الرئيس الصيني في زيارة "استعراضية" لفرنسا... وماكرون يستنجد بميركل

25 مارس 2019
فرنسا تحتاج للصين (جون بول بيليسيي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة رسمية، أمس الأحد، إلى فرنسا، بعد الزيارة الرسمية التي قام بها قبل خمس سنوات، وتهدف الزيارة كما صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى وضع العلاقات في الزمن، وفي أجواء ودّية.

وتعرف فرنسا أن الصين لم تَعُد كما كانت، فقد تألقت كثير من شركاتها، وعلى الخصوص العملاق "هواوي" في الاتصالات، الذي نجح في تجاوز شركة "أبل"، في سوق الهواتف الذكية.

وتجد فرنسا صعوبة في اختيار طريقة التعامل مع الصين، ما بين التشدد أو الحذر. ويبدو أن السلطات الفرنسية تختار الحذر، حين يؤكد الإيليزيه أنه يستطيع قبول مشاريع تعاون مع الصين إذا ما احترمت بعض المعايير، كالسيادة والشفافية والمعادلة بالمثل ثم الانتقال الإيكولوجي.

وعلى الرغم من الحذر الفرنسي، إلا أن الصين شريكٌ لا يمكن الاستغناء عنه في أوروبا، وهي تستثمر، في ما يخص شركة "هواوي" التي وصلت إلى أوروبا قبل نحو عشرين سنة، ما بين 10 و15 في المائة من أرباحها سنوياً، في البحث وتطوير "الجيل الخامس" (G5)، وهذه التكنولوجيا، التي يقال إن "من يتحكم فيها يمكنه السيطرة على العالَم"، ستسمح بسرعة الاتصال والقدرة على نقل المعلومات. ومن هنا المخاطر التي تمثلها على ميادين حساسة كالجيش، وهنا يصبح الأمر مقلقاً، ويدعو الأوروبيين لتطوير تقنياتهم حتى لا يظلوا خلف الصينيين والأميركيين.

وليس من شكّ أن فرنسا ليست لوحدها في موضع من يتعرض لهذا الهجوم الصيني، فأوروبا المنقسمة لا تستطيع الاستغناء عن الصين، التي تعرّضت علاقاتها مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يفرض نوعاً من الحمائية، لانتكاسة متواصلة.

وتعتبر الصين الشريك الاقتصادي الثاني للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة، وتتجاوز مبادلات السلع بين الطرفين، الأوروبي والصيني، ملياراً ونصف مليار يورو، يومياً.

ولكن علاقات فرنسا مع الصين تظل بالغة الحذر، فالصين لا تهاجم القارّة الأوروبية لوحدها، بل أيضاً مستعمرات فرنسا السابقة في أفريقيا، التي كانت تعتبرها فرنسا، خلال عقود، حديقتها الخلفية، وهو ما عبّر عنه ماكرون أمام سفرائه قبل سنة بالقول: "إن الصين تنشرُ رؤيتها الخاصة للعالَم، ورؤيتها الخاصة عن تعددية أطراف مخترَعة، أكثر ميلاً للهيمنة". وعلى الرغم من أن ماكرون يحيّي الاستثمارات الصينية في القارّة السمراء إلا أنه يستدرك قائلاً إنه "يؤمن بعقلية التوازن والمعاملة بالمثل"، وهو اعتراف بأن العلاقات ليست متساوية ومتوازنة.

كما أن الحذر في فرنسا قويّ في ما يخص نقل التكنولوجيا إلى الصين، وهو ما حذّر منه وزير الاقتصاد برونو لومير صراحة، حين انتقد "استثمارات النهب" الصينية في بلاده، وهو ما أكد أن حكومته ترفضها. في حين أن فرنسا ترحب، كما يقول لومير، بـ"الاستثمارات الصينية"، لكن مع وجود "حدود واضحة" حين "تكون السيادة مهدَّدة".

كما أن القلق أيضاً، متزايد من احتمال وجود برنامج صيني واسع للتجسس، عن طريق شبكة "لينكد إن"، كما أكدت صحيفة "لوفيغارو" قبل سنة.

فرنسا لا تستطيع المواجهة لوحدها

يردد الرئيس ماكرون كثيراً مفهوم "الدفاع عن السيادة الأوروبية"، وقد عبر عن الارتياح في تصريحه قبل أيام، على هامش اللقاء الأوروبي في بروكسل، لأن هذا المفهوم بدأ يلقى آذاناً صاغية، وخاصة في ما يتعلق بالصين. ويعرف الرئيس ماكرون أن فرنسا لوحدها لن تستطيع مواجهة العملاق الصيني، وخاصة أن بلداناً أوروبية سقطت في إغواء طريق الحرير الصينية، ومن بينها البرتغال والمجر واليونان، وأخيراً إيطاليا، التي أعلنت اللحاق بطرق الحرير الصينية الجديدة.

هذه الطريق الجديدة، التي تهدف من ورائها الصين إلى تصدير بضائعها ومنتجاتها إلى العالم، والتي جهزت من أجلها، وعلى نفقتها، طرقاً وسكك حديد وموانئ، بكلفة تصل إلى 1000 مليار يورو.

ولهذا السبب دشّن ماكرون سابقة دبلوماسية، عبر دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية كلود يونكر، للقاء رباعي في باريس غداً الثلاثاء.

والهدف المعلن، هو وضع حدّ لسياسة الاستفراد التي تقوم بها الصين، بكل بلد أوروبي على حدة، ومن ثم خلق جبهة موحدة في مواجهة الطموحات الصينية.

وتأتي دعوة المستشارة الألمانية إلى لقاء باريس، وعياً بالموقف الألماني المتميز في التحذير من الهيمنة الصينية، الذي عبّر عنه رئيس الدبلوماسية الألماني، هيكو ماس، بتصريح يخلو من الدبلوماسية: "إن الصين ليست ديمقراطية ليبرالية"، أي "إن الدول الأوروبية التي عمّقت علاقاتها مع الصين، ستجد نفسَها في موضع التبعية"، وهو ما دفع ماكرون للاعتراف قبل أيام، في بروكسل بأن "عصر السذاجة تجاه الصين قد ولّى".

السياحة والموقف من البيئة يقرّبان

ورغم كلّ الحذر، فإن ثمة أشياء تنتظرها فرنسا بشغف، من الصين. وباعتراف ماكرون، فإن بلاده "تراهن على تعزيز جذب السيّاح الصينيين"، المتميزين بكرمهم خلافاً لسيّاح آخرين، وتأمل أن تستقبل إلى نهاية سنة 2020، خمسة ملايين منهم. وقد ازداد عددهم خلال خمس سنوات بنسبة 20 في المائة.

كما أن فرنسا لا يمكنها سوى أن تشكر القيادة الصينية على توقيعها على اتفاق باريس حول المناخ، وباعتراف المسؤولين الفرنسيين، فإن هذا الاتفاق ما كان له أن يبقى على قيد الحياة لولا الموقف الصيني.

وأما مفهوم الهيمنة الذي يخشاه الأوروبيون، فهو يظلّ مختلفاً عن المعيار التقليدي الغربي، الذي يرتكز على الوجود العسكري والأيديولوجي، فالصين لا تملك قاعدة عسكرية خارج بلادها إلا في جيبوتي. وكما يقول الباحث فرانسوا غوديمونت من معهد مونتان، فالصين "لا تريد أن تسيطر على العالَم، بل كيف تستفيد منه"، ومن هنا عودة "طريق الحرير" وميزانيتها الضخمة التي تثير القلق والحيرة والإعجاب.

المساهمون