النجف تنجح في إبطاء الحراك الإيراني الأميركي

27 سبتمبر 2018
المفاوضات مستمرة لتأمين خليفة للعبادي (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

للمرة الأولى منذ الأزمة السياسية بين القوى الشيعية في العراق عام 2010، تدخل المرجعية الدينية في النجف على خط الأزمة الحالية المحتدمة في البلاد منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، عقب إ جراء الانتخابات التشريعية العامة، التي شابتها عمليات تزوير وتلاعب كبيرة، وصولاً إلى عقبات اختيار الحكومة الجديدة وباقي المناصب السيادية بالبلاد. وللأسبوع الثاني على التوالي تتواصل زيارات قيادات سياسية عراقية مختلفة إلى النجف، بينها شخصيات وزعامات سنية وكردية للقاء ممثلين عن المرجع الديني علي السيستاني، الذي بدا أن نجله الأكبر محمد رضا السيستاني، أكثر حضوراً في محاولات تقريب وجهات النظر بين الزعامات السياسية خصوصاً بين مقتدى الصدر وهادي العامري.

بعد زيارات لرئيس البرلمان الجديد محمد الحلبوسي ونيجيرفان البارزاني وعمار الحكيم وهادي العامري، وأخيراً المرشح لرئاسة الجمهورية برهم صالح، عادت النجف مجدداً إلى واجهة الأحداث، لكن هذه المرة كوسيط بين القوى السياسية خصوصاً الشيعية. ويصف ذلك أحد المقربين من الحوزة العلمية في النجف، بأن "المرجعية الدينية نجحت في إبطاء حركة الإيرانيين والأميركيين الساعين لفرض أجندتهم على الحكومة، وتعمل حالياً على تقريب وجهات النظر، لكن بنفس الوقت تصرّ على حكومة خدماتية تنهي أزمات الكهرباء والماء والفقر والبطالة، وقبل كل شيء تصل بالبلاد إلى مستوى أمني مستقر".

مسؤول عراقي رفيع في بغداد تحدث عن أن "دخول المرجعية الدينية على خط الأزمة يأتي لمنع أي تطور يخرج التنافس الحالي عن إطاره، ويحوّله إلى صراع قد يمتد إلى مسلّح، بسبب وجود فصائل مسلحة بالحشد الشعبي داخل البرلمان". وأضاف أنه "حالياً إن جهود المرجعية هي في تقريب وجهات النظر، وهي بشكل عام مع حكومة لا تقصي الصدريين ولا الفتح، لكن بشرط رئيس وزراء جديد غير مجرب ومشهود له بالاستقلالية والكفاءة". وكشف عن أن "المرجع علي السيستاني أوقف مساعي لكتل سياسية مدعومة من إيران لتشكيل حكومة، بعيداً عن تحالف سائرون بزعامة الصدر"، معتبراً أن "ذلك غير منصف ويبعد العراقيين عن صناديق الاقتراع بالمرات المقبلة".

وأكد النائب منصور البعيجي أن "المرجعية لديها توصيات لرئيس الوزراء المقبل أن يكون غير متحزب وغير مجرب سابقاً وقوي تجاه ملفات الفساد والخدمات. وأعتقد أن كل الكتل السياسية ملزمة بالتوصيات الحالية، وإذا رفعت مرجعية النجف يدها عن السياسيين، فإن الأحزاب الحالية لن تصمد أمام التظاهرات والشعب الناقم على الوضع الحالي".

وبيّن في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "توجه السياسيين للنجف لحلّ الأزمة الحالية، غير أن المرجعية لا تتدخل بالتفاصيل وانما تعطي خطوط حلّ عريضة كي تكون هناك حكومة ناجحة جديدة كونها غير راضية عن أداء كل الحكومات السابقة والحالية"، مشدّداً على أن "النجف لم تدعم أي جهة أو طرف سياسي على آخر حتى الآن".



وحول تدفق القيادات السياسية على النجف أكد النائب عبد السلام المالكي، في تحالف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، لـ"العربي الجديد"، أن "التدافع والخلافات الحالية لن يكون أي طرف قادر على حلها سوى النجف". وأضاف أن "المرجعية هي من حددت الحكومة المقبلة، عندما حددت صفات رئيس الوزراء المقبل وأعتقد أن هناك قناعة لدى الزعامات السياسية بأن من يذهب بعيداً عن النجف سيخسر".

في هذه الأثناء تسرّبت معلومات من داخل المنطقة الخضراء ببغداد عن وجود مخاوف لدى الأوساط السياسية كافة من قرارات ارتجالية اتخذها رئيس الوزراء حيدر العبادي، بعد التأكد من ابتعاده عن الولاية الثانية له، من بينها قرارات تتعلق بملفات كبيرة من أبرزها فساد صفقات التسليح وسقوط الموصل ومن المرجح أن تطاول قيادات بارزة في المعسكر الآخر المناوئ له.

وعلّق قيادي في تحالف النصر، بقيادة العبادي على تلك المعلومات بالقول إنها "غير بعيدة عن الواقع"، في إشارة إلى أنها "تتضمن معلومات صحيحة". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك ملفات عدة ستحول للقضاء خلال أيام وهي معدة منذ أسابيع في مكتب رئيس الوزراء قبل أن يكون هناك أي مؤشرات على استبعاده من قائمة المرشحين للحكومة العتيدة"، مبيناً أن "عدداً من الملفات تتعلق بقضايا فساد مبالغ ضخمة يتورط بها مسؤولون سياسيون".

وحول ما توصلت إليه المفاوضات بين الكتل الشيعية، قال عضو التيار المدني العراقي علي الكعبي لـ"العربي الجديد"، إن "هناك مفاوضات ولقاءات مستمرة بين أقطاب المعسكرين، فخلال أيام قليلة شهدنا اجتماعات علنية بين حيدر العبادي ونوري المالكي وكذلك عمار الحكيم ومقتدى الصدر مع هادي العامري ونوري المالكي وقيادات أخرى، لذا هناك استسلام بحقيقة أن الحكومة المقبلة ستكون توافقية بين المحورين". وبيّن أن "الإيرانيين أذكى من أن يقدموا رئيس وزراء متقاطعاً تماماً مع الأميركيين لكنهم بنفس الوقت ضمنوا أن أي مرشح للمنصب لن يكون ذا نزعة مضادة لإيران داخل العراق، ويحاول أن يساير البلاد لأربع سنوات أخرى على نفس الحال".

واعتبر أن "اجتماعات ولقاءات مع قيادات سياسية عراقية مختلفة خلال الأيام الماضية كلها تتحدث عن رئيس وزراء توافقي بين الأميركيين والإيرانيين وهو ما سيحصل". وختم أن "مراهنة الأميركيين على إخراج الإيرانيين من العراق أو إضعاف نفوذهم خلال الفترة الحالية غير ممكنة، رغم كونه مطلبا عراقيا شعبيا، إلا أنه مشروع يحتاج لأكثر من ماكغورك"، في إشارة إلى المبعوث الأميركي في العراق بريت ماكغورك.



المساهمون