. تنسج تفاصيلها على طريقة حكايات الجدات، ويقوم بناؤها الدرامي على صراع درامي بين الخير والشر تمضي حبكته نحو حالة من "التطهير الأرسطي".

هذا الشكل المؤسس كان أرساه مسلسل "أيام شامية"، الذي أخرجه بسام الملا عن نص لأكرم شريم، واكتملت ملامحه في مسلسلي الملا "الخوالي"، لأحمد حامد، و"ليالي الصالحية"، لأحمد حامد وسلمى اللحام.

اقرأ أيضا: بيئة شاميّة حجبت سورية وزيّفت دمشق

وكان من المقدر أن يأتي مسلسل "باب الحارة" كتعبير عن حالة نضج لتلك التجربة، إلا أن العمل سرعان ما غرق عبر أجزائه المتتالية في لعبة السوق واشتراطاتها، لتنحرف بوصلة التجربة بأكملها، برفع وتيرة معارك الخناجر وصراعات النساء على حساب الحكاية، التي أُدخلت هي الأخرى في لعبة الإسقاط الواقعي ومحاكاة التاريخ، دون استناد إلى مرجعية زمانية ومكانية واضحة. وجاء نجاح العمل جماهيرياً ليزيد الطين بلّة، فقد غلّف النجاح حالة التقهقر تلك، بل وأغرى جيلاً من المنتجين لاستنساخها بعيوبها.



الجدار الذي أقامته الحالة التسويقية لـ"باب الحارة" بينه وبين شكله المؤسس، بدا عصيّاً على تجاوزه حتى من قبل صنّاعه، فلم يسجل لهم حضوراً جماهيرياً واسعاً بعد مسلسل "باب الحارة".

ولعلهم أدركوا أنّ القطيعة مع الشكل المؤسس لتجربتهم تحتاج تجربة جديدة، فكان مسلسل "الزعيم"، لكاتبه الفنان الراحل وفيق الزعيم، تعبيراً عن حالة وعي بضرورة الخروج من جلباب باب الحارة والعودة إلى منطق حكاية الجدات الشامية، وقد ظهرت حالة الوعي تلك في مسلسل "الزعيم" على عدة مستويات، أهمها النص.

اقرأ أيضا: "باب الحارة" وقع في فخّ الرسائل السياسية المباشرة


يكتسب نص "الزعيم" أهميته في مرحلة ما بعد "باب الحارة"، من كونه بُني عن إدراك كامل لتجربة "دراما الحكاية الشامية"، دون ميل لفلسفتها أو تحميلها أكثر مما تحتمله من مقولات فكرية وشعارات، وقد بدأ من حيث انتهت تجربة "أيام شامية"، فقدم حكاية مسلية لا تخلو من القيم والوعظ الأخلاقي، دون أن يغفل أن يكون العمل في الوقت ذاته متحفاً بصرياً لتراث الشام وأهلها يفتح بدوره الباب للمشاهد على الدهشة ومتعة الاكتشاف.

حضور هذا المتحف بتفاصيله المتنوعة في المسلسل، هو قصديٌ بالضرورة، ولكنّه لن يكون قصد الحكاية الدرامية، وإنّما هو الحاضن لها والمتداخل فيها، وغالباً ما يكون جانباً تزيينياً فيها. وهذا الدور الأخير، لا يعيبه ما دامت واحدة من وظائف هذه الدراما أخذ دور الحافظ والراوي للذاكرة الشفوية.

تدور أحداث "الزعيم" بدءاً من أفراح السوريين باستقلال بلادهم من الاحتلال العثماني، عقب دخول الجيش العربي (1918)، بقيادة الملك فيصل وتأسيس حكومة عربية في دمشق، وفي هذه الأجواء ستثار مسألة اختيار زعيم واحد للحارات الكبيرة، ليبدأ معها الصراع الخفي بين زعماء تلك الحارات على من يتولّى تلك المسؤولية، رغم قناعة الجميع بأحقية زعيم حارة القنوات "أبو داغر" بها.. وذلك الصراع سرعان ما يتحوّل إلى مؤامرات ومكائد تزرع الفرقة وسط الحارات وتقلق حالة الوئام التي تجمع سكانها.

الحكاية على هذا النحو لن تختلف كثيراً عمّا بات وصفة جاهزة لحكايات ما يعرف بـ"دراما البيئة الشامية"، لكن الجديد ـ القديم فيها، هو احتفائها بكثير ممّا تشمله المأثورات الشّعبية الشامية من معتقدات وعادات وتقاليد وحرف، فضلاً عن مصطلحات لغوية محلية وأمثال وحكايات شعبية ورقصات وأغانٍ وتفاصيل حياتية أخرى، مثل الطبخ وسواها.



على صعيد الإخراج، أبدى الأخوان الملا نزوعاً لتقديم أسلوب إخراجي جديد، ولا سيما على صعيد حركة الكاميرا التي يتميّزان بها، فيما سعى الممثلون، ممّن سبق واشتركوا في "باب الحارة"، لإحداث انقلاب جذري أو جزئي على صورتهم التي كرّسها المسلسل الشهير، وقدّموا إلى جانب نخبة كبيرة من نجوم الدراما السورية، دراما تحاكي جذورها في "أيام شامية".

وكان من شأن العمل أن يلقى احتفاءً جماهيرياً يتجاوز الاحتفاء بـ"باب الحارة" أو يوازيه، إلاّ أنّ العمل مرّ دون ضجيج المشاهدة الموعود، فهو لم يكن باب حارة جديد، كما أراده جمهور ذلك المسلسل، حُكم عليه بالقطعية من قبل منتقدي "باب الحارة" بوصف حاراته لن تكون إلاّ نسخة عن حارة الضبع.

العمل تعرضه الآن "أم بي سي دراما"، وهو من بطولة نخبة من نجوم الدراما السورية، منهم: منى واصف، خالد تاجا، أمل عرفة، باسل خياط، قيس الشيخ نجيب، سليم صبري، صبا مبارك، عبد المنعم عمايري، وفاء موصلي، زهير رمضان، وفيق الزعيم، ثناء دبسي، محمد خير الجراح، صفاء سلطان، هدى شعراوي، تاج حيدر، إمارات رزق، حسن دكاك وآخرون.


اقرأ أيضا:
أبطال "باب الحارة" ضدّ التكفيريين واقتتال السوريين
لعنة باب الحارة في رمضان: سابع الراحلين.. أدهم الملّا
الدراما السورية..إذا جاءك الطوفان ضع ابنك تحت قدميك!
المساهمون