السودان: "محايدون" يطرحون على البشير مبادرة حكومة تكنوقراط

03 يناير 2016
تمديد الحوار الوطني إلى فبراير (إبراهيم حامد/فرانس برس)
+ الخط -
عامان مضيا على دعوة الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس السوداني عمر البشير في يناير/ كانون الثاني 2014، ولا تزال الدعوة تقف عند نقطة البداية، رغم محاولات الحكومة المضي قدماً بها عبر إطلاقها في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لمؤتمر الحوار الوطني "بمن حضر"، وحددت له العاشر من يناير/ كانون الثاني الحالي موعداً للانتهاء.

اقرأ أيضاً: إعلان جديد وقف إطلاق النار في السودان

غير أن السلطة عادت وقرّرت التمديد لشهر آخر، على أمل انضمام التيارات الرئيسية إليه، خصوصاً الحركات المسلحة. وتقود الأخيرة حرباً ضدّ الحكومة في إقليم درافور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. ويرى مراقبون أن الخطوة تمثل قناعة حكومية بعدم جدوى الحوار المستمر حالياً، ولا سيما أنه حوار بين الحكومة وحلفائها، وإنْ كان "المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي جزءاً منه، مع غياب أبرز الفصائل المعارضة، سياسياً وعسكرياً، أي حزب "الأمة" بزعامة الصادق المهدي، والحزب الشيوعي بقيادة مختار الخطيب، فضلاً عن الحركات المسلحة التي تقاتل الحكومة في إقليم دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
وتأتي تطورات التأجيل الأخيرة بعد مشاورات غير رسمية أجرتها الحكومة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال (المسلّحة) في أديس أبابا قبل عشرة أيام، وصلا خلالها إلى تفاهمات لم يكشف عنها في ما يتصل بملف الحوار. وبشّر الحزب الحاكم في الخرطوم بنتائج إيجابية ستظهر خلال الأيام المقبلة لتلك المفاوضات.

إلا أن الحركة بادرت، على لسان رئيسها مالك عقار، للتأكيد على مواقفها السابقة بعدم التوقيع على أي اتفاق غير شامل، وعلى أن أي حوار ستدخله لا بد أن يعمد لتغيير النظام الحاكم وإصلاحة، وأن يشمل كافة القوى السودانية.

وأعلن البشير، الخميس الماضي، عن وقف جديد لإطلاق النار في جميع مسارح العمليات بمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فضلاً عن إقليم درافور، لمدة شهر مع تمديد مؤتمر الحوار حتى فبراير/ شباط المقبل لإفساح المجال أمام القوى الممانعة للحوار بالانضمام إليه. قرار جاء بعد إعلان سابق لوقف النار في سبتمبر/ أيلول الماضي.

وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس البشير رفض مقترحاً بتمديد مؤتمر الحوار لثلاثة أشهر ووافق على أن يكون التمديد لشهر واحد، وبعدها يغلق ملف الحوار نهائياً"، مؤكداً أن "القوى الممانعة في وضع يجعلها تهرول للحوار، خصوصاً في ظل تراجع قوتها العسكرية وانشغال المجتمع الدولي في قضايا أكثر سخونة في سورية والعراق وليبيا فضلاً عما يدور في الدول الغربية نفسها".

وفي ظل هذه الأجواء، يتوقع أن تدفع مجموعة محايدة بمبادرة إلى الرئيس السوداني، تقترح تكوين حكومة مهام وطنية من تكنوقراط لإدارة البلاد خلال المرحلة المقبلة كحل وسط بين المطالبات بتفكيك الحزب الحاكم وإصرار النظام على الإبقاء على الشكل الحالي.

وقال أحد أعضاء المبادرة لـ"العربي الجديد"، إن "المقترح يقضي بتمثيل رمزي للأحزاب على أن تكون الحكومة من شخصيات قومية تعمل في مهام قضايا السلام والعلاقات الخارجية والضائقة المعيشية وإصلاح الخدمة المدنية، فضلاً عن التوافق على دستور دائم وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات عامة إلى جانب إسناد مهام تنفيذ مخرجات الحوار".

وأكدت المصادر نفسها أن الوساطة الأفريقية بزعامة ثامبو إمبيكي بصدد توزيع دعوات للقوى الرافضة للحوار فضلاً عن المشاركين فيه لعقد مؤتمر تحضيري في أديس أبابا الشهر الحالي، لوضع لأسس عريضة لحوار جديد يضمن مشاركة الجميع دون استثناء، خصوصاً بعدما أبدت الحكومة موافقة مبدئية على الخطوة التي ظلت ترفضها الفترة الماضية.

ويرى مراقبون أن اتصالات غير معلنة يقودها نظام الخرطوم مع القوى الممانعة بشكل مباشر وغير مباشر قطعت شوطاً لإقناعها بالحوار، ولا سيما أن الحكومة على قناعة بعدم جدوى الحوار الحالي لغياب قوى رئيسية ممثلة في الحركات المسلحة فضلاً عن حزب "الأمة" وقوى التحالف، وإن كانت الأخيرة لا تعيرها اهتماماً أكبر.

 ورجح المراقبون أن تسفر الاتصالات عن تسوية سياسية تفضي إلى إشراك تلك القوى في الحوار بضمانات محددة، وخصوصاً أن جميع الأطراف تواجه ضغطاً دولياً وإقليمياً. كما أن تعقيدات الوضع العالمي ضيّقت فرص المناورة ووضعت جميع الجهات، "الحكومة والمعارضة"، في موقف مساند لإنهاء الأزمة بالطرق السلمية وتنفيذ الخطة الدولية للهبوط الناعم، وفي أسرع وقت ممكن، وإن كان عبر اتفاق مرحلي إلى حين إتاحة مناخ أفضل.

وفي السياق، يرى المحلل السياسي زين الدين أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قضية الحوار في السودان معقدة، لتمسك كل طرف بمواقفه وغياب الثقة بالنظر إلى تجارب كل طرف مع الآخر. ويوضح أنه "إذا لم يجر تغيير حقيقي في موقف الحكومة، ويتم العمل على محاورة الممانعين في الخارج عبر المؤتمر التحضيري، فسيظل الأمر كما هو عليه، فضلاً عن أن الحوار الجاري حالياً غير مقنع ويدور حول قضايا تكتيكية". ويعتبر أن "رغبة الحكومة في الحوار ضعفت بمراهنتها على الوضع المعقد عالمياً وإقليمياً"، واستبعد أن تمضي الحركة الشعبية في اتجاه تسوية فردية مع الحكومة دون حلفائها من الحركات الدارفوريين والمعارضة السلمية الممثلة في تحالف قوى نداء السودان.

ويخلص المحلل السياسي إلى القول إن "هناك سيناريوهان: إما أن يمضي الحوار كما هو عليه الآن بغياب القوى الرئيسية، ويخرج بنتائج ينفذ منها البشير ما يتوافق معه، أو تقوم الحكومة بتمديد الحوار وتقدم تنازلات أكبر تنجح في ضم القوى الممانعة للحوار".

اقرأ أيضاً: عثرات الحوار السوداني: لاءات متبادلة بين النظام والمعارضة