الحريري وإيران.. خيط علاقات رفيع تقطعه السعودية

05 نوفمبر 2017
الحريري زار إيران عام 2010 (فرانس برس)
+ الخط -
تعاملت طهران عقب إعلان سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية مع الأمر باستغراب شديد في البداية، وما إن زالت علامات المفاجأة حتى بدت إيران واضحة في قراءتها لما جرى، فانطلقت في موقفها من نقطتين؛ الأولى ترتبط بزمان الاستقالة، والثانية بمكان الإعلان عنها.

لا يمكن لإيران أن تتجاهل مسألة التوقيت، فإعلان الحريري عن استقالته جاء مباشرة عقب لقاء عقده مع مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، خلال زيارته إلى لبنان، فضلاً عن تزامنها مع التقدّم الميداني في كل من سورية والعراق، وتراجع تنظيم "داعش" الإرهابي، ما حوّل المعادلات لمصلحة إيران وحلفائها، وهو ما جاء على لسان مسؤولين من الخارجية الإيرانية.


كذلك أعلن هؤلاء صراحة أن ذهاب الحريري إلى السعودية ولجوءه إليها في هذه المرحلة يعنيان أنه قرر الانضمام إلى ساحة ما تسميه البلاد بـ"التحالف الأميركي الإسرائيلي السعودي"، وهو ما يعني فتح حرب على "حزب الله" أولاً، وإيران ثانياً، ويهدف إلى جرّ المنطقة لتوتر جديد من داخل لبنان، فتعالت التحذيرات الإيرانية من المقبل.

وعلى غلاف صحيفة "صبح نو"، يمكن التعرف على القراءة الإيرانية لما يجري، إذ لخّصت الصحيفة في المقال المعنون بـ"سقوط سعود الحريري"، والذي كتبته بخط عريض على غلافها، قراءتها للأمر بأن إيران عادت إلى وجهة نظرها السابقة، والتي تغاضت عنها نوعاً ما بعد انتخاب ميشال عون رئيساً للبنان وتعيين الحريري رئيساً للوزراء، ومفادها التعامل مع الحريري باعتباره ابناً للسعودية ويبني علاقاته مع طهران وفقاً لمسار العلاقات بينها وبين الرياض.




ولطالما حملت العلاقات بين إيران ولبنان، خلال عقود ماضية تلت "الثورة الإسلامية" عام 1979، صفة العلاقات غير المباشرة، وتأثرت في سنوات لاحقة بمسار العلاقات الإيرانية السورية، والتي تحسّنت كثيراً في عهد بشار الأسد، وعقب اغتيال الحريري الأب عام 2005، وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وتكرّست تلك العلاقات مع بعض الأطياف السياسية في لبنان، والتي لم يكن الحريري الابن ولا حلفاؤه جزءاً منها. فريق "14 آذار" الذي يرى أن لإيران يداً، كما لسورية و"حزب الله"، في اغتيال الحريري، يقف أمامه فريق آخر ارتبط بعلاقات وثيقة مع إيران، ما زاد بطبيعة الحال من الانقسام السياسي في الداخل اللبناني.

هدأت الأوضاع قليلاً بعد زيارة شهيرة للرئيس الإيراني المحافظ الأسبق، محمود أحمدي نجاد، إلى بيروت، انتهت بتوقيع 14 اتفاقية تعاون، جاء بعدها سعد الحريري إلى إيران في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع، فكانت زيارته الثانية لإيران، بعد أن حضر إليها مرة مرافقاً والده قبل أربعة عشر عاماً من ذاك التاريخ.

قرأت إيران من زيارة الحريري، في ذلك الحين، بأن الأخير يعترف بدور إيران الإقليمي المهم، بل واعتبرت أن العقبات التي تحول دون تطوير هذه العلاقات أميركية وليست سعودية، لأن واشنطن لن توافق على أي تقارب إيراني لبناني عالي المستوى على شاكلة الإيراني السوري. وجاء على لسان الحريري نفسه من طهران أنه، وبحكم مجاورة إيران للمنطقة العربية، فلا يمكن تجاهل دورها، في تلك الفترة، والتي سبقت أزمات الربيع العربي وعودة التراشق الإيراني السعودي إلى أشده لاحقاً في سورية واليمن والبحرين على وجه الخصوص.

خلال المفاوضات النووية، والتي جلست فيها إيران وأميركا على طاولة واحدة، توجّه الحريري إلى واشنطن قبل أكثر من عامين، بعد لقاء جمعه بالعاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، وهو ما أظهره كأنه يحمل توصية سعودية قبيل وصوله لأميركا التي تبنّت الحوار النووي ودعمته آنذاك. وهي ذاتها التي وقفت إلى جانب محور الحريري وحلفائه بعد 2005، فحاول الحصول على طمأنات تتعلق بالوضع الأمني في لبنان، لا سيما أن الزيارة أخذت طابع بحث ملفات التطورات الإقليمية، حين بلغت أزمة سورية ولاجئيها مرحلة بالغة التعقيد، انعكست مباشرة على لبنان، كون "حزب الله" انخرط في القتال هناك أيضاً.

لكن انتخاب عون رئيساً قبل عام تقريباً، كان كفيلاً بخلق تهدئة بين إيران والحريري، فسارعت طهران إلى توجيه المباركات، وأشادت بالرجل الذي اعتبرت أن وصوله إلى كرسي الرئاسة يعني انتصاراً لـ"حزب الله" وتراجعاً للدور السعودي في لبنان وفي الإقليم برمته، حتى إن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، زار بيروت ليلتقي بعون وبالحريري كذلك.

في شهر أغسطس/ آب الماضي التقى الحريري مساعد وزير الخارجية، حسين جابري أنصاري، في لبنان أيضاً، وهو مسؤول ملف المفاوضات المرتبطة بسورية في أستانة، ورئيس الدائرة العربية في الخارجية الإيرانية، وأوضح له أن إيران تعتزم توثيق علاقاتها السياسية مع لبنان لتحقيق ظروف أفضل، منطلقاً من ضرورة مواجهة التهديدات الموجهة ضد لبنان نفسه بسبب النزاعات والحروب المحيطة به.

لكن المعطيات الراهنة تجعل طهران ترتكز أكثر على إرث العلاقات الثقيلة بينها وبين السعودية، والتي يبدو أنها تتجه إلى مسار أكثر حدة؛ فخطوة الحريري تعيد الجميع إلى المربع الأول، لا سيما أن إيران حاولت التغاضي عن علاقته بالمملكة من خلال تركيزها على ظروف قد تتحول لمصلحتها في أشهر ماضية. لكنها اليوم على قناعة بأن مؤتمر الرياض الذي عُقد برعاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومع التغييرات المتسارعة داخل البيت السعودي، سيرتفع سقف المواجهة السياسية أولاً في المرحلة المقبلة.


المساهمون