وتأكّد توجّه إدارة الرئيس دونالد ترامب لاتخاذ هذه الخطوة بعدما قالت المتحدثة باسم في البيت الأبيض، سارة ساندرز، في رسالة عبر البريد الإلكتروني لصحيفة "نيويورك تايمز"، إنّ "الرئيس (ترامب) تشاور مع فريقه للأمن القومي وزعماء في المنطقة (في إشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكام السعودية والإمارات) يشاركونه القلق"، مشيرةً إلى أنّ "هذا التصنيف يسير في الطريق عبر عملية داخلية". كما قال مسؤول أميركي لوكالة "رويترز"، إنّ "السيسي طلب التصنيف من ترامب خلال اجتماع خاص أثناء زيارته لواشنطن في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي". وردّ ترامب بالإيجاب على السيسي، قائلاً إنّ ذلك "سيكون منطقياً"، وفق كلام المسؤول الأميركي.
وفي السياق، قال مسؤول مصري رسمي، تحدث مع "العربي الجديد"، "إنّ المطلب المصري من الجانب الأميركي الخاص بحظر جماعة الإخوان، ليس وليدَ هذه الأيام، إذ تكرر أكثر من مرة منذ وصول ترامب للبيت الأبيض، وتلاقي وجهات نظره مع وجهات نظر قادة المنطقة في مجموعة من الملفات، وفي مقدمتها محاربة الإرهاب".
وأضاف المسؤول المصري أنّ "ترامب متوافق مع وجهة النظر المصرية والإماراتية والسعودية في ما يخص جماعة الإخوان، وكون أفكارها منبعاً للتطرف"، مستدركاً بالقول "إلا أنّ المقاومة الكبيرة داخل دوائر صناعة القرار الأميركي لحظر الجماعة وتصنيفها منظمة إرهابية ليست بالهينة". ولفت إلى أنّ بعض الأجهزة الأميركية "ترفض ذلك نظراً لارتباط الولايات المتحدة بعلاقات وشراكة مع دول وأنظمة تعدّ الجماعة جزءاً منها، وهو ما سيصعّب من تلك المهمة مستقبلاً".
ولفت المسؤول نفسه إلى أنه "أمام الإلحاح المصري، والإنفاق الخليجي على عدد من شركات العلاقات العامة، وصناع الرأي في الولايات المتحدة، تمّ التوصل إلى القرار الأميركي، بحظر حركتي حسم ولواء الثورة المصريتين، وضمهما للقائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية، كخطوة ترضية مقابل الكثير من الأموال التي تنفقها كل من الإمارات والسعودية في هذا الصدد".
واعترف المسؤول بأنّ خطوة حظر الجماعة بالكامل أمر صعب، لكن ربما يكون البديل داخل الإدارة الأميركية هو حظر الفرع المصري، وإدراجه ضمن قوائم المنظمات الإرهابية.
من جهته، علّق خبير سياسي متخصص في الشأن الأميركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية على حديث المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، بالقول "من يعرف طبيعة اتخاذ القرارات داخل الإدارة الأميركية جيداً، يدرك تماماً صعوبة تصنيف الإخوان منظمة إرهابية، خصوصاً أنّ الأجهزة الأكثر تأثيراً في اتخاذ القرارات ذات الطبيعة الأمنية، صاحبة نفوذ كبير، وتستطيع بتوصياتها مواجهة البيت الأبيض". مع العلم أن المسؤول الأميركي، الذي تحدث مع وكالة "رويترز" حول القضية، قال إن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو يؤيدان تصنيف جماعة الإخوان إلا أن مسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاغون) ومواقع أخرى يعارضونه.
وأوضح الخبير السياسي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ "هناك علاقات قوية بين أجهزة في الإدارة الأميركية وفروع لجماعة الإخوان المسلمين في عدد من الدول، وتلك الأجهزة ما زالت ترى في الجماعة بديلاً آمناً للجماعات المتطرفة والأكثر تشدداً، بل إنه كان يتم اللجوء إليها (الجماعة) في بعض الأحيان، لمواجهة بعض علماء الدين المتطرفين، والذين يدعون للجهاد في مراكز إسلامية في عدد من البلدان الأوروبية".
واستطرد الخبير السياسي قائلاً "في تقديري، إنّ أقصى خطوة كانت من الممكن أن تتخذها الإدارة الأميركية، هي التي تمت في السابق، بحظر تنظيمي حسم ولواء الثورة، بعد تورطهما في عمليات مسلحة، ومحاولة الربط الهيكلي بينهما وبين تيار داخل الجماعة". ورجّح أن تكون طريقة الإعلان عن توجه الإدارة الأميركية لتصنيف "الإخوان" جماعة "إرهابية"، بهذه الصيغة، هي لإرضاء مصر ومن ورائها الأطراف الخليجية، في إطار مجموعة الاتفاقات المالية بين تلك الأطراف وإدارة ترامب، الذي كرر أكثر من مرة ارتباطه بالمال السعودي، وفي ظلّ صعوبة إقدامه على اتخاذ قرار في هذا الشأن، معتبراً أنّ الأمر "ربما لن يتجاوز الإعلان فقط".
وكان محمد سودان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب "الحرية والعدالة" المصري، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، قد قال أول من أمس الثلاثاء، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحديث عن اتجاه الإدارة الأميركية لحظر أنشطة "الإخوان" واعتبارها منظمة "إرهابية"، استجابة لمطالب بعض قادة الدول في المنطقة العربية، أمر في غاية الخطورة. كما أصدرت الجماعة بياناً رسمياً قالت فيه إنها بصدد دراسة ومتابعة ما صرحت به المتحدثة باسم البيت الأبيض وما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، عن أن "قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي قد طلب من الرئيس الأميركي ترامب تصنيف جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب، وأن فريقاً من الإدارة الأميركية يعمل على إصدار قرار بهذا الشأن".
وأضافت الجماعة في بيانها أن "هناك تكراراً لصدور مثل هذه الأخبار طوال السنوات الماضية، في الوقت الذي تتجاهل فيه الولايات المتحدة ما يقوم به السيسي على الأرض من تجاوز لكل القوانين، واستمراره في قتل مئات المصريين من دون محاكمة، واحتجازه لأكثر من ستين ألف مواطن... رجالاً ونساءً وأطفالاً بغير حق".
ورأت الجماعة أنه "لمستغرب أن تكون صياغة توجهات الإدارة الأميركية مرهونة بهذا الشكل، بديكتاتوريات قمعية في الشرق الأوسط، بدلاً من أن تكون سياساتها متسقة مع القيم والمبادئ التي تعلنها دوماً الدولة الأميركية". وقالت "أيًّا كان الهدف مما ذكرته متحدثة البيت الأبيض ونشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإننا ندرك أنّ هناك بعضاً ممن يشاركون في صنع القرار الأميركي يعلمون تماماً ردود فعل هذا القرار على جماعة الإخوان". وأضافت "سنظل بعون الله ثم بالتعاون مع الشعوب حولنا، مستمرين في العمل وفق فكرنا الوسطي السلمي، وما نراه صحيحاً في التعاون الصادق والبناء لخدمة المجتمعات التي نعيش فيها، بل وخدمة الإنسانية كلها، وستظل جماعة الإخوان المسلمين أقوى – بفضل الله وحوله وقوته – من أي قرار".
وحول تأثيرات حديث ساندرز على حركات تربطها علاقات قوية بجماعة "الإخوان"، مثل حركة "حماس" في فلسطين، علّق قيادي بارز في الحركة على ذلك بالقول "في البداية يجب التأكيد على أنّ حماس هي حركة تحرر وطني فلسطينية، ولا ترتبط تنظيمياً بأي حركة أو جماعة خارج حدود فلسطين، وأنها كانت تربطها بالجماعة علاقات تنسيق في ما يخصّ القضية الفلسطينية فقط، كما كان يتم التعاون بين حماس والتيارات القومية والعروبية والإسلامية في العالمين العربي والإسلامي".
وشدد القيادي نفسه، في حديث مع "العربي الجديد"، على أنّ "حماس في وثيقتها السياسية الأخيرة أعادت ترسيم العلاقات وتوضيح النصوص، وأكدت عدم تبعيتها لأي تنظيم خارج الحدود الفلسطينية"، مؤكداً على أنّ "حماس طوال الوقت تربطها علاقات جيدة بكافة الأطراف المصرية سواء الرسمية أو الشعبية، وهو ما يتمثل حالياً في العلاقات الجيدة مع النظام المصري الحالي، وتصحيح سوء الفهم الذي حدث في أعقاب إطاحة الرئيس محمد مرسي".
وتابع أنّ "قيادة حماس لا تعوّل كثيراً على موقف الإدارة الأميركية، لأنها تتخذ خطاً، في ظلّ إدارة ترامب، ينحاز تماماً للكيان الصهيوني. فنحن في الحركة لا نعول على ترامب، ولا نثق به. فهو ذلك الرئيس الأميركي الذي أقدم على خطوة لم يفعلها غيره، وهي نقل سفارة بلاده للقدس واعترافه بها كعاصمة للاحتلال".