تونس: المعارضة ترفض تفويض صلاحيات البرلمان للشاهد

01 أكتوبر 2016
رفضت مبادرة مشابهة قدمها الحبيب الصيد (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
وجد نواب البرلمان التونسي أنفسهم أمام مشروع قانون شائك يتعلق بدفع النمو الاقتصادي، يتيح لرئيس الحكومة يوسف الشاهد اتخاذ بعض القرارات الهامة من دون العودة إلى البرلمان. غير أن المعارضة بدت حازمة في التصدي للمشروع، متوعدة بالنضال ضده. وإذا فشلت مساعيها لتعديله، بما يُبقي الرقابة البرلمانية والرقابة القٓبْلية على الحاصلين على رخص الاستثمار في المشاريع الكبرى، فإنها ستتجه إلى الهيئة المؤقتة لدستورية مشاريع القوانين بهدف إسقاطه، حيث تشوبه اللادستورية بدءاً من إجراءات إعداده وإحالته إلى البرلمان، وصولاً إلى مضمونه المخالف لبنود الدستور.

واعتبرت المعارضة أن المسألة ليست اقتصادية بحتة، بل سياسية بالأساس، وتصب في توجه للتأسيس للفساد المقنّن والمحمي، والذي سيتيح لبعض الفئات تحقيق الثراء والمكاسب بعيداً عن الرقابة والمساءلة. واعتبرت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المسألة تعد خطراً محدقاً بالتونسيين، وجب التنبه له. وعزت تقديم الشاهد للمشروع بهذه السرعة إلى الرغبة في التأسيس لـ"الدولة العائلة"، وهي مرحلة جاوزت مرحلة "الدولة الحزب"، معتبرة أن القانون الجديد سيسند اقتصاد البلاد لشخص بعينه، وهو يوسف الشاهد، ليقرر من دون رقابة سابقة إسناد المشاريع لمن يريد. وحذرت من أن مشروع القانون يتيح له تكوين لجنة تحت إشرافه تضع معايير لتحديد ماهية المشاريع الهامة التي يمكن الاستثمار فيها، وإسناد الاستثمارات لرجال أعمال، تختارهم اللجنة أيضاً، وهو من يراقب التنفيذ أيضاً. واعتبرت أن الشاهد سيكون خصماً وحكماً في الوقت ذاته، وهو ما يتنافى والقانون ويفتح الباب على مصراعيه للفساد. وجزمت عضو البرلمان عن التيار الديمقراطي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن من أوكلت إليهم مهمة مكافحة الفساد ستتم حمايتهم بإلغاء كل الإجراءات القانونية، بدل تسريع الإجراءات، واستبعاد من يشتبه بحصوله على الرشوة والفساد، وسيصبح مستقبلاً تمويل الأحزاب الحاكمة مقابل إسناد الاستثمارات والتغاضي عن عللها، وهو ما عزز انعدام ثقتها في مؤسسات الدولة، على حد تعبيرها.

واعتبر النائب عن التيار الديمقراطي، عضو لجنة المال، نعمان العش، أن الديمقراطية تحتم احترام رأي الأغلبية، وللشاهد الأغلبية داخل البرلمان، مؤكداً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن النواب الرافضين لهذا المشروع سيتجهون إلى الهيئة المؤقتة لدستورية مشاريع القوانين لإسقاط هذا المشروع الخطير، سياسياً على مستوى الرسائل السلبية التي يقدمها في إطار تأسيسه للفساد، واقتصادياً من حيث إمكانية التلاعب بالمعايير وإسناد الاستثمارات لأشخاص على حساب آخرين دون رقابة تذكر.

ولم يختلف موقف "الجبهة الشعبية" من مشروع القانون عن مواقف التيار الديمقراطي، لكنها اشترطت تمرير مشروع القانون مقابل تعديله بشكل جوهري. ولفت النائب عن "الجبهة الشعبية"، مراد الحمايدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن القبول بمشروع القانون مشروط بتطوير محتواه بما يضمن الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد. وأشار إلى أن ترسانة القوانين التونسية المتعلقة بالمجال الاقتصادي لا تواكب الوضع الحالي، لأنها معقدة وتخضع لإشراف سلطات مختلفة ومتشعبة وذات طابع بيروقراطي يعطل إنجاز عدد من المشاريع التنموية، لكن الإصلاح يتم عبر تسريع الإجراءات وحصر الجهات المتدخلة وتنقيح قانون الصفقات العمومية ومكافحة الفساد، لأن ذلك سيضمن دفعاً تنموياً واستقطاباً للمستثمرين.


يذكر أنه تم رفض مبادرة مشابهة قدمها رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد عام 2015 في إطار مشروع قانون لتفويض السلطات في التشريع المتعلق بالجانب الاقتصادي، رغم محاولته الحصول على موافقة نيابية ومصارحة وزرائه بالوضع الاقتصادي الحرج للبلاد الذي يتطلب تحركاً سريعاً وتجاوزاً لعقبة البيروقراطية وكثرة الإجراءات وتعقيدها، بالإضافة إلى وجوب إعادة النظر بالترسانة القانونية وإصلاح المنظومة التشريعية. لكن النواب آنذاك، وعلى رأسهم نواب الائتلاف الحاكم المكون من أربعة أحزاب آنذاك ("النداء" و"النهضة" و"آفاق" و"الوطني الحر") رفضوا بشدة تفويض صلاحيتهم التشريعية في مجال الإصلاحات الاقتصادية، معتبرين أن ذلك يفتح الباب أمام الاستئثار بإصدار النصوص وتطبيقها بعيداً عن مجلس الشعب الذي وجب أن يبدي رأيه في كل إصلاح.

وخلافاً لذلك، بدا نواب الأحزاب الحاكمة هذه المرة، أكثر ليونة وتبريراً لمشروع القانون الجديد المتعلق بأحكام استثنائية لتسريع إنجاز المشاريع الكبرى. ورغم أن الحكومة لم تطلب صراحة تفويضاً بإصدار أوامر ترتيبية في مجال الاقتصاد، فإنها وضعت نصاً في مشروعها يشير إلى أن وزير الاستثمار والتنمية سيكون الجهة الوحيدة المكلفة بملف الاستثمارات، وهي التي تختار الجهات العمومية والخاصة الراغبة في الاستثمار في المشاريع الكبرى في أي مجال، حتى الخاضع لأحكام قانونية خاصة، من دون الحاجة للمرور عبر إجراءات الصفقات العمومية ومراقبة التمويل والمصادقة المسبقة للسلطة العمومية، ويمكن لها اقتناء العقارات اللازمة للمشروع، وتأليف لجنة لتحديد معايير الاختيار، يترأسها وزير الاستثمار ويشرف عليها رئيس الحكومة. ورأى رئيس لجنة المال في البرلمان، المنجي الرحوي، أن المشروع لا يحظى بالموافقة من كل الكتل النيابية، فوجهات النظر متباعدة جداً بين نواب المعارضة والنواب الداعمين للحكومة، مشيراً إلى أنه يجب التوفيق بين الجدوى منه، وهي تسريع الإجراءات لتسهيل الاستثمارات والحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد، حتى لا تتورط الدولة في تقوية منظومة الفساد التي تغلغلت في كل مؤسسات الدولة.