وقالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، إنه بعد جولات من المفاوضات المضنية والشاقة بين وزراء الخارجية والموارد المائية في مصر والسودان وإثيوبيا برعاية الولايات المتحدة الأميركية ومشاركة البنك الدولي، صدر بيان مشترك عن الدول الثلاث أشار إلى توصل الوزراء إلى اتفاق حول عدد من النقاط تمثلت في "جدول يتضمن خطة ملء سد النهضة على مراحل، والآلية التي تتضمن الإجراءات ذات الصلة بالتعامل مع حالات الجفاف، والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة أثناء الملء، وكذلك الآلية التي تتضمن الإجراءات الخاصة بالتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة أثناء التشغيل". كما اتفق الوزراء، بحسب بيان الخارجية، على أهمية الانتهاء من المفاوضات والتوصل إلى اتفاق حول آلية تشغيل سد النهضة خلال الظروف الهيدرولوجية العادية، وآلية التنسيق لمراقبة ومتابعة تنفيذ الاتفاق وتبادل البيانات والمعلومات، وآلية فض المنازعات، فضلاً عن تناول موضوعات أمان السد وإتمام الدراسات الخاصة بالآثار البيئية والاجتماعية لسد النهضة.
وذكرت الخارجية المصرية أن الوزراء المجتمعين قاموا بتكليف اللجان الفنية والقانونية بمواصلة الاجتماعات في واشنطن من أجل وضع الصياغات النهائية للاتفاق، على أن يجتمع مجدداً وزراء الخارجية والموارد المائية بالدول الثلاث في واشنطن يومي 12 و13 فبراير/شباط 2020 من أجل إقرار الصيغة النهائية للاتفاق تمهيدا لتوقيعه بنهاية فبراير/شباط 2020. وفي اعتراف بالفشل، أوضحت الخارجية أن الجانب الأميركي أعد وثيقة اتفاق حول الموضوعات الثلاثة المشار إليها، وقد قامت مصر فقط بتوقيعها في نهاية الجلسة.
وقال مصدر دبلوماسي مصري، لـ"العربي الجديد"، إن اليوم الثالث من هذه الجولة انقضى من دون التوصل لاتفاق. ولفت المصدر إلى أن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين ومساعديه استمروا في الضغط على أطراف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق كامل ينهي المفاوضات نهائياً، أو على الأقل لمسودة اتفاق كامل يمكن دعوة القيادة السياسية في الدول الثلاث إلى واشنطن لتوقيعه.
من جهتها، ذكرت مصادر في وزارة الري المصرية، شاركت في الاجتماعات الفنية الأخيرة في الخرطوم، إن 3 مواضيع رئيسية، كانت تدور خلافات حولها، أولها المعايير الرقمية لاتخاذ هذه التدابير بهيدرولوجيا النيل الأزرق والجدول الزمني للملء الأول للسد، وثانيها طبيعة التدابير الواجب اتخاذها في فترات الجفاف، وثالثها وضع آلية تنسيق فعالة ودائمة لفض المنازعات. وأضافت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن إثيوبيا دخلت جولة واشنطن، التي كان يُفترض أن تكون حاسمة، متمسكة بوضع جدول زمني محدود للغاية، لا يزيد على 7 سنوات لملء السد بشكل كامل ومستديم، لإنتاج أكبر قدر من الكهرباء والحفاظ على وتيرة الإنتاج في الفترة بين صيف 2021 وخريف 2026 على أقل تقدير.
وأوضحت المصادر أن "السودان لم تكن لديه مشكلة في قبول الطرح الإثيوبي، ويرى أنه محكوم بالاتفاق على الملء في أشهر الفيضان فقط، لكن القاهرة قلقة من عودة أديس أبابا للملء من دون ضوابط في أي مرحلة لاحقة بحجة سيادتها المطلقة على السد. وبالتالي كانت لا تزال ترفض ربط مسألة الملء بعدد معين من السنوات، وتحاول استمالة إثيوبيا لموقفها بالقول إنه لا توجد لدى القاهرة مشكلة في الملء السريع حتى ولو خلال فترة أقل من 4 سنوات، طالما لا تتأثر مناسيب المياه في السدود الأخرى، والمقصود بها بالطبع السد العالي بأسوان".
وكانت المصادر قد ذكرت في تصريحات سابقة، لـ"العربي الجديد"، حول التقارب الإثيوبي السوداني، أنه كان هناك اتفاق في واشنطن بين الطرفين على ضرورة إبقاء منسوب المياه في بحيرة سد النهضة أعلى من 595 متراً فوق سطح البحر، لتستمر قدرته على إنتاج الكهرباء، وهو أمر رفضته مصر لأنه غير عادل، إذ انخفض مقياس المياه في بحيرة ناصر عن 165 أو 170 متراً، وهو ما حاولت المناقشات الفنية التوصل لحل بشأنه، لتطبيق البند الرابع من الاتفاق التمهيدي الذي تم التوصل إليه في واشنطن الأسبوع الماضي، والذي ينص على ملء البحيرة بعد إتمام الملء الأول، والوصول للمنسوب المطلوب لتوليد الكهرباء على مراحل، تبعاً لظروف هيدرولوجيا النيل الأزرق ومستوى بحيرة السد، وذلك للحفاظ على وتيرة وصول المياه للسودان ومصر، من دون تحديد المنسوب المقبول في البحيرة مستقبلاً، أو حتى المنسوب الذي يجب الحفاظ عليه في الخزانات الأخرى.
وفشلت اجتماعات اللجان الفنية والقانونية بين الدول الثلاث، التي انعقدت في الخرطوم، في حل أبرز المشاكل التي كان من المقرر التوصل إلى حلول نهائية بشأنها، قبل جولة التفاوض الحالية في العاصمة الأميركية. وفشلت اجتماعات واشنطن السابقة في حسم ثلاث مشاكل أساسية: أولاها استمرار عدم الاتفاق على آلية واضحة لوقاية مصر من الأضرار في فترات الجفاف بإرجائها لمفاوضات لاحقة، والثانية استمرار الخلاف حول طبيعة آلية التنسيق التي كان من المقرر أن يتم التوافق عليها بحلول منتصف الشهر الحالي، بحسب البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2019، وذلك في ظل إصرار أديس أبابا على حقها السيادي المطلق في إدارة السد. أما المشكلة الثالثة فهي الفشل في الاتفاق على آلية محددة لحسم النزاعات، بما في ذلك العجز عن التوافق على تفعيل المادة العاشرة من اتفاق المبادئ، والتي تنص على أن يتم الاتفاق بين الدول الثلاث على تسوية النزاعات الناشئة عن خلاف في تفسير أو تنفيذ الاتفاقية، ودياً، من خلال استدعاء طرف رابع للتوفيق أو الوساطة، أو إحالة المسألة للنظر فيها من قبل رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات.
واتفق وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث، في جولة واشنطن السابقة، على 6 نقاط أساسية، للبناء عليها لإنتاج اتفاق نهائي. وعلى الرغم من أهميتها واعتبار البيان أنها تمثل "تقدماً محرزاً على صعيد النقاشات الفنية"، إلا أنها ليست حاسمة للشواغل الرئيسية لمصر في ما يتعلق بالتدابير الواجب اتخاذها في فترات الجفاف، بل إنها تضمن للإثيوبيين الوصول بمستوى المياه في بحيرة السد إلى 595 متراً فوق سطح البحر، بشكل سريع، بما يساعد على التوليد المبكر للكهرباء.