الحوار الكوري الأميركي يغري أوساطاً إيرانية باستنساخ التجربة

21 يونيو 2018
يزور روحاني النمسا وسويسرا مطلع الشهر المقبل (Getty)
+ الخط -
انتقد كثر في الداخل الإيراني من المحسوبين على تيارات سياسية مختلفة ودوائر صنع قرار متعددة، الرسالة التي بعثها ناشطون وسياسيون إصلاحيون لمسؤولين رفيعين في البلاد، مطالبين عبرها بإعادة النظر بملف العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، بل وفتح باب تفاوض مباشر غير مشروط معها، محذرين من خسارة ما سموه "الفرصة المناسبة". ووقّع على هذه الرسالة مائة شخصية، بعضهم يعيش داخل إيران وآخرون خارجها. وأكد الأمين العام لحزب "كوادر البناء"، غلام حسين غرباستشي، وهو أحد الموقّعين عليها، أنه بحال تعهدت واشنطن أنها لن تنكث وعودها، فمن الممكن أن يكون الحوار طريقاً لحل المشكلات العالقة معها، واصفاً الرسالة بالبيان الذي ينقل آراء شريحة معينة ولا يمثّل وجهة نظر رسمية. لكن ردّ الفعل الرسمي جاء حاداً للغاية، ومازالت تبعاته تتردد وبقوة في الداخل، فوصف هذا المطلب بأنه "خارج عن سياق العقل"، بل وأنه "ضرب من الجنون". ولم تلق العريضة بطبيعة الحال ترحيب المحافظين الرافضين للتفاوض مع الغرب عموماً ومع الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، وهم أساساً من كان لديهم العديد من التحفظات على الاتفاق النووي الإيراني، وأبدوا تشاؤماً من التعامل الأميركي إزاءه، فأثبت انسحاب واشنطن منه صحة كل مخاوفهم.

كذلك، رفض الإصلاحيون الموجودون في ساحة العمل السياسي في الوقت الراهن، هذا المطلب المطروح في هذا التوقيت بالذات، ونقل موقع وكالة "تسنيم" عن النائب البرلماني الإصلاحي إلياس حضرتي، تأكيده أنّ "طلب التفاوض المباشر مع أميركا خطوة مستعجلة ومتهورة وخاطئة"، مشدداً على رفضه لها. واعتبر حضرتي أنّ "التوقيت غير ملائم" وأن "نكث العهود من قبل واشنطن ليس حديث العهد، وما زال يتكرّر منذ عقود طويلة، وجاء بأشكال متعددة". وصحيح أن حضرتي اعتبر كما بعض الإصلاحيين الآخرين في البلاد، بأن توقيت الرسالة غير مناسب، لكن آخرين ذهبوا أبعد من ذلك ورأوا أنّها "خيانة مباشرة للإيرانيين". ووصف المتحدّث باسم الحكومة الإيرانية المعتدلة، محمد باقر نوبخت، الموقّعين عليها بـ"غير العاقلين سياسياً، ولا سيما أن الشارع اليوم لا يقبل هذا السيناريو"، حسب تعبيره.

ولعلّ ما شجّع هؤلاء على القيام بهذه الخطوة، هو فتح باب الحوار المباشر بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية، والذي قد يحلّ مسألة نووية أكثر تعقيداً من تلك الإيرانية، بحسب تحليل عدد من المواقع الإيرانية، التي حاولت تبرير هذا المطلب في غضون كل التصعيد الذي تواجهه البلاد، والآتي أساساً من طرف أميركا.

وحتى لو لم تحظ هذه العريضة بأي تأييد داخلي واضح من قبل الساسة، فإن المعطيات تشير إلى أنّ طهران تخضع في الوقت الراهن لضغط كبير ناجم عن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو/أيار الماضي أولاً، ومن التخوّف من تبعات العقوبات العائدة إليها خلال شهرين على أقصى تقدير ثانياً، وعدم ضمان نتائج الحوار مع الأطراف الباقية في الاتفاق ثالثاً. وتأتي على رأس هذه الأطراف الدول الأوروبية، وهي التي من المفترض أن تمنح طهران ضمانات حصد المكتسبات الاقتصادية بعد الانسحاب الأميركي، وهو ما يبدو صعباً في الوقت الراهن، إذ تواجه هذه الأطراف صعوبة في إقناع شركاتها في البقاء في إيران، كونها متخوّفة من أن تطاولها عقوبات واشنطن.

وفي هذا السياق، قال رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، إن خطوات وإجراءات الدول الأوروبية للوقوف بوجه السياسات الأميركية التي وصفها بـ"العدائية" والمرتبطة بالاتفاق النووي، "مازالت غير كافية". وأضاف صالحي في تصريحات خلال لقاء عقده مع رئيسة الوزراء النرويجية، إرنا سولبرغ، على هامش مؤتمر في أوسلو الإثنين الماضي، إنّ "طهران معنية بتطوير علاقاتها مع الأطراف الأوروبية في قطاعات الاقتصاد والاستثمار"، داعياً إلى "دعم أوروبي جدي لحفظ الاتفاق النووي".

وتأتي هذه التصريحات قبيل زيارة سيجريها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى سويسرا والنمسا مطلع الشهر المقبل. وقد نقلت مواقع إيرانية أن هذه الجولة الأوروبية القصيرة تأتي "بناءً على دعوة رسمية من مسؤولي كلا البلدين". وأشارت هذه المواقع إلى أنّ روحاني سيبحث مع مسؤولي كلا البلدين آخر تطورات الاتفاق النووي، الذي يبدو حرْص الاتحاد الأوروبي على الحفاظ عليه واضحاً، ليس فقط للاستفادة من كعكة الاقتصاد الإيراني، وإنما لإبقاء باب الأزمة النووية الإيرانية مغلقاً، وضمان تقييد نشاط طهران النووي، وهي التي تقع وسط منطقة تشوبها ظروف حساسة ومعقدة.

وإلى جانب الجهد الديبلوماسي الحقيقي الذي يبذله المسؤولون الإيرانيون على الضفة الأوروبية لا الأميركية، لوحظ في الفترة الأخيرة أن المؤسسة العسكرية لا تحاول التصعيد كثيراً حين يدور الحديث عن الصواريخ المصنعة محلياً، وهو الملف الذي استخدمه ترامب كذريعة ليخرج من الاتفاق النووي. وقد ذكر قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، يوم الثلاثاء الماضي أن "لدى القوات المسلحة الإيرانية القدرة على رفع مدى صواريخها إلى ما يزيد عن ألفي كيلومتر، لكن ذلك ليس ضمن سياساتها ومخططاتها الحالية"، حسب تعبيره، مبرراً ذلك بأن "المدى الحالي يحقّق لها أهدافها ويشكّل قوة ردع كافية تمنع أعداءها من الهجوم عليها".

وقد تمسّكت المؤسسة العسكرية بأجنحتها المختلفة، كما مراكز صنع القرار السياسية الإيرانية المتعددة، بمسألة تطوير المنظومة الصاروخية، كونها دفاعية، ومازالت طهران تناور وتؤكد فصل هذا الملف عن ذاك النووي. لكنّ السؤال المطروح في الوقت الراهن، يتعلّق باحتمال جلوس طهران على طاولة واحدة مع الولايات المتحدة الأميركية مجدداً، بوجود هذه الضغوطات، ولاسيما تلك المرتبطة بعودة العقوبات وباحتمال تعرّض اقتصادها لضغط كبير. ويأتي الجواب من ساحة التحليل الإيرانية بأنّ العوامل التي قد تدفع بطهران لاتخاذ مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن غير متوفرة، فلا يمكن الدخول في تفاوض علني مع واشنطن، خصوصاً أنّ أميركا قد خرجت للتو من اتفاق طال التفاوض حوله، ووافقت إيران خلاله على الجلوس وجهاً لوجه وبشكل ثنائي مع أميركا بعد سنوات من القطيعة. ويبدو أن لدى البلاد القدرة على المناورة حالياً، خصوصاً أن الباب من ناحية أوروبا ما زال مفتوحاً.

أمّا التفاوض السري، فهو كذلك صعب ويتطلّب عوامل أكثر دقّة قد لا تكون متوفّرة لدى أميركا نفسها أولاً. فهذا مرتبط بسياسات وبشخصية الرئيس دونالد ترامب، كما أن الحكومة الإيرانية المعتدلة والتي تضمّ شخصيات إصلاحية، مبتعدة عن واشنطن في الوقت الراهن لأنها خذلتها في مسألة النووي. إلى جانب أنّ كل ذلك يتطلّب موافقة من المرشد الإيراني علي خامنئي أولاً، بالإضافة إلى عوامل كثيرة ثانية يجب أن تتوفّر.

المساهمون