لأسباب كثيرة بقيت تجربة الموسيقيّ المصري حليم الضبع (1921 - 2017) بعيدة عن أضواء الثقافة العربية، لعل أوّل هذه الأسباب أنه اقترح موسيقى تقطع مع القوالب المعروفة، وهو الذي اتخذ طريقاً بعيداً عن الأغنية، منشغلاً بالموسيقى بمعناها الأوسع كتركيبة من الأصوات تؤدّي رؤية جمالية أو فكرة أو تعبّر عن شعور.
هذا الموقع في ثقافته الأم يقابله موقع مختلف في الغرب، حيث يعتبر أحد أبرز المؤلفين في الموسيقى التجريبية، كما أن أعماله تمثّل من بين الأكثر رواجاً ضمن تصنيف "موسيقى العالم" في أسواق المواد الموسيقية في بلدان مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، وهو تقريباً أشهر العرب ضمن هذا التصنيف الذي أطلقه النقّاد في بلدان غربية لوضع مساحة يمكن فيها للمستمع ذي العادات الموسيقية الأوروبية أن يكتشف بسهولة تجارب مختلفة.
أكثر من ذلك، عُرف الضبع كمنظّر موسيقيّ حتى أن التعريف الذي الأكثر رواجاً بشأنه هو إثنو-موسيقولوجيّ، ويعود ذلك إلى إدخال الموسيقي المصري العديد من التصوّرات الجديدة اعتماداً على ما رصده داخل الفولكلور المصري ثم في ثقافات أخرى، خصوصاً منها الأفرو-أميركية، وهو ينشغل دائماً بأنماط الموسيقى التي تكون تعبيراً عفوياً لجماعة ما.
هل كان هذا الاعتراف بحليم الضبع ممكناً لو بقي في مصر التي وُلد فيها، وعاش مجمل طفولته وصباه فيها؟ يمكن الإجابة نفياً باطمئنان، فلولا استقرار الموسيقي المصري في الولايات المتحدة، بداية من 1950، ثم الاندماج في الحركة الموسيقية النشطة هناك لما كان من الممكن أن يصل الموقع الذي بلغه، أو أن ينجز موسيقى بالشكل الذي يرغب فيه.
من أبرز أعمال الضبع: "سمفونية الآلات الفرعونية" والتي أنجزها باعتماد الآلات التي كانت مستعملة في مصر القديمة، ومن أعماله الأخرى: "ميخائيل والتنيّن"، و"وراء ضوء القمر"، و"ليلى والشاعر"، و"طوارق تمبوكتو".