محطات في مسيرة ريما خلف... أردنية فاوضت إسرائيل وصفعتها

18 مارس 2017
لعبت خلف دوراً بمفاوضات السلام الأردنية الإسرائيلية (راتب الصفدي/الأناضول)
+ الخط -




يُسجّل للأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، الأردنية ريما خلف، استقالتها من منصبها، رفضاً للضغوط التي أدت إلى سحب تقرير يصف إسرائيل بأنّها دولة فصل عنصري.

على الرغم من أنّ قرار الاستقالة جاء قبل أيام من انتهاء ولايتها؛ إذ كان يرتقب أن تغادر منصبها في نهاية مارس/ آذار الجاري. كما يأتي بعد محطات من مسيرتها، حيث لم تكن لديها تحفظات على العلاقة مع إسرائيل، خصوصاً يوم لعبت دوراً في مفاوضات السلام الأردنية الإسرائيلية، عندما كانت وزيرة في الحكومة التي وقعت معاهدة "وادي عربة" في العام 1994.

غير أن القرار الأخير الذي قررت أن تختم به عملها في الأمم المتحدة يفرض نفسه، ذلك أنّه يميط اللثام عن الوجه القبيح للأمم المتحدة، ويبيّن بالتجربة العملية هيمنة إسرائيل وحلفائها على المنظمة.

الأربعاء الماضي، أثارت "إسكوا" ضجة مع إصدارها التقرير غير المسبوق الذي حمل عنوان "الممارسات الإسرائيلية نحو الشعب الفلسطيني ونظام الفصل العنصري"، وتألّف من 74 صفحة، إضافة إلى ملحقين، إذ إنّها المرة الأولى التي تتهم فيها وكالة تابعة للأمم المتحدة صراحة، إسرائيل، بالفصل العنصري.

وكما كان متوقعاً، انصاعت الأمم المتحدة لهيمنة إسرائيل وحلفائها، فأصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أمره للأمينة التنفيذية بسحب التقرير، متجاهلاً ما يمثّله من قيمة بحثية منسجمة ومعايير القانون الدولي.

هيمنة إسرائيل على الأمين العام، ومن قبله المنظمة الدولية، لم تنسحب على خلف، فهي وإن رخضعت للأمر ولم تقف في وجه عرقلته، قامت بتوجيه صفعة ستبقى آثارها على وجه الأمم المتحدة ومن خلفها إسرائيل وحلفاؤها، لا سيما وأنّ سحب التقرير سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من الضجة، وهو أمر تعوّل عليه خلف.

سبق أن أغضبت الأمينة المستقيلة، إسرائيل، في العام 2014، عندما طالب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة رون بروس، بإيقافها، مبرّراً طلبه بمواقفها "المعادية لليهود"، لقولها في فبراير/ شباط من ذلك العام إنّ "أشكال الاستباحة الخارجية للحقوق والكرامة العربية تتعدّد، ويبقى أسوأها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان السوري، وأراض لبنانية"، وذلك خلال إطلاق تقرير "إسكوا" الذي حمل عنوان "التكامل العربي: سبيلاً لنهضة إنسانية".

خلف المستقيلة، كانت تدرك أن لا أمل بالتجديد لها في المنصب، وهي تمتلك تاريخاً طويلاً في تقلّد أرفعها، أردنياً ودولياً.

ولدت في العام 1953، وأنهت دراستها الثانوية في عمّان، لتلتحق بكلية الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، وتنال منها في العام 1976 درجة البكالوريوس.

وفيما كان والدها، مطلع السبعينيات، وزيراً للصناعة والتجارة في الحكومة الأردنية، كانت ابنته المأخوذة بالثورة الفلسطينية، تنخرط بالحركة الطلابية في بيروت التي كانت تشهد بدايات الحرب الأهلية.

ويردّد أنّ خلف، وفي لحظة حماسة ثورية، أقدمت على تمزيق جواز سفرها الأردني، لكن تلك الرواية تحاط بكثير من الشكوك، ويقول البعض إنّ الحادثة اختلقت لتسهيل النيل منها.

وبعد حصولها على درجة البكالوريوس، سافرت إلى الولايات المتحدة، والتحقت بجامعة بورتلاند لتحوز منها شهادة الماجستير والدكتوراه في العام 1984، وتلتحق فور عودتها إلى الأردن بالعمل في وزارة التخطيط، حيث لمع نجمها وارتقت سريعاً، وذلك بعد أن خبت حماستها الثورية، وأصبحت مخلفات لماض لا أحد يأتي على ذكره، ما جعل البعض يصفها بالشخصية الانتهازية.

في العام 1993، اختيرت خلف لمنصب وزيرة الصناعة والتجارة، والتي استمرت فيه حتى العام 1995، وبذلك كانت وزيرة في الحكومة التي أدارت مفاوضات السلام مع إسرائيل، ووقعت معاهدة "وادي عربة" التي حضرتها خلف، وكانت ممن ينثر الأحلام حول أثرها على الاقتصاد الأردني، وهو ما لم يتحقق.

بعدها لم تبتعد خلف عن المناصب العليا، فاختيرت لتولي وزارة التخطيط بين العامين 1995 و 1996، واستمرت في المنصب بعد أن شكّلت حكومة جديدة بين العامين 1996 و1997، واختيرت بعدها عضواً في مجلس الأعيان (مجلس الملك)، قبل أن تعود وزيرة للتخطيط بين العامين 1997 و1998.

لكنّ أرفع منصب تقلّدته خلف، كان بين العامين 1999 و2000 حين اختيرت وزيرة للتخطيط، وكانت أول من يشغل منصب نائب رئيس الوزراء في الوقت ذاته، إلا أنّها سرعان ما تركت هذا المنصب، بعد خلافها مع رئيس الوزراء آنذاك عبد الرؤوف الروابدة، بسبب تمسّكها باستقلالية قرارها دون مخالفتها سياسات الحكومة.

تولت خلف منصبين بحكومة عبد الرؤوف الروابدة/أسامة أبو غانم/getty 

انتقلت خلف بعد ذلك للعمل في المنظمات العالمية، فشغلت بين العامين 2000 و2006 منصب الأمين العام في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويذكر لها أنّها، سلّطت الضوء بسلسلة من التقارير، على قضايا جدلية تتصل بواقع الحريات السياسية في العالم العربي، وتردّي واقع التعليم والثقافة، قبل أن تنتقل لمنصب الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، والذي استقالت منه، أمس الجمعة.

يُعرف عن خلف، هي التي يُعترف بأنّها تمتلك مهارات أهّلتها لمختلف لمناصب التي شغلتها، بأنّها عنيدة وصلبة في مواقفها، وتدافع عنها حتى النهاية، حتى أنّ عنادها انسحب ربما على دفاعها عن السياسات الليبرالية رغم فشلها، لا سيما أنّها خلّفت فقراً لدى قطاعات واسعة من الأردنيين، لطالما تظاهروا ضدّها.