أثار اجتماع مفاجئ بين زعماء فصائل عراقية مسلّحة مرتبطة بالعتبات الدينية، في النجف وكربلاء ومعروفة ضمن اسم "حشد المرجعية"، في تمييز كونها لا ترتبط بإيران، على غرار مليشيات أخرى وأن عملها محلي داخل العراق وموجه ضد مسلحي تنظيم "داعش"، حصراً، عاصفة من التحليلات المتضاربة في وسائل الإعلام المحلية التي تحدثت عن أن الفصائل المسلحة ذات الانتماء العراقي والمرتبطة بالنجف أو كربلاء، انشقت عن "الحشد الشعبي" وقررت الالتحاق بتشكيلات وزارة الدفاع العراقية.
الخلافات التي لم تعد خافية على أحد داخل فصائل "الحشد" منذ عدّة أشهر، وتفاقمت بعد اغتيال الولايات المتحدة زعيم "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، ومعاون قائد "الحشد"، أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد، مطلع العام الحالي، والذي يعتبر القائد الفعلي لـ"الحشد الشعبي" الذي يضم نحو 70 فصيلاً مسلحاً، اتسعت بشكل أكبر بعد قرار منفرد من فصائل ترتبط بإيران ويجري تمييزها عن غيرها بعدة عبارات مثل "الفصائل الولائية"، بمعنى أنها مرتبطة بمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، أو "فصائل المقاومة الإسلامية"، وهو السائد بينها اليوم، بتسمية زعيم كتائب "حزب الله"، المدعو أبو فدك، خلفاً لأبي مهدي المهندس وهو ما أدى إلى اعتراض الفصائل ذات التوجه العراقي واعتبرت القرار غير ملزم لها.
وأظهرت صوراً لزعماء أبرز أربع فصائل مسلّحة ترتبط بالنجف وكربلاء تحديداً، وتعتبر الأقرب للجيش والأكثر التزاماً بقرارات الحكومة، خلال اجتماع مع وزير الدفاع، نجاح الشمري، أمس الأربعاء. وبحسب الصور، فإن الفصائل هي كل من، "لواء علي الأكبر"، و"فرقة الإمام علي"، و"لواء أنصار المرجعية"، و"فرقة العباس".
وتحدثت تقارير صحافية عن أنّ "الاجتماع كان على إثر قرار اتخذته الفصائل الأربعة في الانسلاخ عن الحشد الشعبي والانضمام إلى وزارة الدفاع، في مسعى منها للنأي عن تسييس الحشد الشعبي وإدخاله بالصراع الأميركي الإيراني، أو الأزمة السياسية الحالية حول الحكومة".
لكن مسؤولاً عراقياً رفيعاً في مجلس الوزراء قال في اتصال هاتفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع بحث جملة من الملفات المتعلقة بانتشار أفراد تلك الفصائل وتسليحها وضرورة دعمها ولم يتطرق لمسألة انضمامها لوزارة الدفاع"، معتبراً أن "مثل هكذا قرار لا يمكن لوزير الدفاع أن يبت به حالياً"، لكنه بالوقت نفسه أقرّ بوجود "هكذا مشروع في دمج تلك الفصائل مع القوة العددية للقوات البرية كونها عراقية المشروع والهدف".
وأضاف أنّ "الفصائل المسلّحة المقربة من إيران داخل الحشد نقلت الحدث الأمني العراقي من جرائم داعش إلى هجمات صاروخية وتهديدات وتسيير قوافل لدعم نظام بشار الأسد بشكل أخل باستقرار الأمن العراقي وأحرج العراق كلياً".
ومضى قائلاً إن "تداعيات القصف الذي يستهدف المعسكرات التي تضم جنوداً أميركيين، والرد الأميركي ألقت بظلالها وعمّقت الشرخ داخل الحشد، إذ إن الفصائل التي لا ترتبط بالفاعل الإيراني ترفض تحويل العراق إلى ساحة حرب مع الأميركيين، وقيادتها تؤمن بحصر السلاح بيد الدولة".
Twitter Post
|
ويؤكد مقربون من "الحشد" وجود تجاذبات سياسية ومحاولات لجر "الحشد" نحو التعسكر السياسي، وهذا الأمر قد أثر سلباً، ودفع باتجاه الانقسام.
وقال القيادي السابق في "الحشد" كريم النوري، لـ"العربي الجديد"، إن "القانون يتيح للحشد أن يكون جزءا من مؤسسات الدولة حتى ينهي تأثير الأحزاب والقوى السياسية، على هذه المؤسسة"، لافتاً إلى "وجود تجاذبات سياسية ومحاولات جر الحشد نحو الخلافات السياسية، وهذا أمر يسيء إلى الحشد بشكل عام".
وأكد "نحن مع ضم الحشد إلى المؤسسة الأمنية لإبعاد الشبهات عنه، وليكون قوة للعراق"، موضحاً "نحتاج الحشد لكن أن يكون حشداً بصورته العسكرية بعيداً عن التأثير السياسي والمسميات الأخرى، وهذا الذي نراه يتمثل بالفصائل التابعة للمرجعية التي هي أكثر الجهات التي تقبل بحصر السلاح بيد الدولة، وذلك يعود لوجود من يوجه تلك الفصائل ويسيطر على قراراتها".
Facebook Post |
مختصون بالشأن الأمني، رجحوا أن انسحاب الفصائل العراقية من الحشد وتوجهها للجيش خطوة غير مستبعده الحدوث وإن كان بعد حين وليس الآن.
وأوضح الخبير الأمني، طه الشيخ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "موضوع خروج الفصائل الأربعة من الحشد، يرتبط بموضوع حصر السلاح بيد الدولة"، مبيناً "وجود توجيهات سابقة بضم الفصائل إلى المؤسسة الأمنية، وحصر السلاح المنفلت، وهذه الفصائل رأت أن تكون هناك مركزية بعملها".
وأشار إلى أن "المرجعية الدينية كانت دائماً مع حصر السلاح بيد الدولة، لذا الخطوة تتناسب مع طرحها".
يتزامن ذلك، مع ما تشهده الساحة العراقية، من قلق متزايد جراء تكرار القصف الذي يستهدف القواعد الأميركية بالعراق، وعدم التزام عدد من الفصائل المسلحة بالتوجيهات الحكومية.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أخيراً، أنها تبحث كيفية الرد على استهداف قواتها في العراق. وقال المتحدث باسم الوزارة، جوناثان هوفمان، أمس الأربعاء، في إفادة صحافية، "ما زلنا نبحث كيف سنرد على أي هجوم ضد القوات الأميركية. في أي مكان بالعالم نحتفظ بحق الرد عن أنفسنا".
وتسببت الهجمات الصاروخية على المعسكرات التي تضم جنوداً أميركيين، بمقتل جنديين أميركيينن وآخر بريطاني، وإصابة 12 آخرين، بحسب رواية الجيش الأميركي، بينما أوقع الرد الأميركي بقصف معسكرات لـ"الحشد" في بابل وكربلاء والأنبار، ما لا يقل عن 10 قتلى وأسفر عن إصابة 60 آخرين، غالبيتهم من فصائل "الحشد" الموالية لإيران.
وأقر البرلمان العراقي في عام 2016 ما يعرف باسم "قانون الحشد الشعبي"، الذي اعتبر فيه "الحشد" مؤسسة عسكرية مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة تتلقى أوامرها منه، لكن أغلب فصائل "الحشد" لم تلتزم بالتوجيهات الحكومية، وارتكبت انتهاكات كثيرة في المحافظات التي شهدت معارك ضد "داعش" كما أنها أظهرت ولاءها لإيران بشكل معلن لا سيما بعد تداعيات قصفها للمواقع الأميركية بالعراق.