يوم حاسم قانونياً لـ"تيران وصنافير": حسابات تعقد موقف السيسي

16 يناير 2017
يهمّ النظام المصري العلاقة مع السعودية (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -
من المفترض أن تنطق الدائرة الأولى لفحص الطعون في المحكمة الإدارية العليا المصرية، اليوم الاثنين، بحكمها في طعن الحكومة على حكم محكمة القضاء الإداري، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي يترتب عليها نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير، في مدخل خليج العقبة، إلى السعودية، بعدما بقيتا تحت السيادة المصرية طوال فترات الحروب العربية الإسرائيلية في القرن العشرين. ويكتسب الحكم المرتقب أهميته من أنه قد تترتب عليه مشكلة دستورية، ربما قد تكون الأصعب في تاريخ مصر الحديث، بسبب تنازع اختصاص مراجعة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بأوضاع السيادة بين القضاء والبرلمان، نظراً لإحالة الحكومة الاتفاقية إلى مجلس النواب، الشهر الماضي، وتمسك رئيسه ورئيس لجنته التشريعية بأن "مراجعة الاتفاقيات الدولية سلطة حصرية للبرلمان فقط، ولا يملك القضاء حق الرقابة عليها باعتبارها من أعمال السيادة".

ومن المنتظر اليوم أيضاً أن يحتشد الآلاف من المصريين الرافضين لنقل تبعية الجزيرتين في مبنى مجلس الدولة بحي الدقي الذي يحتضن المحكمة الإدارية العليا. ويسود التفاؤل داخل أوساط المعسكر الرافض لاتفاقية الترسيم، نظراً للمرونة التي اتسم بها تعامل المحكمة معهم والسماح لهم بتقديم جميع ما لديهم من مستندات ووثائق، بالإضافة إلى صدور تقرير هيئة المفوضين موصياً بتأييد حكم أول درجة ببطلان نقل تبعية الجزيرتين. وتملك المحكمة اليوم 4 احتمالات رئيسية للتصرف في القضية.

الاحتمال الأول، وهو الأرجح وفقاً لمصادر قضائية وحقوقية، أن ترفض الطعن المقدم من الحكومة، مؤيدة بذلك حكم أول درجة، ليصبح الحكم نهائياً وباتاً وواجب النفاذ، ولا يجوز الطعن عليه إلاّ بواسطة دعوى بطلان أصلية. وهي دعوى لا تقبل إلا في حالة مخالفة المحكمة القانون شكلياً في تناولها للقضية أو اتصالها بها من دون سند من القانون، لكنها لا تطعن في الحكم موضوعياً.

الاحتمال الثاني، هو إحالة القضية إلى دائرة الموضوع في المحكمة الإدارية العليا لتعلق الطعن بمبدأ جديد مرتبط برقابة القضاء على أعمال السيادة المتعلقة بوضع الدولة الإقليمي وعلاقاتها الخارجية. وفي هذه الحالة ستكون دائرة الموضوع مكونة من رئيس مجلس الدولة المستشار محمد مسعود وأعضاء دائرة الفحص التي ستنطق بالحكم اليوم.

الاحتمال الثالث، هو أن تقبل المحكمة طعن الحكومة، فتوقف تنفيذ حكم أول درجة، وتحيل القضية إلى دائرة الموضوع أيضاً لتصدر حكماً باتاً فيها. وهذا الاحتمال ربما يكون الأضعف بالنظر للمعطيات التي حدثت خلال نظر القضية من إحالة لهيئة المفوضين وإيداع تقرير يوصي برفض الطعن.



الاحتمال الرابع هو أن تؤجل المحكمة الفصل في القضية، سواء بمد أجل النطق بالحكم لعدم اكتمال المداولة، أو لتقديم أي من الخصوم طلباً لإعادة فتح باب المرافعة نظراً لما استجدّ على القضية من أحداث، تتمثل في اتصال مجلس النواب بالاتفاقية محل الطعن. ويرى بعض المسؤولين الحكوميين أنه بمجرد اتصال البرلمان بالاتفاقية فإنه يجب أن تمتنع جميع السلطات الأخرى (التنفيذية والقضائية) عن التدخل في الاتفاقية، إلا بعدما ينتهي مجلس النواب من فحصها وإقرارها أو رفضها، فضلاً عن أن حكم القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية كان قد أخرج رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، من الخصومة في الدعوى، باعتبار أن الاتفاقية لم تكن قد عُرضت عليه وقت صدور الحكم في 21 يونيو/حزيران الماضي.

في هذا السياق، تعدّ الدوائر القانونية بالرئاسة والحكومة ومجلس النواب سيناريوهات مختلفة للتعامل مع الحكم الذي لن يخرج عن الاحتمالات السابقة، وفقاً لمصادر "العربي الجديد"، فإن "شعوراً بالقلق يساور هذه الدوائر خوفاً من استمرار الصدام بين السلطتين القضائية والتشريعية إذا صدر الحكم ببطلان الاتفاقية". وهو ما يعني بطلان اتصال مجلس النواب بالاتفاقية، سواء بتسلمها أو بمناقشتها، ناهيك عن الموافقة عليها، وذلك لوجود شبهات بمخالفتها المادة 151 من الدستور التي تحظر، بالمطلق، على جميع سلطات الدولة التنازل عن أي جزء من أراضي مصر، ولا تتيح إجراء استفتاء شعبي على هذا الأمر.

في هذا الصدد، ينوّه مصدر وزاري، تحدث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "مهما كانت نتيجة هذا الحكم، فلن يؤثر على سلطة البرلمان في إقرار الاتفاقية أو عدم إقرارها، لأن رئيس مجلس النواب ليس مختصماً في القضية. بالتالي إذا صدر الحكم ببطلان الاتفاقية لن يكون له محل من التنفيذ، وستصبح الكلمة الأخيرة للبرلمان، ولن يتمكن أحد من الطعن على ما يصدر منه إلاّ أمام المحكمة الدستورية العليا".



من جهتها، تفيد مصادر حكومية في وزارة العدل، بأن "البرلمان يملك الاستمرار في مناقشة الاتفاقية أياً كان الحكم الذي سيصدر اليوم، وإذا وافق عليها فسوف يكون محظوراً على محكمة القضاء الإداري أو الإدارية العليا المضي قدماً في نظر القضية، سواء في صورة الطعن المتداول حالياً أو أي دعاوى جديدة، لأن الهيئة القضائية المختصة بمراقبة القوانين هي المحكمة الدستورية العليا، والمعروفة ببطء نظر الدعاوى، مما قد يؤدي إلى تعطيل القضية لشهور أو سنوات".

وتضيف المصادر بأن "هناك مساراً آخر غائباً عن نظر معظم المتابعين، هو لجوء الحكومة إلى المحكمة الدستورية العليا بدعاوى تناقض الأحكام بين القضاء الإداري والإدارية العليا من ناحية وبين محكمة الأمور المستعجلة من ناحية أخرى". وتوضح أن "هيئة قضايا الدولة محامي الحكومة ستقوم، بالتأكيد، بإحالة الحكم المتوقع من الإدارية العليا ببطلان الاتفاقية إلى المحكمة الدستورية العليا، بدعوى وجود تناقض بينه وبين حكم محكمة مستأنف الأمور المستعجلة الصادر الشهر الماضي، بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري وببطلان تعرّض القضاء لأعمال السيادة".

وإذا حدث ما تعتبره المصادر "أمراً أكيداً من هيئة قضايا الدولة"، فسوف تكون أمام المحكمة الدستورية دعويان لتناقض الأحكام في هذه القضية، فهي ما زالت تنظر دعوى تناقض سابقة أقامتها الحكومة بشأن حكم أول درجة، بعدما صدر حكمان متناقضان من القضاء الإداري والأمور المستعجلة، الأول يلزم الحكومة بالاستمرار في تنفيذ الحكم، والثاني يوقف تنفيذ الحكم ويعتبره منعدماً.

ووفقاً لمصادر وزارة العدل، فإن "اللجوء إلى المحكمة الدستورية وانتظار كلمتها في القضية سيؤدي إلى تمييع بعض المواقف. وخلال فترة الانتظار، سيكون أمام الحكومة أن تقنع النواب بصحة موقفها حول الجزيرتين من خلال تقديم الوثائق والمستندات لهم، وهي خطوة لم تتم حتى الآن انتظاراً لما ستسفر عنه المسارات القضائية المتشعبة والمتشابكة".

في السياق ذاته، يقول مصدر في وزارة الخارجية إن "نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يهمه الآن، وبشكل مرحلي، إظهار الجدية في إنهاء إجراءات تسليم الجزيرتين للسعودية، وتحسين علاقاته بالمملكة على المستوى الاقتصادي والسياسي". ويشير إلى "وجود وجهة نظر لدى مسؤولين كثر عن الملف مفادها الانتظار لحين هدوء الغضب الشعبي والنيابي القائم حالياً، وممارسة عملية إقناع واستمالة هادئة للنواب، ثم تمرير الاتفاقية بسرعة، كما تمت موافقة مجلس الوزراء على الاتفاقية بسرعة".

ويضيف المصدر أن "هناك اتصالات مستمرة مع السعودية لطمأنتها، خوفاً من احتمالات لجوئها إلى الأمم المتحدة أو التحكيم الدولي لحسم مصير الجزيرتين، لأن أي شكوى من السعودية ستكون موثقة ومدعمة بأن الحكومة المصرية وافقت فعلياً على الاتفاقية ونقل ملكية الجزيرتين. بالتالي لن تكون هناك حجية لأي قرارات محلية مصرية، سواء من البرلمان أو القضاء، فضلاً عن أن خروج الخلافات بين البلدين على الملأ دولياً سيعني دخول العلاقة الثنائية نفقاً مظلماً؛ أكثر من مجرد منع السعودية تصدير الإمدادات البترولية، المتفق عليها سلفاً، للشهر الرابع على التوالي".