امطانس شحادة لـ"العربي الجديد": "التجمّع" سينتصر بمواجهة السلطة الإسرائيلية

24 سبتمبر 2016
المواجهة الحالية ستزيد من صلابة الحزب (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يكن قد مضى أكثر من شهر على تسلّم امطانس شحادة وبدئه مزاولة مهامه أميناً عاماً لحزب التجمّع الوطني الديمقراطي في الداخل، حتى شنّت السلطات الإسرائيلية حملة اعتقالات واسعة بحق نشطاء الحزب وقيادييه، وفي مقدمهم رئيسه عوض عبد الفتاح، وبالتالي فإن الأمين العام الجديد الذي كان يستعد لتسريع عمليات ترشيد وإعادة تنظيم وتحسين أداء الحزب، لم يحظَ حتى بفترة المئة يوم التي تُعطى عادة لمن يتولى منصباً جديداً قبل إطلاق الحكم عليه.

شحادة، المحاضر في جامعة بير زيت، وبعد وقت قصير من تركه مشروع البحث العلمي في مركز مدى الكرمل للدراسات الاجتماعية والسياسية التطبيقية، وجد نفسه في أتون معركة على مستقبل الحزب، الذي يمثّل قبل كل شيء مستقبل الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني، وحدود العمل السياسي للفلسطينيين. ومع اعترافه بـ"المفاجأة" من توقيت الحملة الإسرائيلية، يبدي شحادة في حوار مع "العربي الجديد" موقفاً صلباً، يبنيه على القناعة الذاتية لصحة طريق الحزب الذي اختار ألّا يهادن إسرائيل ولا سياستها العنصرية، وألا يفرّط في الوقت نفسه بالثوابت الفلسطينية.
وهو يرى أن الهجمة الجديدة على "التجمّع"، على الرغم من شراستها، توفّر له فرصة لتجديد البناء وتعزيز مكانته الجماهيرية والشعبية، وإنهاء بعض مظاهر المعسكرات الداخلية، خصوصاً أن مؤتمر الحزب الأخير أطلق عملية دمج قطاع الشباب في الحزب وفي مؤسساته وهيئاته التنظيمية والقيادية، وهو ما يعتبره أهم ما يملكه الحزب للمستقبل. ويشير شحادة في هذا السياق إلى ما يلمسه من عزيمة وتحدٍ قويين لدى أعضاء الحزب وشبابه للوقوف في وجه هذه الحملة، معتبراً ذلك مؤشراً أكيداً على أن الحزب سيخرج منتصراً من هذه المعركة. إلى نص الحوار:


ملاحقة التجمّع الوطني الديمقراطي بدأت قبل أكثر من عقد، وعملياً فإن أول تصريح في هذا السياق رُصد عام 1998 على لسان رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية العامة عامي أيالون، في مقابلة قصد أن تكون مع صحيفة عربية، معلناً أن "التجمّع" وقائده عزمي بشارة، يشكّلان التحدي والخطر الأكبر على إسرائيل، مع ذلك يبدو أن "التجمّع" أُخذ على حين غرة. كيف تفسر ذلك؟

عملياً نحن ندرك وجود هذه الملاحقة منذ سنوات، خصوصاً في أواخر التسعينيات وبعد الانتفاضة الثانية وهبّة القدس والأقصى التي سقط فيها 13 شهيداً من الداخل، وملاحقة عزمي بشارة بادعاءات وحجج أمنية. وكنا نعرف أخيراً بهذا التحقيق، ولكن بما أن مجريات التحقيق العادية لم تأخذ مجراها، خصوصاً لجهة اختصار مسار فحص مراقب الدولة، وتحويل الملف للشرطة قبل أخذ ردنا وإجاباتنا على ملاحظاته ومجريات الملاحقة، من هنا فإن العملية كانت متوقعة، ولكن ليس بهذا التوقيت، ولا بعدد الأشخاص الذين اعتُقلوا، ولا بأسلوب الاعتقال والمداهمات والترهيب، وبهذه الضجة الكبيرة التي افتعلتها وسائل الإعلام الإسرائيلية. المفاجأة إذاً في الجانب التقني في عملية التنفيذ وليس في المضمون، وليس في درايتنا للنوايا المبيّتة لنا. أنت تُفاجأ دائماً بمثل هذه الخطوات. ليس هناك حزب سياسي يعمل في السياسة ويناضل ويحمل طرحاً سياسياً ويعمل وفق القانون، كما في حال "التجمّع الوطني"، يكون جاهزاً لحملة اعتقالات، خصوصاً أنك تعمل بحسب القانون، ولا مرة تكون جاهزاً لمثل هذا الأمر.

مع ذلك يبدو البُعد السياسي للقضية واضحاً مع الكمّ الكبير من المعتقلين في صفوف أعضاء وناشطي الحزب، خلافاً لما حدث مع الأحزاب اليهودية، ونحن أمام تعامل مختلف مع الحزب العربي في حالات خروقات أو خلل إداري أو مالي في سياق قانون الانتخابات والتمويل المالي، كما حدث مثلاً مع خروق قادة إسرائيليين بدءاً ببنيامين نتنياهو ومروراً بإيهود براك ويتسحاق هرتسوغ؟
نحن أمام محاولات لاتهام أشخاص في الحزب بارتكاب خروق وأخطاء إدارية ومالية خلال الانتخابات وخلال تنظيم حملة التبرع للحزب، ولكن من الواضح أنه حتى في هذا السياق هناك محاولة لمراكمة كمّ كبير من المخالفات لأكبر عدد من نشطاء الحزب، في مسعى لخلق حالة تسمح للدولة إذا تمت إدانة عدد كبير من الأعضاء، بالاتجاه نحو الادعاء بأن هناك طريقة منهجية تُمكّن من تصوير الحزب على أنه عصابة أو منظمة إجرامية. وإذا تم الإثبات بأنه أمر ممنهج ومخطط له، عندها تتعامل الدولة مع الحزب كعصابة، وتتحوّل التهمة من اتهام أفراد إلى الحزب نفسه، ويتم التعامل معه كمنظمة إجرامية. لذلك يحاولون تحويل قضايا إدارية وإجرائية إلى تهم جنائية، والوصول إلى الحزب عن طريق إدانة عدد كبير من أعضائه بتهم جنائية.

لكن هذه المرة وخلافاً للملاحقات السابقة، نرى أن الحملة تواجَه بتضامن شعبي كبير مع "التجمّع" وبإجماع للأحزاب العربية كلها، على التصدي لهذه الحملة وعدم القبول بادعاءات الحكومة والشرطة الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي؟
صحيح، أو على الأقل بالنسبة للنخب السياسية. الأحزاب والتيارات السياسية ولجنة المتابعة، تُجمع على قناعتها بأننا أمام ملاحقة سياسية بهدف القضاء على "التجمّع"، ومحاولة للنيل من مكانته وسمعته وشرعيته بين الناس. والقناعة الراسخة في صفوف الحركات والأحزاب أن الهدف من هذه الحملة أيضاً هو في نهاية المطاف النيل من كافة المجتمع الفلسطيني والعمل السياسي في المجتمع بالداخل.
هذه الهجمة تهدف إلى تشويه وتحقير النشاط والعمل السياسي، وعندها فإن هذا الأمر يؤدي إلى عزوف الناس عن العمل السياسي وعدم مشاركتهم في الانتخابات. فالمؤسسة الإسرائيلية تريد أن تصوّر العمل السياسي النضالي وكأنه جريمة، وتصوّر النضال الوطني وكأنه نضال لأهداف مالية شخصية، فهذا يضر بالعمل السياسي الوطني، وهو ما بات واضحاً لكافة الفئات السياسية في الداخل.

أي أن الأحزاب العربية اقتنعت هذه المرة أن ما يواجهه "التجمّع" هو نتيجة لقصور معين، أو رد فعل غير مناسب، لحجم الضربة التي تلقتها الحركة الإسلامية الشمالية، وصولاً إلى إخراجها عن القانون في العام الماضي؟ وأن ما يحدث هو تكرار لما حدث بهدف التخلص من القطب القومي في الداخل، بعد أن تم التخلص من القطب الإسلامي الذي مثّلته الحركة الإسلامية؟

أعتقد أن هذا التشخيص صحيح، والأسوأ من ذلك أنه كان هناك شعور عندما أُخرجت الحركة الإسلامية عن القانون، لدى بعض التيارات أو الفئات التي حاولت تصفية حسابات مع الحركة الإسلامية على خلفية خلافات معها في قضايا اجتماعية، مثل قضايا حقوق المرأة وفي الملف السوري، وبدا كأن البعض اعتبر أنه في هذا السياق مع الدولة، فإن ما تم بحق الحركة الإسلامية "مسموح" بسبب مواقفها الداخلية. وأعتقد أن هذه الفئات والتيارات، استدركت لاحقاً وأدركت أن هذه الخطوة تضر بالجميع، ومن هنا الرفض والإجماع الحاليان ضد ملاحقة "التجمّع الوطني"، لإدراك الجميع أن أي ضرر يطاول العمل السياسي لـ"التجمّع"، أو أي حزب آخر، يلحق الضرر بمجمل العمل السياسي للأحزاب العربية في الداخل.
وفي حالة "التجمّع" الآن، فإن غالبية الأحزاب لا تريد أن تكرر الخطأ نفسه، على الرغم من الخلافات بين "التجمّع" وبين أحزاب أخرى في الشارع العربي الفلسطيني. واليوم وضعت غالبية الأحزاب العربية نقاط الخلاف جانباً لأنها تدرك أن المواجهة الحقيقية وأن نضالنا الأساسي هو مع الدولة، وتجاه المشروع الصهيوني.


الطروحات السياسية لـ"التجمّع" معروفة، خصوصاً طرح دولة المواطنين وتفكيك البنية العنصرية والصهيونية للدولة، مع ذلك يبدو في هذه المواجهة أن الدولة تريد منك أن تنشط كفرد، وإذا أردت أن تتحرك في سياق جمع تبرعات أو أي نشاط داخلي يجب أن يكون ذلك وفق رغبتها هي، ووفق قيودها من دون أي رابط أو سياق وطني أو هوية جماعية. ما تعليقك على ذلك؟

هناك سياق واضح لما يحدث، للدولة أذرع وأدوات مختلفة ومتعددة، وبإمكانها مثلاً تعديل قوانين وسنّ أخرى، ونجد أن الملاحقة جاءت بالتوازي مع أمور أخرى: بالتوازي مع سنّ قانون الإرهاب الجديد، ومع سنّ قوانين حول تمويل الجمعيات الأهلية وجمعيات المجتمع المدني التي تجنّد أموالاً من الخارج لإبراز ذلك في أوراقها وتقاريرها الرسمية، ووسم هذه الجمعيات بأنها مموّلة من الخارج وبأجندات خارجية، ومن ثم جاءت الضربة التي وُجّهت لـ"الحركة الإسلامية"، والآن للتجمّع الوطني الديمقراطي.
الهجوم على الفئات المعارضة لسياسات الدولة والمعارضة للصهيونية كان من محاور متعددة وبأدوات عدة. فقد تم تحجيم اليسار الصهيوني مثلاً وتتم ملاحقته ولكن بأدوات أقل وطأة من الأحزاب العربية. إضافة إلى تشويه سمعة هذه الأحزاب خارج البلاد، وبالأساس تشويه صورة هذه الجمعيات والأحزاب داخل إسرائيل، ولكن مع استخدام أدوات أشد وطأة وقسوة ضد "التجمّع"، أدوات بوليسية واستخباراتية، والتعامل معنا كأننا مجموعة إرهابية. وإلّا فكيف نفسر تنفيذ حملات مداهمة للبيوت واعتقال ناشطين في حزب سياسي يعمل بشكل قانوني داخل الدولة وممثّل في الكنيست، ماذا يعني ذلك سوى أنه يتم التعامل معنا بأدوات محاربة الإرهاب، وإن كانت لا تستند إلى بنود قانون محاربة الإرهاب، لكنها تتعامل معنا بمنطق أدوات هذا القانون، وكأننا منظمة إرهابية أو منظمة إجرامية.

هل يعود ذلك لفشل الدولة في إخراج الحزب عن القانون بالطرق والقنوات السياسية والقانونية المعتادة؟
طبعاً، فقد حاولوا أكثر من مرة إخراجنا عن القانون ومنعنا من خوض الانتخابات منذ العام 2003، وحاولوا الادعاء بأننا نعارض البند "7 أ" من قانون الدولة اليهودية، وفشلوا في ذلك، ثم ادعوا بأن طرح دولة المواطنين منافٍ لقوانين أساس الكنيست والمشاركة في الانتخابات، وتم شطبنا من قِبل لجنة الانتخابات أكثر من مرة ثم التوجّه للمحكمة العليا التي نقضت قرار الشطب، وقد فشلوا عملياً بكل هذه المحاولات. والآن يبدو أن الدولة تعتقد أنه في هذه الحالة حتى لو فشلت في القضاء قانونياً على "التجمّع" وشطبه أو إخراجه عن القانون، أو التعامل معه كمنظمة جنائية و"عصابات"، فهي ستلحق على الأقل ضرراً كبيراً بمكانته الجماهيرية والسياسية، وتشوه سمعة "التجمّع" وتبعد الناس عنه باعتبار أن الحديث ليس عن عمل سياسي بل عن مكاسب شخصية.

ما يعني تشويه حقيقة وأسس مواقف "التجمّع" الوطنية، بدءاً بوقوف كتلة "التجمّع" مع حق أهالي شهداء القدس المحتلة بدفن أبنائهم، وتقويض أسس الحزب ونشاطه الوطني والسياسي وبالتالي ضرب ما رسخه جماهيرياً في الداخل من الحق بإعلان التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة، وأن ينشط الفلسطيني سياسياً وفق رؤياه هو ليس ما تسمح به إسرائيل؟
وأكثر من ذلك ما يزعجهم أن "التجمّع" هو حزب لديه ما يقوله في الشأن الفلسطيني، وأنه رفض التنازلات عن الثوابت الفلسطينية، وبهذا الاختلاف مع قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، كما في حالة رفضنا ومعارضتنا لاتفاق أوسلو. ونحن نهاجم السلطة وقت الحاجة، أي ليس فقط في قضايا فلسطينيي 48، ونحن نعمل في محورين، نربط عبرهما بالموقف بين العمل في إطار عرب 48 وأيضاً في الملف الفلسطيني العام. بقية الأحزاب ترى جلّ نشاطها وهمّها في الداخل الفلسطيني، فيما نحن نعتبر أنفسنا رافداً من روافد الحركة الوطنية الفلسطينية، ولدينا ما نقوله عن طبيعة الدولة الفلسطينية، وعن طبيعة الحل ورؤيتنا للحل، وعن العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. هناك مواقف لـ"التجمّع" تختلف عن بقية الأحزاب.

بالتالي هذا العداء الشديد لـ"التجمّع" لأنه يصر على رؤيا شاملة وليس رؤيا محلية داخلية، ليست بمسألة المواطنين فحسب بل جزء من شعب بأكمله؟

الرفض لنا هو أيضاً لأننا نرفض اختصار دورنا في نطاق أراضي 48 ولأننا لا نرى أن علينا أن نقبل بكل اتفاق تقبل به القيادة الفلسطينية، ولأننا لا نقبل أن نكون مجرد لاعب أو نائب في البرلمان يرفع يده مصوتاً تأييداً لكل اتفاق ترضى به القيادة الفلسطينية. فنحن لا نرضى بأي اتفاق إذا لم يكن عادلاً وشاملاً يحافظ على الثوابت الفلسطينية والمطالب الفلسطينية بعودة اللاجئين وتفكيك جميع المستوطنات والعودة إلى حدود ما قبل الرابع من يونيو/حزيران، وذلك خلافاً لأطراف عديدة فاعلة وناشطة في الداخل الفلسطيني.
ونحن نرفض التعامل معنا كملف إسرائيلي داخلي، وكمجرد أفراد. وهذا عملياً كان خطر أوسلو، إذ بدا كأننا تُركنا بمفردنا للتعامل مع إسرائيل. وجاء مشروعنا ليؤكد أننا جزء من شعبنا وأن قضيتنا في الداخل ليست مسألة مساواة (دون توضيح أي مساواة مقصودة)، ومن دون قضايا الإدارة الذاتية ثقافياً والمصالحة التاريخية، والاعتراف بأننا كأقلية أصلانية لها حقوق جماعية. بعد "التجمّع" أصبح لدينا الآن شيء اسمه "مسألة الفلسطينيين في الداخل" وهذا أكثر ما يزعجهم.

أخيراً كيف ترى نتائج هذه المواجهة مع السلطة وقدرة "التجمّع" على التصدي لها؟
هذه المواجهة لن تكون سهلة ومع ذلك أرى أن الحزب سيخرج منها منتصراً، وستزيد من صلابته، خصوصاً في ضوء هذا الكم الكبير من الكوادر الشابة التي تنضم إلى الحزب باستمرار. وأنا على يقين أن الحزب سيخرج منتصراً من هذه المواجهة، وأن هذه الحملة ستفشل كسابقاتها. بل إنها ستتيح لـ"التجمّع" أن يعزز صفوفه ووحدته الداخلية، وأن يزيد من تكتله ومن تحسين أدائه السياسي في المجتمع الفلسطيني في الداخل، ومن أدائه ومكانته البرلمانية داخل القائمة المشتركة.
نحن نعمل بجهد كبير وكخلية نحل لمواجهة هذه الحملة، فبعض الرفقاء يعمل من البيت وعلى حساب وقته الخاص، وبعضهم الآخر ينسق النشاطات التضامنية، وآخرون يتواجدون في المحاكم لمؤازرة المعتقلين. نحن نخوض مواجهة شرسة لكننا واثقون بأنفسنا وبحزبنا، وبوقوف شعبنا إلى جانبنا والتفافه حولنا، وهذا كله مع تضامن مختلف التيارات والأحزاب العربية معنا يقوي من عزيمتنا وتصميمنا.