حبس أنفاس في واشنطن بانتظار قرارات داخلية وخارجية

13 ابريل 2018
صعّد ترامب الموقف ضد سورية (Getty)
+ الخط -


على غلاف عدد مجلة تايم الأخير، صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب يغالب فيها أنواء عاصفة بحرية غارقاً في مياهها حتى أذنيه. الصورة ليست مرآة لحالة رئاسته فقط، بل أيضاً تعبير صارخ عن واقع الحال في واشنطن الغارقة هي الأخرى في محاولات الإنقاذ والكبح للبيت الأبيض، وضبط تقلّبات مواقفه وتصوّراته ولملمة آثارها قدر الإمكان.

ورشة كبيرة يشارك فيها الكونغرس وبعض أركان الإدارة ومصانع الرأي والعديد من المسؤولين السابقين الذين شغلوا مواقع سياسية ودبلوماسية وعسكرية واستخباراتية. يحرك كل أطرافها الخوف الحقيقي من خطر الوقوع في أزمة عاتية داخلية أو خارجية وربما الاثنتين معاً.

حتى الآن نجحت المساعي والضغوط في ضبط الاندفاع في هذا الاتجاه، إذ جرى تجميد قرارات كان من شأنها فتح الوضع على الأسوأ والأخطر. لكن التجميد لا يلغي احتمالات التفجير التي ما زالت قائمة أو مؤجلة.

في الشق الداخلي، تعاطى الرئيس هذا الأسبوع مع ملف التحقيقات الروسية بصيغة استحضرت تصرف الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون مع فضيحة ووترغيت. لوّح جدّياً باتخاذ نفس الإجراءات التي لجأ إليها سلفه، للتخلّص من المحقق الخاص روبرت مولر.

وصول تحقيقات هذا الأخير إلى محطة مفصلية تهدد بامتداد النار إلى البيت الأبيض حرّكه باتجاه لعب هذه الورقة، بالرغم من محاذيرها. يراهن، على ما يبدو، على اضطرار الجمهوريين في الكونغرس إلى حمايته إذا ما تفاقمت الأزمة بخلع مولر.

لتطويق مثل هذا الاحتمال المرجّح، طرح المحذرون من الحزبين في مجلس الشيوخ مشروع قرار "لحماية المحقق" وضمان استمراره في مهمته. لكن صدور هذا التشريع تلزمه أيام في أحسن الحالات، قد يقدم خلالها ترامب على خطوة الإقالة، خاصة أن فريقه في الإعلام مثل فوكس نيوز وفي صفوف المحافظين، يحرضه على الإسراع وقبل فوات الأوان في الخلاص من المحقق. من بينهم مستشاره السابق ستيف بانون، الذي ذكرت واشنطن بوست أنه يدفع بقوة في هذا الاتجاه.

رافق التحذيرات تنامي خطاب احتمال "عزل الرئيس" عبر الكونغرس. وخشية البيت الأبيض من أن يخسر الجمهوريون الأكثرية في مجلس النواب في انتخابات الكونغرس أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. مجيء الديمقراطيين إلى هذا الموقع يزيد من احتمالات العزل، على أساس أن مجلس النواب هو المعني بفتح محاكمة الرئيس إذا ما وصلت الأمور إلى هذا الحد بحكم التحقيقات.

وزاد من هذه المخاوف أن رئيس مجلس النواب بول راين أعلن أمس عن عدم ترشحه لخوض الانتخابات، خوفاً من "الفشل"، كذلك "لعدم ارتياحه" للتعاون مع الرئيس ترامب. انسحابه رأى فيه المراقبون إشارة مبكرة على خسارة متوقعة للجمهوريين في الانتخابات. بالتزامن مع التهاب التحقيقات وتزايد خطرها، صعّد الرئيس الموقف ضد سورية. هدّد بالمحاسبة على الكيميائي، ثم لوّح بالصواريخ "الذكية" ليشمل موسكو بتهديده. 

بالنهاية انحرف كالعادة، بعد جلسة طويلة مساء أمس مع وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي يدير الدفة الخارجية في الوقت الراهن والذي أوحى تصريحه بأن العملية غير واردة الآن. هي في الواقع لم تكن واردة في حسابات الرئيس إلا من باب ما قد تثيره من غبار ليحجب به خطوته ضد مولر، التي يوظف سائر خطواته في خدمتها.


ويتردد أن البنتاغون حذر البيت الأبيض من "ما بعد الضربة"، التي ينصح وزير الدفاع السابق ليون بانيتا بضرورة أن تكون أي عملية عسكرية "من ضمن استراتيجية" متماسكة تجاه سورية، وإلا فإن اللجوء إليها يبقى من دون مفعول.

على قاعدة هذه الحيثية، تراجع الرئيس على ما بدا من تغريدته صباح اليوم. واجتمع مع فريقه للأمن القومي مساء "لمتابعة البحث في القرار السوري"، الذي حمل كلام ماتيس إلى ترجيح تعليقه.

هذا التعامل المعلق مع أزمتين من العيار الوازن وضع، وما زال، واشنطن في حالة حبس أنفاس خانق، لأنه لا ضمانة ضد مفاجآت البيت الأبيض. خاصة في موضوع مولر الذي يشير التصعيد إلى أن الرئيس يعتزم التعامل معه بطريقة نيرونية.

المساهمون