حسين مؤنس.. عن الأندلس وإليها

09 أكتوبر 2018
(حسين مؤنس)
+ الخط -

ربما يكون المهتمّون بتاريخ الأندلس، كمؤرخين ودارسين، قد تضاعفوا في العقود الأخيرة، بدفع أساسي من الجامعات التي تفتح اختصاصات حوله، سواء في العالم العربي أو في الغرب، خصوصاً في إسبانيا. غير أن هذا التعدّد لم يغيّر في كون القارئ العربي لا يزال إلى أيامنا يعتمد على أعمال جيلٍ مخصوص من مؤرّخي الأندلس نشطوا أساساً بين أربعينيات وثمانينيات القرن العشرين.

من بين أبرز هؤلاء كان المؤرّخ المصري حسين مؤنس (1911 - 1996) الذي يصادف اليوم ذكرى ميلاده، ويمكن أن نضمّ معه ضمن نفس فئة المؤرخين؛ مواطنه محمد عبد الله عنان (1896 - 1986)، والتونسي سليمان مصطفى زبيس (1913 - 2003)..

وإذا كانت الإصدارات القريبة حول الأندلس قد استفادت من نتائج جديدة بفضل اكتشاف المخطوطات والجهد الأركيولوجي، وخصوصاً تداخل الكتابة التاريخية بمجالات معرفية أخرى مثل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، فإن مؤنس ومؤرّخي جيله عوّلوا على أمرين بالأساس: التناول الموسوعي للأندلس، أي عدم الاكتفاء بالتاريخ السياسي حيث يخلطونه دائماً بتاريخ الأدب والفن والمعمار والعلوم، ومن جهة أخرى اعتمدوا على أساليب كتابة فيها الكثير من الطلاوة حتى أن بعض هذه المؤلفات يمكن تصنيفها أدباً دون أي تحرّج.

كان كتاب "فجر الأندلس" محطّة أساسية في مشوار مؤنس، ويمكن القول بأنه نقطة مركزية في مشروعه بشكل عام، فقد كان كتاباً حاملاً لكثير من الحَفر في مرحلة غامضة من تاريخ الأندلس محكومة بالنزعة الأسطورية. أهم ما يبرزه المؤرخ المصري هو أن الصراعات القبلية في الجزيرة العربية قد انتقلت مع "الفتح" إلى الجزيرة الإيبيرية وقد أثّر ذلك في التاريخ اللاحق للأندلس.

كما قدّم مؤنس عملاً مرجعياً آخر بعنوان "تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس"، وهو بذلك ينتقل من التاريخ العام إلى تاريخ مجال معرفي خاص ليبحث في كيفية تطوّره ضمن السياق الأندلسي. فيما يظلّ كتابه "رحلة الأندلس.. حديث الفردوس الموعود" كتاباً خارجاً عن التصنيف حيث يمزج الحدث التاريخي بالتأمّل، وخصوصاً محاولة درس التاريخ من خلال المخيلة الجماعية.

في فترة من مساره العلمي، توسّعت المساحة التي يشتغل عليها مؤنس حيث وضع أعمالاً مثل "تاريخ المغرب وحضارته من الفتح العربي إلى بداية الاحتلال الفرنسي"، و"أطلس تاريخ الإسلام"، و"تاريخ موجز للفكر العربي".

قد يذكر القراء العرب أيضاً لمؤنس عملاً خاصاً، يمكن اعتباره نتاجاً نظرياً لما قدّمه، حيث حمل عنوان "الحضارة: دراسة في أصول وعوامل تطورها وقيامها" (1978)، وقد كان أوّل كتاب يصدر ضمن سلسلة "عالم المعرفة"، فلقي بذلك انتشاراً موسّعاً، لم تعرفه ربما أعماله الأخرى، ولكنه كتاب "الحضارة"، بعمقه وبساطته وموسوعيته، لم يكن من الممكن أن يأتي من فراغ.

المساهمون