محاكمة قتلة شكري بلعيد... الانتقال من الاتهام السياسي للقضاء

27 يونيو 2015
طالبت أرملتا الشهيدين السبسي بالكشف عن بقية الضالعين(فرانس برس)
+ الخط -
بعد سنتين وأربعة أشهر، تعود قضية اغتيال زعيم "حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد"، شكري بلعيد، اليساري، لتطفو من جديد على مجريات الأحداث في تونس، مع انطلاق  محاكمة المتهمين في القضية يوم 30 يونيو/حزيران الجاري.

وتأتي أهمية هذه المحاكمة باعتبار أنّها محاكمة لأول اغتيال سياسي بعد الثورة، غيّر المشهد السياسي في تونس وأسقط حكومة حمادي الجبالي، وألقى بظلاله على تحالفات اليساريين مع بقية الأحزاب. وشكّل اغتياله، ومن بعده اغتيال القيادي في حزب "التيار الشعبي"، محمد البراهمي، لحظة فارقة في المشهد السياسي التونسي برمته، ورسم حدوداً وجدراناً غير قابلة للاختراق لغاية اليوم.

ظلّ اغتيال بلعيد والبراهمي أساساً لتحرك الجبهة الشعبية (التي تضم عدة أحزاب يسارية وقومية)، وعنواناً بارزاً شكّلت "الجبهة" على أساسه مواقفها في المحطات السياسية، ومنها الانتخابية، التي شهدتها تونس في السنتين الأخيرتين، وأحبطت تحالفات حكومية كان يمكن لها أن تكون  أوسع لولا اعتراض "الجبهة" على وجود حركة "النهضة"، بسبب اتهامها في هذه القضية، ورفضها التحاور معها مباشرة، إذ إنّ "النهضة" كانت تدير الحكم في فترة الاغتياليْن.

وعلى الرغم من اعتراض "النهضة" على هذا الاتهام، واعتباره من قبيل المزايدة السياسية ولا أدلّة فيه، ظلّت "الجبهة" متمسكة بموقفها، مطالبة بالكشف عمن خطّط ودبّر، وعدم الاكتفاء بالمتهمين الذين قاموا بتنفيذ الاغتيال.

لم يكن تأثير اغتيال بلعيد على علاقات "الجبهة" الخارجية فقط، إنما كانت له تداعياته السياسية بعد ذلك داخل "الجبهة" نفسها. وكانت ذكرى الاغتيال في السنة الماضية، مناسبة للتعبير عن غضب أرملة بلعيد، بسمة الخلفاوي، من زعيم "الجبهة" حمّة الهمّامي، وسط حديث عن خلافات مستمرة لغاية اليوم بين حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد" (وطد) وحزب "العمال" الذي يرأسه الهمّامي، أبرز مكونات "الجبهة الشعبية".

اقرأ أيضاً: في ذكراك شكري بلعيد

يحيل القضاء التونسي في 30 يونيو/ حزيران الجاري، 30 متهماً أغلبهم موقوف بتهم عديدة، تتمثّل في ارتكاب جرائم إرهابية والانضمام إلى تنظيم إرهابي خارجي وتوفير أسلحة ومتفجرات، ومعلومات وجمع تبرعات له، واستعمال الأراضي التونسيّة لانتداب مجموعة من الأشخاص وتلقي تدريبات عسكرية بقصد ارتكاب عمل ارهابي خارج تونس. هذه الجرائم أدت إلى التآمر والاعتداء على أمن الدولة الداخلي، والمقصود منه تبديل هيئة الدولة وإثارة النعرات وخلق جوّ متوتر بين التونسيين. يذكر أنّ من بين الموقوفين أستاذاً جامعياً وطبيبأً ومستشار شركة إعلامية وعدداً من الطلبة والتجار وعمالاً في اختصاصات مختلفة وسائق سيارة أجرة.

وقال عضو هيئة الدفاع والقيادي في حزب "الوطد"، المحامي محمد جمور، في مؤتمر صحافي، إنّه تم تقسيم الملف إلى جزئين: الأول، وهو القضية التي ضمت 30 متهماً وستنظر فيها المحكمة يوم 30 يونيو/حزيران. والثاني، قضية تعهّد بها قاضي التحقيق، شملت متهمين آخرين بينهم من لقي حتفه في أحداث إرهابية، على غرار كمال القضقاضي وآخرين مثل لطفي الزين وأحمد الرويسي وأبو بكر الحكيم وغيرهم.

اقرأ أيضاً: القصاص ضرورة ثورية

اعتبر القيادي في "الوطد"، زياد لخضر، أن "هناك رغبة في إغلاق الملفات ووأد الحقيقة من دون إدانة الجهات المعنية"، مشيراً إلى أن "هناك توافقا بهذا الشأن، تم التوصل إليه لاستبعاد استنطاق بعض الأطراف في قضية اغتيال بلعيد". من جهته عبّر القيادي في "الجبهة الشعبية"، زهير حمدي عن مخاوفه من أن يؤدي تقسيم ملف الشهيدين بلعيد والبراهمي، "إلى إفلات بعض القيادات الأمنية وعدد من الوزراء من العقاب، والجبهة الشعبية توجه لهم الاتهام في عملية الاغتيال".

وأفاد حمدي في تصريح لوكالة "الأنباء التونسية" أن "تقسيم ملف بلعيد وأفراد الموقوفين فقط بالتتبع في قضية الاغتيال، لم يكن محل رضا الجبهة الشعبية"، محمّلاً القضاء المسؤولية في عدم التعاطي بالجدية والسرعة اللازمتين لإحالة بقية الأشخاص على التحقيق ومتابعتهم جزائياً". وجدد مطالبته بتوجيه الاتهام لهؤلاء المسؤولين وإعطاء فرصة للقضاء ليقرر ما إن كانت مسؤوليتهم عن الاغتيال إدارية أو ترتقي إلى المسؤولية الجزائية وتتم محاكمتهم.

ويعتبر بعض قياديي "الجبهة" أن تحالف "نداء تونس" و"النهضة" يمكن أن يؤدي إلى استبعاد بعض المسؤولين من المساءلة، مطالبين الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بتنفيذ وعده الانتخابي بالكشف عن الضالعين في اغتيال بلعيد والبراهمي. واستقبل السبسي في الفترة الأخيرة أرملتيْهما، مجدّداً عزمه، الدفع في اتجاه الكشف عن كل تفاصيل الاغتياليْن .

ولم تتخل قيادات "الجبهة" وأنصارها، منذ يوم الاغتيال في 6 فبراير/شباط 2013 عن تنظيم وقفة احتجاجية أسبوعية أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالحقيقة في اغتيال البراهمي وبلعيد،  وكانت آخرها، الوقفة 124 يوم الأربعاء الماضي، التي دعت القيادات من خلالها كل الأنصار، للتجمّع أمام المحكمة صباح يوم الثلاثاء 30 يونيو/حزيران.

اقرأ أيضاً: تونس تنفي وجود قاتل بلعيد بليبيا: نعتقله منذ عام

المساهمون