بن علي يلدرم... رجل أردوغان القوي لرئاسة الحزب والحكومة

20 مايو 2016
يوصف يلدرم بأنه ذراع أردوغان اليمنى (آدم ألطان/فرانس برس)
+ الخط -
نجح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في إيصال رجله القوي في حزب "العدالة والتنمية" بن علي يلدرم، إلى رئاسة الحكومة، مع إعلان الحزب، أمس الخميس، أن وزير المواصلات والاتصالات، بن علي يلدرم (61 عاماً)، مهندس البنية التحتية للمواصلات والاتصالات في تركيا، هو المرشح الوحيد إلى رئاسة الحزب خلفاً لرئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، وبالتالي سيتولى كذلك رئاسة الحكومة.
ويُمثّل وصول يلدرم إلى رئاسة الحكومة، إنهاء سيطرة الخطاب الأكاديمي الهادئ لداود أوغلو خلال العامين الأخيرين، إذ سيعود الحزب مع قيادة يلدرم له، المعروف برئيس تيار الصقور اليميني القومي فيه، إلى ما يُطلق عليه الخطاب الأناضولي القاسي في السياسة، المطابق للخطاب "الأردوغاني". هذا الأمر بدا واضحاً خلال كلمة الشكر التي ألقاها يلدرم في مقر الحزب الرئيس في العاصمة التركية أنقرة بعد إعلانه مرشحاً وحيداً لرئاسة الحزب. فقد بدأ كلمته بالتأكيد على رمزية مصطفى كمال أتاتورك، مؤسساً للجمهورية التركية، خاتماً إياها بالتأكيد على استمرار العمليات العسكرية ضد "الإرهاب"، ممثلاً بحزب "العمال الكردستاني" حتى سحقه.
ومن غير المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة أي خلافات بين الرئاسة التركية ورئاسة الوزراء أو حتى توتراً في العلاقة بينهما، إذ يُعدّ يلدرم رجل أردوغان القوي في الحزب والوزارة، وهو لم ينفصل عنه أبداً، بل يمتلك تأثيراً كبيراً على أردوغان، الأمر الذي بدا واضحاً في عدة مواقف، كان أبرزها خلال الخلافات مع داود أوغلو أثناء بقاء يلدرم خارج الحكومة. فبعد أن قام لطفي علوان، خليفة يلدرم في وزارة الاتصالات، بتغيير كافة الكوادر البيروقراطية التي عيّنها يلدرم في الوزارة، أبدى الأخير انزعاجه، ليرد عبر رئاسة الجمهورية، إذ دعا أردوغان إلى وقف مناقصة الجيل الرابع لخدمات المحمول، الأمر الذي تم بالفعل، ليتم الإعلان وفق رغبة يلدرم، في وقت لاحق عن خدمات الجيل 4.5 الأمر الذي افتتحه يلدرم خلال عودته للوزارة مرة أخرى.
وأمام التوافق الواضح بين أردوغان ويلدرم، من غير المرجح أن تقوم الحكومة الجديدة بإحداث أي تغيرات على السياسة الخارجية، لجهة إدارة الملفات الشائكة، سواء تجاه الصراع السوري أو العلاقات مع كل من روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إذ ستبقى هذه السياسة في يد رئاسة الجمهورية. أما على المستوى الداخلي، فمن غير المتوقع إحداث أي تغيير في مقاربة العلاقة مع "العمال الكردستاني"، إذ توجّه يلدرم مباشرة بعد إعلان ترشيحه بشكل رسمي إلى مدينة دياربكر بكل ما تعنيه من رمزية للحركة القومية الكردية، وذلك لزيارة ذوي ضحايا هجوم "العمال الكردستاني" الأخير في الولاية، والذي أدى إلى مقتل 16 مدنياً، مشدداً من هناك على أن "العمليات العسكرية لن تتوقف حتى سحق الإرهاب"، في إشارة إلى "العمال الكردستاني".
وسيكون أمام حكومة يلدرم المقبلة مهمة أساسية ممثّلة بالعمل على تمرير دستور جديد يعتمد النظام الرئاسي بدل البرلماني أو على الأقل تمرير تعديلات دستورية تتيح وجود رئيس جمهورية حزبي. لكن هذه المهمة لن تكون الوحيدة أمام رئيس الحكومة الجديد، إذ يدور حديث في أروقة "العدالة والتنمية" في أنقرة عن تغييرات كبيرة ستشهدها خطط التنمية والإدارات الاقتصادية. ومن المتوقع أن يخرج من الحكم نائب رئيس الوزراء الحالي الاقتصادي المعروف، محمد شيمشك، آخر أعضاء فريق قائد التنمية الاقتصادية التركية علي بابا جان، على أن يتولى وزير الطاقة الحالي براءات البيرق، صهر أردوغان، الملف الاقتصادي.


وأبعد من ذلك، يبدو أن رجل المشاريع، كما يلقب يلدرم، يُجهز لخطة مشاريع كبيرة وإصلاحات اقتصادية واسعة النطاق ليبدأ بها عهد حكومته. وعلمت "العربي الجديد" أن هذه الخطة ترى في أسلوب التنمية الكوري الجنوبي نموذجاً لإجراء تحوّلات جوهرية في الاقتصاد التركي خلال السنوات المقبلة، إذ سيتم الكشف عن بعض هذه الخطط خلال المؤتمر الاستثنائي لـ"العدالة والتنمية" يوم الأحد المقبل، الذي سيشهد تنصيب يلدرم قائداً للحزب، ليقوم أردوغان في وقت لاحق بتكليفه تشكيلَ الحكومة الجديدة، لتتم المصادقة على الحكومة في البرلمان نهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر المقبل على أبعد تقدير.
يلدرم، الذي يتحدر من أسرة تركية من ولاية أزرينجان شرق الأناضول، بدأ حياته السياسية برفقة أردوغان عندما كان الأخير رئيساً لبلدية إسطنبول في التسعينيات، فتولى يلدرم، خريج كلية العلوم البحرية التابعة لجامعة إسطنبول التقنية بدرجة الماجستير، إدارة خدمات النقل البحرية في مدينة إسطنبول، واستطاع خلال توليه منصبه تحقيق قفزة نوعية في الخدمات التي كانت مقدّمة للنقل الجماعي البحري في مدينة إسطنبول.
تعززت الصداقة بين كل من أردوغان ويلدرم، وبعد مشاركة الأخير في تأسيس حزب "العدالة والتنمية" عام 2001، بات يلدرم الوزير الأكثر بقاءً في منصبه خلال الحكومات المتعاقبة منذ تولي "العدالة والتنمية" رئاسة الحكومة عام 2002، وساهم في تحقيق قفزة نوعية في البنية التحتية للمواصلات في عموم الجمهورية التركية، على كل المستويات. فارتفع عدد المطارات في تركيا من 26 مطاراً إلى 52 مطاراً مجهزين وفق المعايير العالمية، وبعد أن كان طول الطرقات المنجزة في عموم الأراضي التركية منذ إنشائها لا يتجاوز 6 آلاف كيلومتر، استطاع يلدرم في حوالي 12 عاماً، من وجوده في وزارة المواصلات، إضافة أكثر من 17 ألفاً وخمسمئة كيلومتر إليها. وكذلك تم إنشاء أول خط قطار سريع في تركيا، وتم بناء أكثر من ألف كيلومتر من خطوط السكك الحديدية الجديدة وتجديد 5449 كيلومتراً أخرى.
ويُعتبر يلدرم أو ذراع أردوغان اليمنى، كما يُطلق عليه في الأوساط السياسية التركية، من أبرز المخططين والمشرفين على تنفيذ المشاريع العملاقة في تركيا، على رأسها قطار الأنفاق الذي يربط بين القسم الآسيوي والقسم الأوروبي لمدينة إسطنبول، وجسر السلطان سليم بين ضفتي إسطنبول، وأيضاً مشروع المطار الجديد في القسم الأوروبي من مدينة إسطنبول الذي سيكون واحداً من أكبر المطارات في العالم، والعديد من الجسور العملاقة، أهمها الذي يربط إزمير بإسطنبول، وكذلك تطوير البنية التحتية للاتصالات في البلاد بشكل سريع.
بقي يلدرم وزيراً في الحكومة حتى صعود أردوغان إلى منصب رئاسة الجمهورية في أغسطس/آب 2014، ويُعتبر صاحب رقم قياسي في الحفاظ على منصبه كوزير. وبعد أن كان أحد منافسي داود أوغلو على خلافة أردوغان في منصب رئاسة الوزراء، قام الرئيس التركي بإبعاد يلدرم عن الحكومة واصطحابه معه إلى القصر الرئاسي كأحد أبرز مستشاريه. بل إن أردوغان لوّح مراراً بورقة بن علي يلدرم في وجه داود أوغلو خلال خلافاتهما حول أسماء اللجنة المركزية لحزب "العدالة والتنمية" أثناء المؤتمر الاستثنائي الأخير في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن يرضخ داود أوغلو لطلب أردوغان المتعلق بتشكيلة اللجنة المركزية للحزب، ليصبح يلدرم عضواً في اللجنة المركزية في الحزب ومن ثم وزيراً للاتصالات والمواصلات بعد انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التي استعاد خلالها "العدالة والتنمية" الغالبية البرلمانية الكافية للتفرد بالحكم.
تميّزت العلاقة بين أردوغان ويلدرم بالتوافق الكبير، بل التحالف ضد ممثلي التيار الأكثر تديناً والأقل راديكالية، فإضافة إلى العلاقة السيئة التي جمعته مع داود أوغلو خلال السنتين الأخيرتين، حصل عدد من الصدامات بينه وبين عدد من الحرس القديم، أهمهم نائب رئيس الوزراء السابق، بولنت أرينج، أحد أهم مؤسسي الحزب وداعمي تيار داود أوغلو فيه.
كما كان يلدرم أحد الأسماء التي تم تداولها خلال قضايا الفساد في نهاية ديسمبر/كانون الأول عام 2013 والتي طاولت بشكل أساسي أربعة وزراء لم يكن يلدرم منهم وعدداً من الشخصيات المقربة من أردوغان، وبعد أن تم تسريب تسجيل صوتي منسوب له، ألقى يلدرم كلمة في البرلمان تحدى فيها إثبات تورطه في أية عملية فساد، متحدثاً عن إنجازاته في البنى التحتية، وبالفعل لم يتم استدعاء يلدرم حتى إلى التحقيق.