الموقف التركي من الانسحاب الأميركي: مخاوف من شروط واشنطن

21 ديسمبر 2018
لم يتطرق أردوغان بشكل مباشر للقرار الأميركي(أدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أن قرار الانسحاب الأميركي من سورية، يُفترض أن يزيل عقبة الوجود الأميركي في شرقي الفرات من أمام العملية التركية المتوقعة هناك، ضد الوحدات الكردية ضمن صفوف "قوات سورية الديمقراطية"، إلا أن تركيا قابلت بحذر شديد خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا الأمر طرح تساؤلات كثيرة حول أسباب هذا الموقف التركي، لكن تسريبات من مصادر تركية كشفت أن القرار الأميركي الذي جاء من دون تنسيق مع الأطراف المعنية، قد يؤدي إلى صراعات إضافية، كما أنه قد يتسبّب بتأخير العملية التركية شرقي الفرات، خصوصاً في ظل مخاوف من أن تطلب واشنطن من أنقرة تأجيل العملية ريثما يتم الانتهاء من سحب الجنود الأميركيين، وهي مدة تصل إلى نحو ثلاثة أشهر.

وبدا الحذر التركي في تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي استقبل في أنقرة نظيره الإيراني حسن روحاني أمس، إذ لم يتطرق بشكل مباشر إلى هذا القرار، مع تشديده على أن "بلاده لن تتسامح مع أي كيان يستهدف أمن واستقرار بلدنا ومنطقتنا". من جهته، كان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أكد في كلمة أمام القوات التركية في العاصمة القطرية الدوحة، أن "الخنادق والأنفاق التي تم حفرها في منبج وشرق الفرات، لن تقف حائلاً أمام عزم تركيا على القضاء على بؤر الإرهاب هناك"، مضيفاً: "فليدخلوا إلى باطن الأرض إذا شاؤوا، عندما يحين الوقت المناسب، حتماً سيتم دفن هؤلاء الإرهابيين في خنادقهم".

واتخذ الخبر الأميركي حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام التركية، وأجمعت المصادر التركية على أن القرار كان مفاجئاً، بدايةً، ولكنه يرتبط بموضوع الاتصالات المكثفة بين البلدين، خصوصاً بين أردوغان وترامب، إذ إن سياسة ترامب منذ البداية كانت إلى جانب الانسحاب من سورية.
وفي الوقت ذاته، كشفت وكالة "الأناضول" التركية، عن بدء عمليات انسحاب شاحنات تقل آليات ومعدات عسكرية أميركية من شمال شرقي سورية باتجاه شمال العراق. وأفادت الوكالة بأن عشرات الشاحنات، المحمّلة بمعدات عسكرية أميركية، غادرت ليل الأربعاء-الخميس، مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية، وبلغت نحو مائة شاحنة، بعضها مغلق، وبعضها الآخر يحمل صهاريج وآليات حفر وكاسحات ألغام، توجّهت إلى معبر سيمالكا الحدودي عائدة إلى العراق، وذلك بعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع الأميركية بدء عودة القوات الأميركية من سورية.

وتحدثت المصادر التركية أيضاً عن أن "القرار الأميركي أسفر عن سرعة إرسال الحشود العسكرية التركية إلى المناطق الحدودية، ويتم الحديث عن منطقة تل أبيض السورية كميدان عمل عسكري يكون البدء منها محتملاً، لأنها تتألف من غالبية عربية وعشائرية، وأسهل جغرافياً، على عكس مدينة عين العرب التي تكتسب رمزية دولية حالياً".

في المقابل، قالت مصادر تركية مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن "هناك مخاوف تركية من أن عدم التنسيق مع أنقرة في موضوع الانسحاب، قد يفتح المجال لصراع مع أطراف أخرى، خصوصاً روسيا وإيران، ويتطلب بذل جهود كبيرة من قبل أنقرة لإقناع موسكو بالمشاركة في عمليات شرق الفرات"، مذكرة بكلام أردوغان عن اعتزامه قتال "داعش" إذا كانت أميركا عاجزة عن ذلك.


من جهته، قال مسؤول أمني تركي متقاعد، لـ"العربي الجديد"، رفض نشر اسمه، إنه "من الواضح أن ترامب لم يستشر أبداً لا مستشاره للأمن القومي، ولا الخارجية ولا البنتاغون، في قراره، وهذا ما بدا نتيجة ردود الفعل عليه؛ فقرار ترامب شخصي من دون تقييم، لذا يجب توخّي الحذر في مقاربة الأمر، ففي العراق قالوا إنهم سينسحبون، ولكن هناك نحو 10 آلاف جندي هناك، وأميركا لديها أكبر قنصلية شمال العراق". ولفت إلى أن "روسيا هي أكبر الفرحين بالقرار، لأنها سترتاح شرق الفرات، وكذلك إيران والنظام السوري أيضاً، هذا سيكون نصراً لهذه الأطراف، إضافة إلى تركيا"، متسائلاً: "هل ستسمح أميركا بفوز هذه الأطراف، وهل ستتحمل مخاطر التخلي عن وحدات حماية الشعب، وما مصير قوات التحالف الدولي، وبريطانيا وفرنسا تحديداً؟".

واعتبر المسؤول الأمني أن "أميركا لن تنسحب فوراً بل على مراحل، وستترك قوة صغيرة مركزية تعمل مع الشركاء المحليين، وهي لديها أساليب أخرى للحفاظ على السيطرة على سورية كما كشفت إسرائيل"، معتبراً أن "التحضيرات التركية الحالية جيدة لعملية شرق الفرات، وانسحاب أميركا يمتد أشهراً، وهو ما يقلل احتمال المواجهة التركية - الأميركية في تلك المنطقة". وعلى الرغم من ذلك، ذهب إلى أن "هناك خطراً من تأخير العملية التركية، بطلب أميركي، بمعنى تأجيل العملية العسكرية التركية إلى حين إتمام الانسحاب الأميركي الكامل، وربما رفض الوحدات الكردية نشر قوات البشمركة السورية".

في السياق، أوضحت مصادر تركية لـ"العربي الجديد"، أن عملية الانسحاب الأميركي ستستغرق قرابة 3 أشهر، وهي فترة طويلة، لذا يجب توخّي الحذر من التصريحات الأميركية، مشيرة إلى أن "الأوراق الأميركية تكثر مقابل تركيا، خصوصاً في موضوع صواريخ باتريوت، والضوء الأخضر الأميركي لصفقة صواريخ إس 400 الروسية، وهذه الأوراق الأميركية قد تؤدي إلى ابتعاد تركيا قليلاً عن روسيا، لذا سيتوجّب على أنقرة التنسيق مع موسكو أكثر شرق الفرات". وأضافت أن "الانسحاب الأميركي سيكون جيداً من ناحية تركيا لمنع حزب العمال الكردستاني من تعزيز تموضعه في سورية، ولكن من المحتمل أن تستخدم واشنطن الأوراق التي بحوزتها لمطالبة تركيا بالابتعاد عن روسيا وإيران".

وما زاد من الحذر في الموقف التركي، هو تهرب البيت الأبيض من الإجابة على أسئلة كثيرة للصحافيين، وإحالتها إلى بقية المؤسسات، ما جعل من الموقف الأميركي غامضاً، لتُطرح تساؤلات عدة عن إمكان وجود صفقة خلف الانسحاب الأميركي، وحجمها، وسبب التنازلات الأميركية المتتالية، والموقف من إيران مع زيارة روحاني إلى أنقرة، ومصير قضية جمال خاشقجي، وموقف الدول العربية في مواجهة إيران.

مجموعة من الأسئلة التي طرحتها مصادر تركية رسمية وإعلامية، تجعل من الأيام المقبلة مفتوحة على الكثير من المفاجآت غير المتوقعة، خصوصاً في ظل الغضب المسيطر على الوحدات الكردية. وقد يدفع القرار الأميركي بالدول الضامنة في سورية (روسيا وتركيا وإيران) إلى مراكز القيادة لتطوير الخطط لمواجهة التحديات الجديدة، خصوصاً أن شرق الفرات منطقة غنية بالنفط، وهي مطمع لروسيا والنظام، وحتى لإيران، كما تشكّل عمقاً لتركيا في مواجهة الأكراد.