جاء تجديد وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، دعوته الأطراف التي فجّرت الأزمة الخليجية إلى التحرّك باتجاه العثور على مخرج لها "لأنّنا نريد توجيه جهودنا نحو محاربة داعش" على حدّ تعبيره، موجَّهاً ضمناً، وبالتحديد، إلى الثنائي السعودي - الإماراتي، ونسخة مكثفة، ولو بلغة دبلوماسية، لكلام المتحدّثة الرسمية في الخارجية، قبل يومين.
موقف استوقف المراقبين واستأثر بمساحة ملحوظة من الاهتمام والأضواء في واشنطن، من زاويتين: أولاً لأنّه يشكّل انعطافة حادة في موقف الخارجية، وبالذات الوزير تيلرسون من السعودية خاصة. وثانياً لأنّه يصطدم بموقف الرئيس دونالد ترامب الذي يميل بوضوح إلى صفّ خصوم قطر في هذه الأزمة، بل هو مشارك فيها، حسب بعض القراءات، من خلال موقفه أثناء زيارته للسعودية، والذي لعب دور الضوء الأخضر للتفجير.
ويعزو مراقبون خروج تيلرسون عن خط البيت الأبيض إلى عدة أسباب؛ على رأسها الاعتقاد السائد لدى أوساط أميركية وازنة، ومنها تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس، بأنّ السعودية تعمل على جرّ واشنطن وتسخير ثقلها الراجح، من خلال توظيف تعاطف الرئيس ترامب معها، في خدمة أجندتها الإقليمية، وفي القلب منها المواجهة مع إيران.
وهذه محاولة مرفوضة من جانب واشنطن، أو على الأقل من جانب وزارتي الخارجية والدفاع، وقسم كبير من الكونغرس. والمعروف أنّ في هذا الأخير تيارا مؤثرا بدأ يُعرب عن اعتراضه على صفقة السلاح مع السعودية، بالرغم من مغرياتها المالية.
والأسبوع الماضي، كادت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، تصوّت على منع صفقة تسليح بسيطة للمملكة بقيمة 500 مليون دولار مقررة سابقاً، إلا أنّ البيت الأبيض اضطر إلى التدخّل عبر نائب الرئيس، مايك بنس، للحيلولة دون إسقاطها في اللجنة.
ويذكر أنّ صفقة المائة مليار دولار الشهيرة، ينظر إليها كثيرون من العارفين في واشنطن، ومنهم الخبير بروس رايدال من مؤسسة "بروكنغز" للدراسات والأبحاث، على أنّها ليست أكثر من "حبر على ورق" في آخر المطاف.
أما السبب الآخر في ارتفاع نبرة الخارجية، فهو أنّ الجانب الخليجي "خذله"، إذ وعد بطرح مطالبه بصورة جدية، وعقد اجتماعات في واشنطن بحضور الوزير مطلع هذا الأسبوع.
أخذ تيلرسون بالوعد، وألغى زيارة إلى المكسيك، ليبقى في واشنطن ويساعد على حسم الموضوع الذي "وضعه في قائمة أولوياته"، بعد أن فوّضه الرئيس ترامب التصرّف بشأنه، لكنّه اكتشف فجأة، مساء الإثنين، و"من خلال اجتماعه مع مسؤول خليجي" لم تفصح الخارجية عن اسمه، أنّ الوعد هراء.
بالإضافة إلى هذا وذاك، ثمة من يربط بين استياء الخارجية الأميركية، وبين التغييرات التي كشفت عنها السعودية في اليوم التالي، باختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد. فالتغيير أثار تحفّظات أوساط أميركية كثيرة، ولأسباب عديدة؛ منها أنّ هذه الجهات كانت تراهن على التركيبة التي قضت عليها التغييرات، خاصة أنّها حصلت بصورة مفاجئة.
يبقى أنّ الإدارة الأميركية لاتزال منقسمة حيال الأزمة الخليجية، لكن موقف وزارة الخارجية بدا المرجّح... في أقلّه حتى الآن.