اليمين يدعو إلى "أسرلة" الأمن في فرنسا

29 يوليو 2016
انتقد ساركوزي الحكومة بشدّة (بنوا تيسييه/فرانس برس)
+ الخط -
صعّد زعماء اليمين الفرنسي، أمس الخميس، وتيرة هجومهم على الحكومة الاشتراكية والرئيس فرانسوا هولاند، بعد مقتل الكاهن جاك هامل، في الاعتداء الذي تبنّاه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يوم الثلاثاء، على كنيسة في روان في منطقة نورماندي. لكن الأبرز تمثل في بدء ظهور أصوات تنادي باستنساخ التجارب الإسرائيلية.

في هذا الإطار، طالب وزير الدفاع السابق، رئيس منطقة نورماندي في الحزب، هيرفي موران، الحكومة بـ"الطرد الفوري للأجانب المشتبه بميولهم المتطرفة، واللجوء إلى فرض الإقامة الجبرية على المشتبه فيهم". ودعا موران إلى "الاحتذاء بنموذج دولة إسرائيل في الوقاية من الهجمات الإرهابية"، قائلاً "يجب علينا أسرلة (مشتق من إسرائيل) الأمن في فرنسا". وأخذاً بعين الاعتبار ممارسات دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، فإنه يفهم من هذه الدعوة أنها تنطوي على مطالبات بفرض عقوبات من نوع هدم منازل المتورطين ومعاقبة ذويهم وإبعادهم الى بلادهم الأصلية، وترحيل حتى المشتبه بتطرّفهم مثلما تبعد إسرائيل المقاومين المحتملين من الضفة والقدس المحتلة إلى غزة أو إلى دول أخرى. كما أنها قد تعني تطبيق قواعد إطلاق النار الفوري مثلما يقتل جنود الاحتلال الفلسطينيين بدعوى الدهس أو الطعن.

من جهته، رأى الرئيس الفرنسي السابق، زعيم حزب "الجمهوريون"، نيكولا ساركوزي، أن "الحكومة الاشتراكية لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية فرنسا من الهجمات الإرهابية". وأضاف أنه "منذ عام 2015 شهدت فرنسا ثمانية اعتداءات إرهابية، ذهب ضحيتها 236 شخصاً، ولم تكن الحكومة في مستوى هذه التحديات". وانتقد ساركوزي النظام القضائي، معتبراً أن عليه "أن يحمي الضحايا المحتملين بدلاً من أن يحمي مرتكبي الاعتداءات المقبلة".

كما أكد ساركوزي أن "التدابير الأمنية في مدينة نيس لم تكن كافية لتفادي الاعتداء، الذي أوقع في 14 يوليو/ تموز الحالي 84 قتيلاً". ورأى بأن "ثمة خلل في النظام القضائي والأمني، جعل منفّذي اعتداء الكنيسة حرّان طليقان، رغم أنهما يخضعان للمتابعة القضائية".





من جهته، دعا نائب رئيس "الجمهوريون"، لوران فوكيز، إلى "استقالة رئيس الوزراء مانويل فالس، ووزير داخليته برنار كازنوف، لكونهما يرفضان اتخاذ التدابير الأمنية الضرورية لحماية البلاد من الهجمات الإرهابية". وطالب فوكيز الرئيس هولاند بـ"الكفّ عن القول بأن الإرهاب يجب أن يتكيّف مع القانون، لأن القانون هو الذي يجب أن يتكيّف مع الإرهاب، ومن واجب الدولة الديمقراطية أن تحمي مواطنيها بكل الوسائل القانونية". 

أما رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، مارين لوبان، فقد حمّلت المسؤولية كاملة للنخبة السياسية يساراً ويميناً، واعتبرت أن "الاعتداءات الإرهابية المتكررة ضد فرنسا تتحمّل مسؤوليتها الكبيرة النخبة السياسية التي تحكم البلاد منذ 30 عاماً". وانتهزت لوبان الاعتداء الأخير على الكنيسة، لتطالب بتطبيق مطالب حزبها المتمثلة في "الإغلاق الفوري للمساجد السلفية، وحماية الحدود الوطنية، ووقف الهجرة، وطرد المشتبه فيهم خارج فرنسا".

وبدت المواجهة بين المعارضة والحكومة بشأن التدابير ضد الإرهاب، مواجهة بين معسكر يميني لا يتردد في المطالبة بالدوس على القوانين والتضحية بالحريات الفردية، ومعسكر الحكومة الذي يسعى للمصالحة بين الإجراءات الأمنية الاستثنائية في ظل دولة القانون وعدم انتهاك الحريات. مع العلم أن هولاند وفالس أكدا بعد اعتداء نيس بأن "الدولة ليست مجبرة على اختراع قوانين جديدة غداة كل اعتداء إرهابي"، في رد على مزايدات اليمين.

لكن أمام تصاعد حدة الانتقادات ومزايدات اليمين، صار لزاماً على هولاند أن يعلن عن تدابير جديدة، رغم أن حالة الطوارئ والاستنفار الأمني، هي السقف الأعلى نظرياً لمحاربة التهديدات الإرهابية، لعلم هولاند وحكومته بأن اعتداءات مماثلة لاعتداءات نيس والكنيسة لا يمكن التكهّن بها وتفاديها.

ويبقى الإجراء الأكثر لفتاً للانتباه، الذي تجاهلته المعارضة اليمينية، هو تفعيل البند 15 من قانون الطوارئ من خلال تمديده أخيراً من طرف البرلمان ومجلس الشيوخ. وهو البند الذي يعطي الضوء الأخضر لأجهزة الاستخبارات المختلفة لمتابعة لصيقة للمشتبه بميولهم المتطرفة، عبر التجسس الآني على هواتفهم وتحركاتهم في وسائل الاتصال الاجتماعي واقتفاء آثارهم على شبكة الانترنت من دون إذن قضائي. ما يعني اللجوء فعلياً إلى مراقبة استخباراتية وقائية لحوالي 14 ألف شخص، تشكّ الأجهزة الأمنية في تعاطفهم مع الفكر الديني المتطرف. ويجيز هذا البند أيضاً توسيع عمليات المراقبة لتشمل أقرباء وعائلات وأصدقاء المشتبه فيهم، وهو الأمر الذي كان ممنوعاً في السابق ويتطلب إذناً خاصاً من القضاء.

غير أن هولاند صار مطالباً بإعلانات سياسية برّاقة لإخماد نار الانتقادات وطمأنة الرأي العام، ومن هنا إعلانه، أمس الخميس، عن مشروع إنشاء حرس وطني، تتشكّل عناصره من جيش الاحتياط. وأوضح بيان صادر عن قصر الرئاسة بأن "طريقة تشكيل هذا الحرس وتأهيله، سيتمّ وضعها لاحقاً بالتشاور مع كل الفاعلين في مجال الأمن". ومن المتوقع أن يتم رسم معالم المشروع بدقة في اجتماع لمجلس الدفاع الوطني، وتقديم المقترحات إلى البرلمان في مستهل شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، ما يعني أن دخول هذا المشروع حيّز التنفيذ يتطلب أشهراً عديدة، ولا تأثير له للوقاية في الوقت الحالي ضد التهديدات الإرهابية.