يتواصل الفلتان الأمني في محافظة السويداء، جنوبي سورية، ذات الأكثرية من طائفة الموحدين الدروز، يوماً بعد آخر، وسط تحميل الأهالي مسؤولية ذلك للجهات الأمنية التابعة للنظام. وأفادت مصادر أهلية من مدينة صلخد في ريف السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنّ مجموعة مسلحة محلية هاجمت يوم الاثنين الماضي مفرزة الأمن العسكري في المدينة، ما تسبّب بمقتل أحد عناصر حراسة المفرزة، وهو من أبناء محافظة السويداء، بالإضافة إلى مهاجمة مديرية المنطقة في المدينة، والتي التجأ مديرها إحسان عيسى إلى إحدى عائلات صلخد طلباً للحماية. ويأتي ذلك في ظلّ تهديدات من قبل الجهة ذاتها باستهداف المراكز الأمنية في المنطقة، في حال توجهت أي قوة تتبع للنظام أو الفصائل التابعة له، إليها.
وأوضحت المصادر ذاتها، والتي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، أنّ الفصيل المسلح في صلخد "يحمّل فرع الأمن العسكري في السويداء مسؤولية التوتر الذي تشهده المحافظة، ودفع أبنائها لمواجهة بعضهم البعض، عبر المجموعات المرتبطة به".
وشهدت مدينة السويداء يوم الأحد الفائت تبادلاً لإطلاق النار بين مجموعتين مسلحتين محليتين، ما أدى إلى سقوط قتيل من فصيل مسلح من أبناء مدينة صلخد بريف المحافظة الجنوبي، وذلك على خلفية حادثة اختطاف المحامي ممدوح سلامه السعيد، وهو من بدو السويداء، إضافة إلى أربعة تجار من دمشق هم: خالد القاضي، محمود القاضي، محمد نقرش وعلي نقرش، والذين كانوا قد توجهوا إلى السويداء لإنجاز عمل تجاري متعلّق بمحصول التفاح الذي يعاني الأهالي صعوبات في تصريفه.
إلى ذلك، قالت مصادر مطلعة في السويداء، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تدهور الوضع الأمني في المحافظة تتحمّل مسؤوليته بشكل كامل الجهات الأمنية التابعة للنظام التي عملت خلال السنوات الماضية على رعاية تشكيل مجموعات مسلحة مرتبطة بها، لخدمة أهدافها؛ بدءاً من قمع الحراك السلمي في الأعوام الأولى من الثورة السورية، وصولاً إلى القيام بأعمال غير شرعية، منها تجارة ونقل المشتقات النفطية سابقاً من مناطق سيطرة تنظيم "داعش" في شرق وشمال سورية، عبر البادية، إلى مناطق درعا جنوب سورية، التي كانت تسيطر عليها فصائل مسلحة معارضة، فضلاً عن تجارة السلاح والمخدرات. هذا بالإضافة إلى عمليات الخطف والخطف المضاد التي كانت تقع بين محافظتي السويداء ودرعا، والتي تحوّلت بعد سيطرة قوات النظام على المنطقة، إلى باب استرزاق لتلك المجموعات، التي بدأت تستهدف الوافدين إلى المحافظة طلباً للفدية". ويتهم أهالي السويداء متنفذين في الأجهزة الأمنية برعاية هذه المجموعات، ومنح عناصرها بطاقات أمنية.
من جانبها، عقدت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز اجتماعاً عاماً، يوم الاثنين الماضي، لقوى مجتمعية وفصائل مسلحة، في دار الطائفة في السويداء، تمّ خلاله التباحث بواقع المحافظة الأمني، والتطورات الأخيرة فيها، بحسب ما ذكر ناشطون في المحافظة لـ"العربي الجديد". وأوضح عدد ممن حضروا الاجتماع أنّ "أغلب المداولات حمّلت الأجهزة الأمنية مسؤولية تدهور الوضع الأمني في المحافظة، مطالبةً برفع الغطاء عن الأشخاص الخارجين عن القانون، وتفعيل دور الشرطة لحفظ أمن السويداء".
وقد تُلي في ختام الاجتماع بيانٌ صادر باسم عائلات مدينة السويداء، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، جاء فيه: "نعلن نحن عائلات السويداء عن وقوفنا خلف الجيش العربي السوري وأجهزة الدولة المختصة، في سبيل وضع حدّ للخارجين عن القانون والعابثين بأمن وأمان المحافظة والمعتدين على زوارها الكرام وضيوفها القاطنين بين أبنائها، ونرفع الغطاء الاجتماعي عن كل من تسوّل له نفسه زعزعة الأمان في الجبل، وتمزيق السلم الأهلي، وضرب مفاهيم الكرامة والشهامة المعروفية، التي كانت وما زالت تنبع من مضافاتنا ومجالسنا الحافلة بالأخلاق والدين".
ولفت البيان إلى أن "ما حصل (الأحد) ما هو إلا بداية لوقوف الشرفاء من كل العائلات بوجه الخارجين عن القانون، الذين حاولوا الاعتداء على كرامة عائلات المدينة. فشرفاء مدينة السويداء خاصةً والمحافظة عامة، يد واحدة من أجل إنهاء هذه الظواهر السيئة". وختم البيان بالقول "لن نسمح لأحد أن يشوّه تاريخ المحافظة مهما كان انتماؤه العائلي. وعليه، فإننا ندعو كل من خرج عن هذه القيم المعروفية، وهم معروفون بالاسم ولا يمثلون إلا أنفسهم، للعودة إلى جادة الصواب كفرصة أخيرة. فقد نفد صبر الشرفاء على هذا الوضع المزري، أمنياً وأخلاقياً، وآن الأوان للقضاء على كل هذه الظواهر بكل الوسائل المتاحة لدى أبناء السويداء".
وتفيد معلومات متقاطعة حصل عليها "العربي الجديد" بأنّ النظام سبق أن تلقّى العديد من النداءات والطلبات من جهات وقوى مجتمعية عدة، لرفع الغطاء عن المرتبطين بالأجهزة الأمنية، ومحاسبة المتنفذين الذين يسهلون عمل عصابات الخطف والسرقة. وكان آخر هذه النداءات قبل أشهر عبر اجتماعات تمت في مكتب الأمن الوطني التابع للنظام بدمشق، بين اللجنة الأمنية العليا التي تضم رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، ووزير دفاع النظام علي عبد الله أيوب، والداخلية محمد الشعار، ورؤساء الأجهزة الأمنية، وبين مشايخ عقل الموحدين الدروز وعدد من الوجهاء وشخصيات المحافظة. وتبع هذا الاجتماع لقاء موسّع مع قيادة حزب "البعث" في دمشق، شاركت فيه أكثر من 90 شخصية من السويداء، تمثّل العديد من القوى الاجتماعية والسياسية، من دون أن يثمر عن ذلك كله أي نتائج تذكر.
بدورها، قالت مصادر مقربة من النظام في السويداء لـ"العربي الجديد" إنّ الأخير لم يتخذ بعد أي قرار بالتدخل لضبط أمن المحافظة، بذريعة عدم رغبته في إراقة الدماء هناك وخلق صدام بينه وبين الأهالي، خصوصاً أنّ الأحداث التي تشهدها المحافظة لا تشكّل أي خطر على وجوده أو المؤسسات التابعة له، تاركاً الساحة للحلول العشائرية والعائلية. لكنّ مصادر معارضة قالت لـ"العربي الجديد" إنّ "النظام يراقب تدهور الوضع في السويداء، ويعمل على تعزيز قواته، إذ جلب خلال الفترة الماضية مئات المقاتلين، الذين وزعهم على الحواجز الموجودة في المحافظة، وبعض مراكزه العسكرية والأمنية، من دون أي تدخل بمجريات الأحداث، إذ يمرّ على تلك الحواجز كثير من الأشخاص المطلوبين، من دون أن يتم اعتراضهم". وأضافت المصادر أنّ "النظام ينتظر أن يخضع الأهالي إلى طلبه، والمتمثّل بإطلاق يده بشكل تام في المحافظة، ما يعني اعتقال عشرات آلاف الشبان لزجهم في الخدمة العسكرية، فضلاً عن اعتقال غيرهم من المطلوبين إلى الأجهزة الأمنية، وهو ما يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2014، الأمر الذي ما زال أهالي المحافظة يرفضونه".
وأوضحت المصادر أنه "بحسب النظام، فإنّ عدد أفراد عصابات الخطف والسرقة في السويداء يبلغ 147 عنصراً، يتبعون لـ18 شخصاً، هم من يديرون تلك العمليات، الأمر الذي لا يحتاج إلى أكثر من تفعيل مخفر شرطة لتوقيفهم وتحويلهم للقضاء"، متسائلةً "لماذا إذاً إصرار النظام على نشر حواجزه العسكرية وتقطيع أوصال المحافظة وزجّ الجيش في مواجهة الأهالي؟".