"النكبة" محظورة

28 نوفمبر 2014
مشهد من فيلم فيلا توما
+ الخط -
لم يأت إعلان وزيرة الثقافة في حكومة الاحتلال الإسرائيلية، ليمور ليفنات، بمنع التمويل عن دار "سينامتيك" في تل أبيب بسبب استضافتها المهرجان الثاني لأفلام النكبة، مفاجئا، إذ تعتبر ليفنات من أشد المعادين لكل ما هو فلسطيني ولكل ثقافة أو فن فلسطيني، حتى ولو كان تسجيليا ووثائقيا.

 وقد سبق لها أن طالبت المخرجة الفلسطينية سهى عراف، بإعادة مبالغ حصلت عليها من صندوق السينما الإسرائيلي، بمجرد أن صنفت فيلمها "فيلا توما: بأنه فيلم فلسطيني".

وتندرج الضجة الجديدة التي أثارتها الوزيرة الإسرائيلية، عبر ميلها إلى تشويه الحقائق وتضليل الجمهور الإسرائيلي العام، في سياق التنافس المحموم بين ساسة إسرائيل على أصوات اليمين. إذ طالبت ليفنات بحرمان دار سينامتيك من مخصصات الدعم السنوية بقيمة 1.8 مليون شيكل؛ بحجة تنظيمها مهرجانا لأفلام النكبة، مع العلم أن منظمة المهرجان هي جمعية "ذاكرات" (زيخروت)، وهي جمعية تطوعية ينشط فيها فلسطينيون وإسرائيليون يساريون، تعمل على توثيق النكبة بشتى الطرق الثقافية والفنية.

واستندت ليفنات إلى قانون "النكبة" الذي أقر قبل عامين، ويمنع المؤسسات الرسمية والعامة من تمويل أي نشاط ثقافي أو سياسي أو اجتماعي تحت شعار النكبة، أو في إطار إحياء ذكرى إقامة إسرائيل وتصوير ذلك اليوم على أنه يوم حداد.

وتعكس هذه الضجة وهذه المطالبة من ليفنات، استمرار سياسة مثابرة تسعى إلى محو كل أثر للفلسطينيين في الداخل ولتاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته، ومحاربة كل أشكال ومظاهر الثقافة في الداخل الفلسطيني، سواء كانت في مجال الأدب أو الرسم أو الموسيقى أو السينما.

في المقابل تشجع الوزارة الإسرائيلية برامج ومشاريع ثقافية لا يخرج فيها الفلسطيني عن السياق الإسرائيلي، مثل مشروع قراءات أدبية وثقافية نظم خلال الشهر الماضي في "المكتبة الوطنية الإسرائيلية" في القدس المحتلة للقاء بين "مبدعين فلسطينيين من إسرائيل وبين مبدعين يهود، مع استعارة وسرقة عنوان الرسائل التي تم تبادلها بين الراحلين: سميح القاسم ومحمود درويش، وجمعت في كتاب "رسائل بين شطري برتقالة"، للإيحاء بوجود ثقافة إسرائيلية واحدة مركبة من شطرين: عربي ويهودي.

وعودة إلى جمعية "ذاكرات" منظمة المهرجان الذي سيطلق أعماله غدا الجمعة، فقد سبق للجمعية أن أطلقت في ذكرى النكبة خلال العام الماضي تطبيقا على الهواتف النقالة، يشير لك أينما كنت في فلسطين إلى الاسم الأصلي للموقع الذي تتواجد فيه، وما هي القرى والبلدات التي هدمها الاحتلال الإسرائيلي وأقام على أنقاضها مدناً وبلدات إسرائيلية يهودية.

وهذا العام، قررت "ذاكرات" تنظيم مهرجان السينما الثاني للنكبة، واستأجرت قاعة دار "سينامتيك" لهذه الغاية. وتقول رنين جريس مديرة مهرجان الأفلام الثاني للنكبة والعودة لـ"العربي الجديد" :"الضجة حول مهرجان النكبة من ليمور لفنات حدثت أيضا في السنة الماضية، ولكن ارتفع منسوب العنصرية، برسالة المستشارة القانونية لوزارة الثقافة بتهديد دار "سينامتيك" تل أبيب. والواقع أن ردود الفعل غير غريبة علينا في دولة، القاعدة فيها محو الآخر، خاصة عند إسماع صوت الرواية الفلسطينية المطموسة داخل التيار المركزي في إسرائيل".

وتشير رنين جريس إلى أن الجمعية اختارت هذا العام أن تعقد المهرجان في تاريخ قرار التقسيم 29 نوفمبر/تشرين الثاني، للدلالة على موقف الجمعية الثابت المؤيد لحق العودة إلى أراضي الـ48 واعتراف الإسرائيليين بالغبن التاريخي وتحمل المسؤولية.

وقال الكاتب راجي بطحيش المشارك في المهرجان لـ"العربي الجديد": "تعكس هذه الإجراءات والتصرفات، وبشكل عام الخطاب السائد في إسرائيل، حالة الإفلاس الأخلاقي والطريق المسدود الذي يمضي فيه المشروع الصهيوني، خاصة الثقافي منه. فبعد 66 عاما من ارتكاب الجريمة وعشرات السنين من محاولة طمس معالمها ودفن أدواتها، فإن المؤسسة الإسرائيلية تعترف بأنها فشلت فشلا مدويا في فرض سرديتها، كما فشلت في تشويه وقلب أدوار المعتدي والمعتدَى عليه.

وأضاف بطحيش: "نلحظ في السنوات الأخيرة أن حكايات النكبة تخرج من باطن الأرض، وتكتسح وسائل الإبداع الفني والثقافي من حيث لا تعلم دولة الاحتلال ورموزها. إذاً هو الخوف، الخوف من روايتنا/وجودنا، وهو القلق الوجودي للصهيوني وعدم ثقته من حقيقة سيطرته الفعلية على الأرض".
المساهمون