رئاسيات أوكرانيا: بوروشنكو مهدّد بالسقوط وزيلينسكي مستعدّ للمفاجأة

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".
31 مارس 2019
B878C276-CF4B-46C6-803E-68430AE6D6F9
+ الخط -
على عكس الهدوء النسبي السائد في الدول السوفييتية السابقة في أوروبا الشرقية، مثل ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا وبيلاروسيا ومولدوفا، فإن أوكرانيا اعتادت منذ استقلالها عن روسيا (1991) على عدم الاستقرار. الأسباب كثيرة لكنها متصلة بشكل رئيسي بالتنازع الروسي والأوروبي والغربي عليها، الذي دخل مرحلة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة بلغ حدّ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، وإشعال التوتر في الشرق الأوكراني، في إقليمي دونيتسك ولوغانسك، أي في حوض دونباس بين انفصاليين من جذور روسية والجيش الأوكراني، لتشهد العلاقة توتراً يستمر إلى اليوم، ويفرض نفسه على الانتخابات الرئاسية المقررة اليوم الأحد.

صحيح أن الانتخابات يشارك فيها 39 مرشحاً، لكن التنافس فيها لن يخرج عن 3 أسماء رئيسية: "أميرة الغاز" يوليا تيموشنكو، و"ملك الشوكولا" الرئيس الحالي بترو بوروشنكو، و"الممثل الساخر" فولوديمير زيلينسكي. وفيما تشير استطلاعات الرأي إلى أنه لا أحد سيتمكن من تجاوز نسبة الـ50 في المائة من الجولة الأولى، فإن الحسم سيكون على الأرجح في الجولة الثانية المقرر أن تجرى في 21 إبريل/ نيسان المقبل، بين المرشحين اللذين سيتصدّران الجولة الأولى اليوم. ويحقّ لنحو 34.544.993 مليون شخص الاقتراع، غير أن 12 في المائة (نحو 4.146.400 ملايين شخص) منهم لن يكون في وسعهم ذلك، في الشرق والقرم. سيراقب الانتخابات 2344 مراقباً من 17 دولة و19 منظمة، فضلاً عن 139 منظمة أوكرانية غير حكومية.

وفرضت التطورات في أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة نفسها على الحملات الانتخابية، إذ رفع المرشحون الثلاثة شعار "التواصل مع روسيا من الندّ للندّ"، غير أنهم لا يملكون الوسائل الفعلية لفعل ذلك. وبينما يراهنون على عاملين هما الضغط العسكري على إقليم دونباس وتوحيد الداخل الأوكراني في هذا السياق، إلا أن تحقيق هذا الأمر صعب في بلاد لم تهدأ منذ التسعينيات. ففي ظلّ غياب التأسيس الحقيقي لمرحلة ما بعد الاستقلال عن موسكو، فإن كييف، وبقيادة ليونيد كوتشما (1994 ـ 2005)، أسست لمرحلة تداخل فيها الفساد مع صراعات النُخب والقوميين في ظلّ غياب الوضوح في السياسة المالية والخارجية، ما أدى إلى وضعٍ غير مستقر في الداخل وتنازع دولي عليها، مدفوعاً بمحفزات عديدة منها جيوسياسية متصلة بأنابيب الغاز الروسية التي تمرّ من أوكرانيا إلى أوروبا، ومنها سياسية ـ اجتماعية ـ تاريخية، متصلة بأدوار الأقلية الروسية في أوكرانيا، وتاريخيّة شبه جزيرة القرم في العقل الروسي، والأوليغارشية المتفلّتة في كييف. 

يوليا تيموشنكو
تيموشنكو أشهر من نار على علم، فقد رافقت كل مراحل الدولة الأوكرانية المعاصرة، بدءاً من تحالفها مع كوتشما، وصولاً إلى انقلابها عليه، ثم تحالفها مع فيكتور يوتشنكو، أحد أبرز وجوه "الثورة البرتقالية" شتاء 2004 ـ 2005. تيموشنكو معروفة بكونها "براغماتية" في ظلّ عملها التجاري مع زوجها أوليكساندر في قطاعات عديدة، الغاز خصوصاً. وتولّت منصب رئاسة الوزراء لفترة قصيرة في عام 2005. وساهمت في مرحلة رئاستها الثانية للحكومة (2007 ـ 2010)، في الاتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي "أثنى عليها"، مشدّداً على أنه "مرتاح للتعامل معها ولخياراتها السياسية".

تيموشنكو ليست أوليغارشية بالمعنى الحرفي، بقدر ما أنها قنّاصة فرص. وبما أن الفرص تنعدم أحياناً، فقد سُجنت بتهمة "الاختلاس وإساءة استعمال السلطة" في عام 2011، بناءً لحكم صادر بحقها لمدة 7 سنوات، قبل الإفراج عنها في ربيع 2014، إبّان التظاهرات الأوكرانية "يوروميدان" في كييف، لا بل إن المحكمة اعتبرت أنها "لم ترتكب أي جريمة". اليوم، حظوظ تيموشنكو متقاربة مع بوروشنكو، في خطف بطاقة الجولة الثانية من الانتخابات.

بترو بوروشنكو
إذا كان الرئيس الثالث لأوكرانيا، فيكتور يوتشنكو، قد عانى الكثير مع روسيا، خصوصاً في سياق اتفاقيات الغاز، إلا أن الرئيس الحالي بترو بوروشنكو، واجه تحديات أكثر من غيره مع روسيا لأسباب عديدة. تزامن انتخابه عام 2014 مع ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، واندلاع المعارك في الشرق الأوكراني، في إقليمي دونيتسك ولوغانسك، أي في حوض دونباس بين انفصاليين من جذور روسية والجيش الأوكراني، ثم انهارت اتفاقيتا "مينسك 1" و"مينسك 2"، في بيلاروسيا، اللتان عملت عليهما ألمانيا وفرنسا، مع روسيا وأوكرانيا، لوقف إطلاق النار والبدء بعملية سياسية شاملة. وترافق انتهاء العام 2018 مع حادث في مضيق كيرتش، الفاصل بين البحر الأسود وبحر أزوف المتفرّع عنه، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أدى إلى اعتقال الروس 24 بحّاراً أوكرانياً، وتمديد اعتقال 21 منهم حتى 24 إبريل المقبل. حادث استُتبع بإعلان حال الطوارئ في المناطق الأوكرانية المتاخمة للحدود الروسية وللقرم، التي انتهت بعد نحو 30 يوماً، بفشل بوروشنكو في الضغط للإفراج عن البحّارة، فضلاً عن فشله في تأمين ظهير سياسي ـ اجتماعي داخلي، مؤيد لحرب تحرير دونباس من الانفصاليين، كما فشل في تأمين دعم دولي له لإعلان الحرب على روسيا.

بوروشنكو فشل أيضاً في مكافحة الفساد والأوليغارشيين في كييف، بل تورّط حتى مع "صديقه" أيام الجامعة، الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي، الذي كان قد حصل على الجنسية الأوكرانية، وعُيّن حاكماً لإقليم أوديسا. استقال ساكاشفيلي من منصبه وبدأ باتهام بوروشنكو بـ"الفساد". بناءً عليه، قام الأخير باعتقاله وسحب الجنسية الأوكرانية منه. الفساد عنوان كبير في أوكرانيا، ومع أن بوروشنكو أسس مكتباً لمكافحته، وفقاً لتوصيات صندوق النقد الدولي في عام 2014، غير أن الأمر لم يسر على ما يرام، فمن أصل 189 قضية رُفعت من المكتب إلى المحاكم، فإنه لم تتمّ مواصلة أي منها. في عهد بوروشنكو أيضاً، قطعت الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية علاقتها مع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، في أكبر انشقاق كنسي منذ قرون. بوروشنكو، صاحب أكبر شركات السكاكر في أوروبا الشرقية، روشن، بات في وضع خطر سياسياً، فحظوظه موازية لفرص تيموشنكو، ومن المؤكد أن أحدهما سيعبر للجولة الثانية.

فولوديمير زيلينسكي
فولوديمير زيلينسكي ممثل ساخر، صعد فجأة إلى المسرح السياسي الأوكراني. وفي وقتٍ كان البعض يتوقع مستقبلاً زاهراً لرئيس الوزراء السابق أرسيني ياتسينيوك، كان لافتاً عزله في عام 2016، ثم تأكيد الفراغ القيادي في البلاد أو أقله لدى المعارضين، ما أتاح لزيلينسكي فرصة البروز لاحقاً. زيلينسكي يُعتبر محظوظاً للغاية، فهو عمل على تأسيس استديو "كفارتال 35" لإنتاج الأفلام مع رفاقٍ له عام 2003، ويُعدّ من أشهر الممثلين في أوكرانيا. شارك في الكثير من الأفلام والمسلسلات، وآخرها مسلسل "خادم الشعب"، الذي يتحدث عن "مواطن عادي يصبح رئيساً لأوكرانيا". بوشر بثّ المسلسل في مارس/ آذار 2018، على قناة "1+1" الأوكرانية، المملوكة من الملياردير الأوليغارشي إيغور كولومويسكي. وهو أوكراني يهودي، يعيش حالياً في إسرائيل. 

كولومويسكي، الذي يدير عملياً معركة زيلينسكي، معروف بعدائه الشديد لروسيا، كما أنه على صدامٍ مع معظم أوليغارشيي أوكرانيا، في سياق الحروب الداخلية في ما بينهم على النفوذ والسلطة. وعبر مصرف "بريفات بنك" الذي أسسه عام 1992، فإن كولومويسكي تمكّن من السيطرة على شركات خطوط جوية عديدة، حتى إنه قام بـ"استعراض" مسلّح عام 2006، حين سيطر مع زمرة خاضعة له على مصنع حديد في مدينة كريمنشوك. ومن خلال وجوده تحت ظلال الإسرائيليين، فإنه يمكن له العمل على تأسيس مسار جديد في سياق العلاقة مع روسيا، سواء مسار متشدد أو مسار ليّن. خصم كولومويسكي، الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، الرجل الذي زكّى بوتين لرئاسة الوزراء في روسيا في التسعينيات، اتهم كولومويسكي بالخيانة، وبسرقة ملايين الدولارات منه، في واقعة استدعت تدخل بوتين الذي ساند أبراموفيتش، الموجود في إسرائيل أيضاً. 


دلالات

ذات صلة

الصورة
قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود فيكتور سوكولوف-ألكسي بافليشاك/رويترز

سياسة

ظهر قائد الأسطول الروسي في البحر الأسود فيكتور سوكولوف، الذي أعلن الجيش الأوكراني، أمس الاثنين، أنه قتله الأسبوع الماضي، وذلك في صور وزّعتها وزارة الدفاع الروسية، اليوم الثلاثاء.
الصورة

سياسة

تعد محطة نوفا كاخوفكا الكهرومائية الأوكرانية، الجاري إجلاء السكان من محيطها بعد تدمير سدها الليلة الماضية، الدرج السادس (الأسفل والأخير) من سلسلة المحطات الكهرومائية على نهر دنيبرو، وهي واحدة من أهم عناصر منظومة الطاقة الموحدة في أوكرانيا.
الصورة

سياسة

ليس من السهولة بمكان تفكيك الأيديولوجيا التي تغذّي الصراع بين الغرب وروسيا. في العهد السوفييتي اقترحت موسكو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) الناشئ، اليوم، في زمن ما بعد الشيوعية، لا تبدو الاختلافات جذرية إلى درجة تبرر الحرب الوجودية.
الصورة
إيرينا فيسوتا جرماني/أوكرانية في لبنان (حسين بيضون)

مجتمع

تتحدث الأوكرانية إيرينا فيسوتا جرماني، إلى "العربي الجديد"، عن تجربة عيش الحرب "عن بعد"، بعد مرور سنة على غزو بلادها من "الجارة" روسيا.