"هيئة تحرير الشام"... اندماج بأهداف عدة

29 يناير 2017
يخيم التوتر على الشمال السوري (محمد أبو العبد/ الأناضول)
+ الخط -
تتوالى التطورات في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، التي تشهد منذ أيام، حالة من الاستنفار والترقب، عقب الاقتتال الذي نشب بين فصائل المعارضة وجبهة "فتح الشام" (النصرة سابقاً). الحدث الأبرز، تمثل أمس السبت في إعلان خمسة فصائل عسكرية حلّ أنفسها واندماجها تحت مسمّى "هيئة تحرير الشام"، وأبرزها "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، في خطوة لا تنفصل عن محاولة الجبهة تحقيق عدد من الأهداف، ولا سيما أن توقيت المعارك والاندماج لا يمكن فصلهما عن انتهاء مؤتمر أستانة السوري والمخرجات التي تضمنها. وضمّ التشكيل الجديد إلى جانب "فتح الشام"، حركة نور الدين زنكي، وجيش السنة، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، بقيادة القائد الأسبق لحركة أحرار الشام الإسلامية أبو جابر الشيخ. وغاب عن التشكيل الجديد قائد جبهة فتح الشام ومؤسسها أبو محمد الجولاني، بينما برز اسم أبو جابر الشيخ، والذي لم يكن ضمن الفصائل المذكورة سابقاً. 

وبدا أن الهدف الأساسي لبيان الاندماج "تحصين" "فتح الشام" لنفسها وتبرئتها من تهمة إضعاف مقاتلي المعارضة، لا سيما بعد تعمدها استهداف فصائل معارضة بالتزامن مع انتهاء مؤتمر أستانة السوري ووضعها في سياق "إفشال المؤامرات والتصدي لها قبل وقوعها"، في انعكاس للقناعة التي أصبحت سائدة لدى "فتح الشام" بأن الفصائل التي حضرت مباحثات أستانة، وافقت على قرار يقضي بعزل "الجبهة" ومحاربتها.



ضمن هذا السياق، أشار بيان الاندماج، أمس، إلى أن "الاندماج جاء نظراً لما تمرّ بها الثورة السورية من منعطفات واحتراب داخلي"، داعياً "الفصائل الأخرى للانضمام، جمعاً لكلمة الثورة وحفظاً لمكتسباتها".

وفور الاندماج، أعلن التشكيل الجديد وقف الاقتتال الحاصل في إدلب بين "فتح الشام" وفصائل أخرى، وإطلاق كافة الأسرى الذين تمّ اعتقالهم أثناء المواجهات.

وجاء الإعلان عن تشكيل "هئية تحرير الشام" بالتزامن مع استمرار التوتر في الشمال السوري. وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، بأن "جبهة فتح الشام اعتقلت عدداً من عناصر ألوية صقور الشام المنضم حديثاً لحركة أحرار الشام الإسلامية، من بينهم ابن القيادي أبو عيسى الشيخ، في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، بعد عملية التفاف على موقعهم في قرية الرويحية". وأكّد الشيخ في تسجيل صوتي "أسر ابنه محمد مع مجموعة من العناصر من قبل المجرم (زعيم جبهة فتح الشام أبو محمد) الجولاني وأتباعه".

وفي السياق نفسه، واصلت أحرار الشام والفصائل المنضوية تحت لوائها من جهة وجبهة فتح الشام حشد المزيد من القوات والعتاد العسكري بريف إدلب الجنوبي الشرقي في ظل تقدم جديد لجبهة فتح الشام وسيطرتها على عدد من القرى بعد معارك بين الطرفين. وقال ناشطون إن عناصر جبهة فتح الشام تمكنوا من السيطرة على كل من قرى وبلدات ديرسنبل والمغارة وفركيا بريف جبل الزاوية بعد معارك عنيفة مع مقاتلي صقور الشام وأحرار الشام استخدم فيها الجانبان الأسلحة الثقيلة والدبابات، الأمر الذي دفع مقاتلي المعارضة للانسحاب من هذه البلدات. في موازاة ذلك، واصل الجيش التركي قصفه المدفعي والصاروخي على مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في مدينة الباب وريفها في الريف الشمالي لمحافظة حلب، فيما حققت قوات النظام المزيد من التقدم بريف الباب الجنوبي لتسيطر على مواقع جديدة من التنظيم، وتصبح للمرة الأولى على تماس مباشر مع فصائل "درع الفرات" المدعومة من الجيش التركي في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة الباب.

واستهدف الجيش التركي الأحياء الغربية من الباب التي يتحصن بها "داعش" براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من عناصر التنظيم، إضافة إلى مقتل مدني وإصابة خمسة آخرين، وذلك بالتزامن مع مواصلة المقاتلات الحربية التابعة لسلاح الجو التركي والروسي غاراتها على مواقع "داعش" في مدينة الباب ومحيطها. وكان الجيش التركي قد أعلن يوم الجمعة، أن "داعش يستعد للخروج من مدينة الباب"، مضيفاً في بيان أنه "على الرغم من محاولات مقاتلي التنظيم، وضغطهم على الأهالي في منطقة الباب، تمكن معظمهم من الهرب خارج المدينة، ولم يتبق في المدينة سوى ما بين 15 إلى 18 ألف شخص". وكشف البيان أن "المقاتلين التونسيين يشكلون الأغلبية في الباب، وأن التنظيم بدأ نقل مقراته ومراكزه إلى منطقة تادف، في محيط الباب".



من جهة أخرى، قال ناشطون إن "قوات النظام تمكنت من السيطرة على تلال الشرفة الاستراتيجية المطلة على الطريق الواصل بين قرية أبو طلطل وبلدة تادف. في وقتٍ تتواصل فيه الاشتباكات بين النظام وداعش في جبهات عدة، جنوب غربي الباب، لتصبح قوات النظام على تماس مباشر مع فصائل درع الفرات الموجودة في قرية داغلباش، جنوب غربي الباب". وادي بردى في غضون ذلك، بعد شهر من القصف المتواصل على المنطقة، وصلت مجموعة من قوات النظام السوري إلى نبع الفيجة في منطقة وادي بردى بريف دمشق الشمالي الغربي، في إطار اتفاق جديد توصلت إليه مع الفعاليات العسكرية والمدنية في المنطقة. ونفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" ما ذكره النظام بشأن سيطرة قواته على نبع عين الفيجة، مشيرة إلى أن دخول ورش الصيانة برفقة قناة تلفزيونية تابعة للنظام يوم الجمعة كان بالاتفاق مع فصائل المعارضة وفي إطار تنفيذ الاتفاق، وأن رفع علم النظام جاء بمبادرة من الفصائل كبادرة حسن نية بالترافق مع دخول فرق الهلال الأحمر لنقل الجرحى من أبناء المنطقة الى المستشفيات.

وأوضحت أن "الاتفاق يقضي بانسحاب مقاتلي المعارضة من قرية عين الفيجة باتجاه قرية دير مقرن المجاورة، إضافة إلى تسوية وضع نحو 1500 من مقاتلي المعارضة في منطقة وادي بردى، وخروج من يرفض منهم هذه التسوية إلى الشمال السوري بسلاحهم الخفيف". وكانت مصادر متطابقة قد ذكرت أن الاتفاق القديم، أي الذي تم برعاية ألمانية، والذي يتم التفاوض على تنفيذه ينص على إعفاء المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية لمدة 6 أشهر، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط والخفيف، وتسوية أوضاع المطلوبين لأية جهة أمنية كانت، وعدم وجود أي مسلّح غريب في المنطقة من خارج قرى وادي بردى ابتداء من بسيمة إلى سوق الوادي. وبالنسبة للمسلحين من خارج المنطقة، يتم إرسالهم بسلاحهم الخفيف إلى إدلب مع عائلاتهم، كما يحقّ لمن يرغب من مقاتلي وادي بردى الخروج من المنطقة إلى إدلب بسلاحهم الخفيف. ويمكن للمقاتلين السوريين من أبناء قرى الوادي أو من خارجها، المنشقين أو المتخلفين عن الخدمة العسكرية، أداء الخدمة العسكرية في قراهم بصفة دفاع وطني ويعد هذا بمثابة التحاقهم بخدمة العسكرية. ويقضي الاتفاق أيضاً بعدم دخول قوات النظام إلى المنازل، لكن يحق لها وضع حواجز عند مدخل كل قرية، عبر الطريق الرئيسية الواصلة بين قرى وادي بردى. ويعتبر هذا الاتفاق هو الخامس، بعد إجهاض أربعة اتفاقات سابقة بسبب خروق قوات النظام.