تونس: هل ينتج الحوار الوطني مصالحة سياسية؟

20 يونيو 2020
تخشى أطراف تونسية عدة من تهديد التجربة الديمقراطية (Getty)
+ الخط -
أمام تصاعد وتيرة الخلافات والاتهامات المتبادلة بين الفاعلين السياسيين في تونس، ودخول أطراف خارجية على الخط لصبّ الزيت على النار والعمل على التفرقة بين الأفرقاء واستغلال المتناقضات الداخلية، دعت شخصيات سياسية ونواب في تونس إلى ضرورة عقد حوار وطني يضع حداً للتجاذبات والصراعات السياسية، مؤكدة على ضرورة وضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة، وتهدئة الأجواء للتغلّب على الأزمة الراهنة، وحماية المسار الديمقراطي.

وتخشى العديد من الأطراف السياسية في تونس من مغبة تهديد التجربة الديمقراطية، خصوصاً مع تفاقم الصعوبات الاجتماعية ومؤشرات الركود الاقتصادي بسبب فيروس كورونا، وما قد تخلفه من آثار كبيرة على الموازنات المالية للدولة التي تعرف صعوبات حتى من قبل هذه الأزمة.

ووجه رئيس المجلس التأسيسي سابقاً، مؤسس حزب "التكتل"، مصطفى بن جعفر، دعوة عاجلة لرئيس الجمهورية، قيس سعيّد، لإجراء مصالحة بين الأفرقاء السياسيين. وأشار في مقطع فيديو نشره عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، إلى أنّ "المشهد السياسي والبرلماني يشهد تجاذبات غير مسبوقة"، محذراً من خطر مثل هذه الصراعات. ودعا بن جعفر رئيس الدولة، بصفته رئيس جميع التونسيين وحامي الدستور، إلى أن ينظّم حواراً وطنياً لتجاوز الأزمة السياسية التي تنبئ بمزيد من التوتر.

وفي السياق نفسه، أعلن رئيس "الحركة الديمقراطية"، أحمد نجيب الشابي، عن إطلاق مبادرة حوار وطني جديدة، وأوضح أنه سيتم فيها التنسيق مع عدد من مكونات المجتمع المدني والمنظمات الاجتماعية كاتحاد الشغل، ومنظمة رجال الأعمال، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، وذلك بهدف وضع خريطة طريق تحدّد أولويات المرحلة المقبلة وتلزم الأطراف السياسة بتطبيقها.

ولفت الشابي، في حديث لوسائل إعلام تونسية، إلى أنّه "لا يجب الانتظار، بل لا بدّ من الانطلاق في الاتصالات، والتنسيق مع الأطراف المعنية، خصوصاً في ظلّ مخاوف عدة من تفاقم الوضع الاجتماعي، ومن تداعيات أزمة كورونا"، مشيراً إلى أنّ الهدف من الحوار هو "فتح الطريق والمحافظة على مؤسسات الدولة".

وتعليقاً على هذه الدعوات، قال رئيس كتلة الإصلاح الوطني في البرلمان، حسونة الناصفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الحوار الوطني يمكن أن يشكّل مخرجاً من المأزق السياسي الراهن، خصوصاً أنه سيجمع الأفرقاء السياسيين، من الحكم والمعارضة، والحوار يبقى مطلوباً دائماً". وتابع أنه "على الرغم من توفر مؤسسات شرعية يمكن أن تحتضن الحوار الوطني، إلا أنّ عجزها عن إدارة الحوار بين جميع الأفرقاء السياسيين، يحتّم تشريك منظمات وطنية ومكونات من الساحة السياسية لاحتضان هذا الحوار".

وأوضح الناصفي أنّ الحوار الوطني "مهما كان محتواه والهدف من انعقاده، فإنه لن يقود إلا إلى مسائل إيجابية". وأشار إلى أنّ "مثل هذه الدعوات مرحب بها، وهي أفضل من الدعوات للفوضى وضرب مؤسسات الدولة، والقدح في الشرعية والمؤسسات الدستورية"، مبيناً أنه "لا يمكن تفادي مختلف المشاكل والصعوبات سوى بالحوار".

ولفت الناصفي إلى أنّ "الحوار في الفترة الحالية لن يكون مشابهاً للحوار الوطني الذي انعقد عام 2013، لأنّ الظروف تغيّرت، والإشكاليات المطروحة والأولويات ليست ذاتها". وأكد أنّ "الرهانات الاقتصادية والاجتماعية تغيّرت كذلك، ولا بدّ أن يأخذ الحوار بعين الاعتبار هذه المتغيّرات، وأن يتم وضع مصلحة البلاد قبل المصلحة السياسية". وقال المتحدث ذاته إنه "حان الوقت لإصلاح المنظومة السياسية وتقييمها بعد 10 سنوات، إذ إنّ الحوار لا يجب أن يكون مجرد تداول بالأوضاع، بل يجب أن يناقش جميع جوانب الوضع الراهن، ويعمل على إنقاذ تونس، وهذا لن يكون إلا من خلال وضوح الرؤية، ووضع جميع هذه التحديات ضمن الأولويات".

من جهته، رأى رئيس لجنة النظام الداخلي بمجلس النواب، هيثم براهم، أنّ الحوار الوطني "يمكن أن يخرج تونس من الوضع السياسي الدقيق، خصوصاً أنّ المواضيع ستناقش بين الأفرقاء السياسيين بكل شفافية، وليس في الأماكن المغلقة". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الوصول إلى حلول سيضمن دعم المجموعات الوطنية على اختلافها، ما يعني تلافي التجاذبات السياسية الموجودة في المشهدين البرلماني والسياسي، والاستعاضة عن ذلك بوحدة وطنية أشمل".

ولفت براهم إلى أنّ "الحوار الوطني له شروطه ومتطلباته، ولا بدّ من تنظيم جيّد ومحكم له، بحيث يجلس الجميع على طاولة الحوار"، مشيراً إلى أنّ "تونس تمكّنت سابقاً من تجاوز الصعوبات بالحوار، ويمكنها أيضاً حلّ الأزمة الراهنة بالمسار نفسه". وتابع أنّ "الحوار الوطني لن يكون بمنأى عن انخراط الفاعل الرئيسي في الساحة السياسية وهي الحكومة، فالوضع استثنائي ومعقّد، ويتطلّب مشاركة جميع المكونات، كالمنظمات الوطنية والأحزاب".

ووفقاً لبراهم، فإنّ "الوضع الراهن مختلف عما سبق، وبالتالي سيكون الحوار المنتظر مختلفاً عن حوار عام 2013، لأنّ العديد من العوامل تغيّرت، فالحكومة في السابق لم تكن مستقرة، كما أنّ العديد من الظروف ليست نفسها". وأكّد أنّ "الوضع الحالي يتطلب حلولاً مشتركة، ومهما كانت الخلافات فلا بدّ من الخروج من هذه المحنة، ونحن في حاجة أكيدة للحوار الذي سيجمع بين أطراف سياسية مختلفة بهدف تقريب وجهات النظر بينها، ولو كان هناك توافق لما كانت هناك دعوة للحوار الوطني من الأساس. وبالتالي لا خيار سوى الحوار الوطني لأنه لا يمكننا المواصلة بالوضع نفسه". وكشف براهم أنّ "الحكومة التونسية جهّزت برنامجاً للمرحلة المقبلة، سيتم طرحه قبل 25 يونيو/ حزيران الحالي، وقد يكون منطلقاً للحوار الوطني، إذ ستتم مناقشته، وفي حال برزت خلافات حوله، سيتم تعديله، على أمل أنّ يتم تجاوز العديد من الصعوبات".

المساهمون