عالم عرض الأزياء: عبودية حديثة خلف الكواليس

01 مايو 2019
أشهر عارضتي أزياء كيندل جينير وجيجي حديد (جيمس ديفاني/Getty)
+ الخط -
قبل أيام، أغمي على الشاب تيلز سواريس أثناء عرضه للأزياء في أسبوع ساو باولو للموضة، ليتبيّن أنه توفي بعدها بدقائق قليلة على الممشى الخاص بالعروض. بسرعة رجّحت التخمينات أن سواريس (26 عاماً) مات بسبب الإرهاق من العمل، هو سبب شائع في عالم عرض الأزياء، ليتضح لاحقاً أنه أساساً كان مريضاً ويعاني من ضعف جسدي. 

وهذه الحادثة أعادت إلى الواجهة الحديث عن ظروف عمل عارضات وعارضي الأزياء حول العالم، والتي نادراً ما تكون مريحة أو وردية.

عند النظر إلى مهنة عرض الأزياء غالباً ما تتبادر إلى الأذهان صور النجمات العالميات مثل كيندل جينير وجيجي وبيلا حديد، وغيرهنّ. وما يرسّخ هذه الصورة هي التغطية الإعلامية المكثفة لحياة هؤلاء، والتركيز على الثروات الطائلة التي يحققنها: 22.5 مليون دولار، هو المبلغ الذي كسبته كيندل جينير (الأخت غير الشقيقة لكيم كارداشيان) من عملها في الفترة الممتدة بين يونيو/حزيران 2017 ويونيو/حزيران 2018، لتصنّف وفق مجلة "فوربس" عارضة الأزياء الأعلى أجراً في العالم، في العام 2018.
Instagram Post

أما جيجي حديد فحققت 9.5 ملايين دولار في العام نفسه، علماً أنها وصديقتها كيندل جينير، لم يتجاوز عمراهما 22 سنةً.

هذه الأرباح الخيالية يرافقها أسلوب حياة مختلف، ورفاهية كبيرة، وشائعات وشهرة وأزياء وعلاقات حب وغيرها من مكوّنات حياة النجوم الذين تغرق صورهم واقع التواصل ووسائل الإعلام. سيرة فتيات صغيرات وثريات وشهيرات، تجعل من عالم عرض الأزياء، مُبهراً تغلّفه الأضواء والشهرة والثراء. لكن خلف كل هذه المظاهر البراقة، ما الذي يحصل في الحقيقة في هذا العالم؟

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2006، تصدرت صورة عارضة الأزياء البرازيلية آنا كارولينا ريستون ماركان أغلفة مجلات وصحف البرازيل، وكانت في الـ21 من عمرها. ولكي نكون أكثر دقة، فإنّ صورة جثتها هي التي تصدرت الأغلفة: ماتت آنا كارولينا من اضطراب فقدان الشهية (الأنوريكسيا) والذي يؤدي إلى توقّف الأكل، بسبب الرغبة بفقدان الوزن، ما يسبب الوفاة في حال لم يتلقّ المريض المساعدة اللازمة.

عانت الشابة البرازيلية من ضغوط عالم الأزياء، والملاحظات التي كانت تسمعها مراراً عن ضرورة تخفيض وزنها، رغم أنها أساساً كانت نحيفة بشكل مخيف وفق ما تشرح والدتها لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية.



(فيرناندا كالفات/Getty)

في العام نفسه، لكن في شهر أغسطس/آب، ماتت عارضة الأزياء لوزيل راموس (22 سنة) أثناء عرض في الأوروغواي، نتيجة ذبحة قلبية، سببها أيضاً بحسب تشخيص الأطباء، الأنوريكسيا.

هاتان الحادثتان ليستا يتيمتين، بل إن آخر 20 سنة تزخر بقصص مرعبة عن وفاة عارضات أزياء أثناء عملهن ليس فقط بسبب فقدان الشهية وسوء التغذية. في عام 2017، ماتت المراهقة الروسية فلادا دزيوبا (15 سنة) بعد مشاركتها في عرض للمجوهرات طيلة 13 ساعة، ما أدى إلى إرهاق كبير تسبب بتوقف قلبها عن العمل، لتكشف عائلتها لاحقاً أن دزيوبا كانت تجني 8 دولارات يومياً من عملها في عالم الموضة في الصين "كانت مستعبدة، إنها العبودية البيضاء الحديثة" قالت والدتها لوسائل إعلام محلية بعد وفاتها.

هذه بعض النهايات التي لاقتها عارضات أزياء نتيجة الضغوط النفسية والجسدية التي واجهنها من قبل منظومة كاملة مؤلفة من وكالات عرض أزياء ومن مصورين ومصممين وصحافيين. عارضات أخريات كنّ أكثر حظاً، فعرفن كيف يخرجن من هذه الدوامة القاتلة، فتركنَ عرض الأزياء، وتكلّمن عما واجهنه.


أغمي على تيلز سواريس خلال العرض (ألكسندر شنايدر/Getty)


تعتبر بريا ميرفي، ابنة الممثل الكوميدي الشهير إيدي ميرفي، واحدة من أبرز عارضات الأزياء، من صاحبات البشرة السوداء، في الولايات المتحدة. في عام 2013، وأثناء مقابلة مع قناة "إيه بي سي نيوز"، كشفت عن الضغوط التي تتعرض لها زميلاتها خصوصاً لناحية الحفاظ على نحافتهن، كاشفة عن نوع قاتل من الحميات الغذائية التي تتبعها العارضات وهي حمية القطن: تقوم العارضة بوضع القطن في العصير الذي تشربه (أغلبهن يقضين أياماً على العصائر فقط)، وتشربه ليعطيها إحساساً بالشبع. كما كشفت محررة مجلة "فوغ" بنسختها الأسترالية كريتسي كليمنتس أنها قابلت خلال عملها عاملات يأكلن الأقمشة الخفيفة لإشباع جوعهن.

هذه التجارب ليست نادرة إطلاقاً، بل إن بعض التفاصيل الأخرى تبدو أكثر مأساوية: تروي العارضة الفنزويلية أنجيليكا بيريز عن الحلم الذي راودها منذ كانت في سن الـ15، بدخول عالم عرض الأزياء، مثلها مثل آلاف الفتيات في بلدها. وبالفعل، نجحت الشابة الجميلة بالحصول على عرض عمل مع إحدى الوكالات في باريس، وكانت لا تزال مراهقة.

لكن في باريس اكتشفت أن الحلم في الحقيقة كابوس يستحيل أن ينتهي. وفق ما تشرح لموقع "وومن إن ذا وورلد" تقول إنها في العاصمة الفرنسية اكتشفت أنها ستعيش في غرفة واحدة تتقاسمها مع فتاتين أخريين، وأنهن سينمن على الأرض. كما أنها منذ وصولها إلى باريس، بدأت تتراكم عليها الديون للوكالة: بدل سفر، سعر التذكرة، حصة من العقود التي توقعها، بدل أكل وشرب، وهو ما جعلها تعيش على الديون طيلة مسيرتها من دون أن تحقق أي دولار من الأرباح. كما أن الوكالة التي وقعت معها عرضاً أبلغتها بضرورة فقدانها للوزن، رغم نحافتها الزائدة.
Instagram Post

قالت "كنت أعيش على القهوة والسجائر، وأكل علبة تونة فقط يومياً... اليوم الوحيد الذي كنت آكل فيه بشكل جيد، كان يوم الجمعة عندما نُدعى إلى العشاء على طاولة أحد رجال الأعمال، الذي يرغب برفقة جميلات وعارضات أزياء". وأضافت أن كل العارضات يُدعين إلى حفلات خاصة يقيمها رجال أعمال أو شخصيات شهيرة ومرموقة، وفي هذه الحفلات تقدم المخدرات والكحول حتى لمن هنّ تحت سنّ الـ18. ويتمّ خلالها التحرش بالعارضات "بشكل يعتبر بديهياً أو حقاً مكتسباً" وفقاً لها.

والتحرّش الجنسي هو أحد أسوأ وجوه عالم عرض الأزياء، فلا تسلم منه لا المبتدئات ولا النجمات الشهيرات. بداية عام 2018 ومن ضمن حملة "أنا أيضاً" #MeToo المناهضة للتحرش الجنسي، كشفت السوبرموديل كيت أبتون، وهي واحدة من أشهر العارضات في العالم، أنها خلال مسيرتها تعرضت بشكل متكرر للتحرش الجنسي من قبل بول مارسيانو، المدير الفني في دار "غيس" للأزياء. اعترافها هذا، لحقته سلسلة اعترافات من عارضات شهيرات أو أقل شهرة، عن المآسي التي عشنها في هذا العالم، من قبل مصممين، ولكن أيضاً وبشكل أساسيّ من قبل المصوّرين.
المساهمون