فرنسا تمنع "أسطول الحرية" من الرسو في باريس

17 يونيو 2018
تنديد واسع بمنع "أسطول الحرية" من الرسو (العربي الجديد)
+ الخط -
قررت السلطات الفرنسية، وعلى أعلى مستوى سياسي، في بادرة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا السياسي المعاصر، عدم السماح لسفينتين من "أسطول الحرية من أجل غزة"، بالرسو على ضفة نهر السين، تحت جسر "سولي"، مقابل معهد العالم العربي، وتزج بعشرات من أفراد الشرطة لمنع المواطنين من الاقتراب من الشاطئ.

وفي حالة شبيهة بما قامت وتقوم به السفن الإسرائيلية التي تمنع السفن من كسر الحصار على غزة، قامت سفن الشرطة النهرية الفرنسية، في الساعة الثانية بعد الظهيرة اليوم الأحد، بمنع سفينتين متضامنتين مع غزة من الرسو على شاطئ نهر السين والالتقاء بمواطنين ومناضلين متضامنين مع الشعب الفلسطيني، ومنددين بالحصار الذي تتعرض له غزة منذ فترة طويلة.

وكان العشرات من المواطنين الفرنسيين والعرب ينتظرون، بفارغ الصبر، وصول هاتين السفينتين، اللتين كانتا من المفروض أن تصلا يوم 13 من الشهر، لولا رفض عمدة باريس، المقربة من إسرائيل، آن هيدالغو، لذلك.


وحضرت شخصيات مرموقة لاستقبال السفينتين، من بينها جاك لانغ، رئيس معهد العالم العربي، وليلى شهيد برادة، سفير دولة فلسطين السابقة، وأيضا سفير فلسطين الحالي، سلمان الهرفي، والنائبة الإيكولوجية عن مجلس الشيوخ، إيستر بنباسا، وأرملة المناضل الفرنسي الراحل ستيفان هيسل، صاحب كتيّب "انتفضوا"، ورئيس جمعية "فرنسا-فلسطين للتضامن"، برنار هلبرون ورئيس الجمعية الشرفي توفيق التهاني، والنائب البرلماني والقيادي في حركة "فرنسا غير الخاضعة"، إيريك كوكريل.

وقد سمح لسفيرة فلسطين السابقة والسفير الحالي وأيضا لجاك لانغ والنائبة بنباسّا بالاقتراب من ضفة النهر، لتأمّل المشهد في الوقت الذي كانت فيه سفن الشرطة النهرية تقود سفينتي الأسطول بعيداً من شاطئ نهر السين.


وعلى بعد أمتار من الشاطئ، كان العشرات، من المحاصرين بأعداد كبيرة جدا من قوات الشرطة، يتبادلون عن بعد التحيات مع ركاب السفينتين المحتجزتين، ويهتفون بالتحية لغزة، وصمود أهاليها، ويصرخون: "نتنياهو مجرم، ماكرون متواطئ".

وتناول العديد من الحاضرين الكلمة، وعلى رأسهم برنار هلبرون، الذي عبّر عن الغضب الشديد من هذا الموقف الفرنسي الرسمي "المخزي"، والذي جاء بعد استقبال "المجرم" نتنياهو.

وأضاف: "شيء لا يطاق أن نرى منع هاتين السفينتين، المتجهتين للحاق سفن العودة في مارسيليا، قبل توجههما معا إلى غزة، من التوقف في باريس. مستحيل أن نتحمل هذا الموقف. إن صُوَرَ الشرطة الفرنسية وهي تمنع سفن أسطول العودة من الرسو والتوقف ستنتشر في وسائل الإعلام العالمية.. وسيكون عاراً وفضيحة على السلطات السياسية الفرنسية.. وعاراً وفضيحةً على سلطات مدينة باريس.. وهذه السفن شعارُها إنسانيٌّ: "لنَظَلَّ إنسانيين".

وصاح هلبرون: "يا غزة، يا غزة، لن ننساكِ"، و"باريس لم تَعُد مدينة الأنوار، بل هي مدينة الظلمات"، "إسرائيل قاتلة، ماكرون متواطئ"، "أوقفوا قتل الشعب الفلسطيني".

ووجه أحد المتدخلين انتقادا لاذعا لبلدية باريس، التي تراكمت مواقفها المعادية للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فهي التي حافظت، قبل سنوات، على موسم "شاطئ باريس" و "تل أبيب على نهر السين"، رغم مجازر إسرائيل في غزة.


وتناولت الكلمة مسؤولة عن "الاتحاد اليهودي من أجل السلام"، التي أدانت هذه "الفضيحة المطلقة"، وأضافت: "يجب أن نعمّق التضامن والتعبئة، فنحن في مواجهة "الوغد" نتنياهو، الذي لن يتوقف أبدا.. وكل مسؤولي أوروبا هم أصدقاؤُه وإخوانُهُ، بمن فيهم الزعماء الأكثر تطرفا والأشد يمينية والأكثر معاداة للسامية والأكثر فاشية".

ثم تناول الكلمة القيادي في "فرنسا غير الخاضعة"، إيريك كوكريل، فعبّر عن "التمرد الذي يسكنني بسبب الوضعية التي حدثت للتو، هنا (منع رسوّ سفينتي أسطول العودة)، وأكد "وجود رغبة سياسية فرنسية في منع هذا الرسوّ الرمزي.. ومرة أخرى يعبر الموقف الرسمي الفرنسي عن فضيحة".

وأضاف كوكريل: "منذ شهور، والحكومة الإسرائيلية تسارع في سياسة القمع والاستيطان وهي سياسات، نعرف جميعا، أنها تتناقض مع كل قرارات الأمم المتحدة. بطبيعة الحال تلقت دعما من قبل أميركا، بعد اعترافها بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وكان من واجب فرنسا اتخاذ سياسة قوية ومستقلة".

وتابع القول: "الرئيس ماكرون لا يقول شيئا، إلا حين يكون التبادل الحر مُهدَّداً من قبل الرئيس ترامب. أما هنا فصوت فرنسا صامتٌ، والأسوأ من هذا أنه في مجلس النواب (البرلمان)، حين نسأل وزير الخارجية، جان إيف لودريان، عن الموقف الفرنسي تجاه ما يحدث في غزة والمجازر التي يتعرض لها المدنيون في غزة، يُجيب بأن "إسرائيل لها الحق في تأمين حدودها"، وهو ما يعني أنه يضع في نفس الموقع الجيش الإسرائيلي والمتظاهرين الفلسطينيين السلميين.

ومضى قائلا: "إنّ ما وقع اليومَ عنصرٌ جديد إضافي في الفضيحة ولا يمكن إلا أن يدفعنا للانتفاض والتمرد. أنا هنا، وقد كنت أتمنى أن أستقبل الأسطول، وأرى أنه تجب مواصلة التعبئة، حتى حين تكون مواقف السلطة السياسية الفرنسية مُحبِطة، تجب مواصلة مساءلتها ومساءلة الطبقة السياسية، والدبلوماسية الفرنسية، والحرص على خلق تعبئة شعبية لأن ما يحدث هناك، مناقض لمصلحة الجميع، أولا، الشعب الفلسطيني، ولن يأتي بالحقوق والسعادة للإسرائيليين، بسبب سياسة اليمين المتطرف والاستيطان المجنون…لا شيء من دون دولة فلسطينية، وأنا، هنا، للتعبير عن تضامني وعن غضبي".


أما كريستيان هيسل، أرملة ستيفان هيسل، المقاوم الفرنسي الكبير، فأكدت شعورها بـ"الإحباط والغضب من الطريقة التي تعاملت بها فرنسا مع سفينتي العودة، وبالتالي مع القضية الفلسطينية.. إنها فضيحة، ولا يمكن أن تستمر..لا يمكن أن ندع غزة تتعرض لإبادة بطيئة سرية من دون تدخل. وأعبر عن إدانتي وغضبي، لأن الأمور تجاوزت الحدود، ولم يعد بالإمكان أن نحتملها".

وتجدر الإشارة إلى أن القرار السياسي حول منع رسوّ السفينتين اتخذ على مستوى عال، ولا يمكن أن يكون الرئيس ماكرون غائبا عن هذا القرار، كما أكد توفيق التهاني، الرئيس الشرفي لجمعية "فرنسا فلسطين للتضامن"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن أخبارا وصلت إلى الجمعية، عن طريق الشرطة النهرية، تؤكد صدور قرار سياسي بمنع السفينتين من الاقتراب من الشاطئ ومن معانقة العشرات من أنصار القضية الفلسطينية. ​

المساهمون